من يقف وراء استمرار معاناة جرحى الحرب بتعز؟ (تقرير خاص بالوثائق)

[ جرحى تعز.. معاناة مستمرة عجزت عن حلها الدولة والحكومة نتيجة تعنت المالية في صرف مخصصات علاجهم (الصورة لتظاهرة لجرحى تعز - من مواقع التواصل الإجتماعي) ]

 ما زال "عبدالناصر قائد"- أحد جرحى تعز- يعاني من جراح في عموده الفقري إثر طلقة نارية من قناص حوثي قبل سنتين من الأن. ولم يجد سوى الشكوى يلوكها كل يوم بمرارة مع بقية زملائه نتيجة الخذلان الحكومي لهم.
 
وبالنسبة لجرحى تعز، ايضا، ليست المضاعفات الجسدية التي يتعرضون لها عاما بعد آخر بسبب الإهمال، هي التي يعانون منها فحسب؛ بل ثمة مضاعفات نفسية أضيفت إليهم بسبب ما يعتقدون أنه "تمييز مناطقي" بين الجرحى من قبل الحكومة ووزارة الدفاع، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم.  
 
ويشكو جرحى تعز، بشكل خاص، دون غيرهم من جرحى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في بقية المحافظات المحررة. وتتواصل تحركاتهم الاحتجاجية للمطالبة بحقوقهم دون كلل، لكن دونما تجاوب يليق بتضحياتهم.
 
وتُلقي اللجنة الطبية لجرحى تعز باللائمة على وزارة المالية التي ما زالت ترفض صرف مخصصات الجرحى رغم تلقيها أوامر سابقة من نائب رئيس الجمهورية وأخرى من رئيس الحكومة بصرف مليار ريال لجرحى تعز منذ يوليو/ تموز الماضي.
   
 
 

إهمال داخلي وخارجي
 
ضحّى جرحى تعز بدمائهم وكثيرا منهم فقدوا أطرافهم في معركة التحرير واستعادة الدولة، لكنهم تُركوا على قارعة الأوجاع مهملين بلا علاج، تنهشم المعاناة ويؤرقهم الخذلان.
  
ويقول الجريح عبد الناصر قائد لـ"يمن شباب نت" إنهم يريدون من الحكومة الشرعية أن "تعاملنا فقط كما تعامل إخواننا الجرحى في بقية المناطق المحررة، فكلنا جرحنا في معركة وطنية واحدة".
 
وتابع: "نحن هنا في تعز، ما زلنا- بعد خمس سنوات من الحرب- نفتقد إلى مراكز متقدمة للعلاج حتى نتعافى، في حين دولتنا لا تهتم بنا، وكأننا لم نقاتل في صفها ومن أجل استعادتها؟!"
 
غير أن مأساة جرحى تعز لا تقتصر على عبد الناصر وزملائه المنسيين معه هنا في الداخل، بل تتعداهم إلى أولئك الذين حظوا بالسفر خارج اليمن لتلقي العلاج، لكن الحكومة أهملتهم وترتكتهم "بلا علاجات ولا مصاريف ولا إيجارات سكن، ويعانون كثيرا وتتعفن جراحهم..". بحسب عبد الناصر.
 

مأساة جرحى تعز بالأرقام
 
تقول إحصائيات متطابقة إن عدد جرحى تعز يتجاوزون 22 ألف جريح، منذ بداية الحرب في 2014.  
 
وطبقا لإحصائية خاصة باللجنة الطبية بتعز، هناك أكثر من 300 جريح بحاجة إلى سفر عاجل للعلاج في الخارج، وأكثر من 200 جريح مشلول بحاجة إلى علاج طبيعي مستمر..
 
 كما تشكف الإحصائية الطبية، التي أطلع عليها "يمن شباب نت"، عن وجود أكثر من 500 جريح بتعز بحاجة إلى تركيب أطراف صناعية، بالإضافة ألى 1,300 جريح يحتاجون إلى إجراء عمليات داخل تعز.
 
وبالنسبة لجرحى المحافظة الذين يتلقون العلاج خارج اليمن، تؤكد المعلومات أن هناك 92 جريحًا في القاهرة حاليًا، و37 جريحا وفي الهند، معاناتهم بالغة الصعوبة، بعد أن توقفت علاجاتهم ومصاريفهم وتعرض كثير منهم للطرد من مساكنهم..!!
 

مشكلة قديمة.. وعجز دائم



مأساة ومعاناة جرحى الحرب في تعز ليست حديثه، بل بدأت مع الأعوام الأولى من الحرب، لكنها ظلت تكبر وتتصاعد تدريجيا حتى بلغت ذروتها وبرزت إلى الواجهة أكثر مع منتصف العام الماضي (2018)، مع تزايد التظاهرات الاحتجاجية للجرحى في تعز، وزملائهم في الهند.


للمزيد حول هذا.. أقرأ:

[رئيسة اللجنة أودعت مليون دولار في حسابها.. رابطة جرحى تعز تكشف عن فساد اللجنة الطبية السابقة (وثائق)]


 
["جرحى تعز" تطالب بإحالة اللجنة الطبية السابقة إلى المحاسبة وتهدد بالتصعيد]


 
وفي السادس من أغسطس 2018، أصدرت رئاسة هيئة الأركان العامة قرارًا بتشكيل لجنة طبية عسكرية بديلة لجرحى محور تعز، برئاسة العميد الدكتور محمد نعمان الثوابي، بعد أن نظّم الجرحى مسيرات تطالب بإقالة رئيسة اللجنة الطبية السابقة د.إيلان عبدالحق وإحالتها للتحقيق بتهمة إختلاس مبالغ مالية كانت مخصصة لمعالجة الجرحى.
 
لم يدم تفاؤل الجرحى باللجنة الطبية الجديدة كثيرا، إذ بعد فترة بسيطة فقط تفاجئوا باللجنة الجديدة نفسها تشكوا العجز وقلة الحيلة، ولم تفلح مناشداتها المتواصلة للجهات العليا بتقديم الدعم المالي اللازم، بما في ذلك تخصيص ميزانية مناسبة لها أسوةّ باللجان الطبية في بقية المناطق المحررة، حتى يتسنى لها مواجهة مشاكل الجرحى المتراكمة والفضيعة.
 
وأكد رئيس اللجنة الطبية العسكرية لجرحى تعز، العميد الدكتور محمد نعمان الثوابي، في تصريحات خاصة لـ"يمن شباب نت"، أن لجنة الجرحى بلا ميزانية منذ تشكيلها مطلع أغسطس 2018، ولم تتلقّ أي دعم حكومي، رغم معرفة الجهات العليا ورغم متابعتنا المستمرة ومناشداتنا التي لا تتوقف.
 
 
توجيهات وعراقيل عليا
 
ونتيجة عدم الاستجابة لمطالبها من بعض الجهات المسئولة العليا، عجزت اللجنة الطبية العسكرية عن استكمال معالجة جرحى تعز وتلبية أحتياجاتهم المتزايدة في الداخل والخارج.
 
وأرجعت اللجنة الطبية السبب الرئيسي إلى وجود عراقيل وتعنّت في صرف مخصصات الجرحى من قبل وزارة المالية، التي أكد بلاغ صحفي سابق باسم اللجنة، أنها لم تصرف مخصصات الجرحى رغم وجود توجيهات عليا صريحة بذلك.
 
ففي يوليو/ تموز الماضي، وجّه كل من نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، كل على حده، بصرف مبالغ يصل مجموعها مليار ريال، لإنقاذ جرحى تعز، لكن المبالغ لم تُصرف حتى اليوم.
 
وحصل "يمن شباب نت" على مذكرتين بهذا الخصوص. الأولى موجهة من رئيس الوزراء معين عبد الملك إلى وزارة المالية بصرف مبلغ 500 خمسمئة مليون ريال كمبلغ "إسعافي" للجنة الطبية لإنقاذ جرحى تعز.
 

 

والمذكرة الأخرى، التي حصل عليها "يمن شباب نت" ايضا، تتضمن توجيها من نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن علي محسن الأحمر بصرف مبلغ 500,000,000 ريال- خمسمئة مليون ريال، للجنة الطبية، إضافة إلى المبلغ السابق. 


 

[أقرأ أيضا: صحيفة: ضغوط سعودية وإماراتية توقف منح الهند تأشيرات لعدد من جرحى تعز]


وقالت اللجنة الطبية في بلاغها الصحفي إن وزارة المالية رفضت صرف المليار ريال الذي وجّه بصرفه كل من نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الأمر الذي ضاعف من معاناة الجرحى، فتوقفت علاجاتهم وبقوا في مصر والهند بلا مصاريف.
 
وهو أيضا ما أكده رئيس اللجنة، الثوابي، في تصريحاته لـ"يمن شباب نت"، أن وزارة المالية "رفضت صرف المبلغ".
 
ومع أنه عاد وأوضح أن "وزير المالية وجه قبل يومين فقط بصرف 250 مليون للجنة الطبية، كجزء من المليار ريال" التي وجه نائب الرئيس وورئيس الوزراء بصرفها لجرحى تعز، إلا أنه استدرك بالقول "إلا أن هذا المبلغ لم يصل حتى اليوم، ونتمنى ألا يتأخر، وأن تصرف بقية المبالغ".
 
 
حلول ترقيعية
 


وضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، كشف رئيس اللجنة الطبية بتعز أن الإنجازات التي حققتها لجنته خلال الفترة الماضية تعود إلى "المبالغ التي تستقطع من مرتبات أفراد الجيش الوطني والأمن، بالإضافة إلى مبالغ من السلطة المحلية، ومبلغ 261 مليون ريال يمني من حساب اللجنة السابقة".
 
وأضاف "كما لجأنا قبل أشهر، للأسف الشديد، إلى فاعلي الخير حتى ننقذ جرحانا في الخارج".
 
وطالب الثوابي الرئيس هادي، ورئيس الحكومة، وكل الجهات المسؤولة "بوضع حلّ جذري وعاجل لقضية جرحى تعز، بعيدا عن الحلول الترقيعية التي لا تجدي".

ومع تواصل إحتجاجات جرحى تعز بشكل شبه دائم، ولكن على الهامش السياسي المثخن بالجراح هو الأخر، فقد شهدت تعز مؤخرا تظاهرات شعبية بمشاركة مختلف الفئات المجتمعية الغاضبة، مطالبة برحيل من أسموهم بــ "الفاسدين" في السلطة المحلية، إلى جانب مطالب أخرى، بينها وعلى رأسها إنقاذ جرحى الحرب والمقاومة بالمحافظة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر