الإندبندنت: جحيم الحرب.. عائلات فرت من الحرب في شمال اليمن أضحت تخشى الموت في الجنوب (ترجمة)

في المهرة (شرق اليمن) تعيش العـائلة اليمنية المكونة من 45 شخصًا في ثلاث غرف فقط منذ أن تحول منزلهم الى ركام بعدما قصفته غارات جوية على الحديدة (غرب اليمن) أواخر عام 2017.
 
وبرفقة القليل من الممتلكات، هربوا من تلك المدينة الساحلية الغربية عبر متاهة من الجبهات القتالية إلى أكثر الأماكن أمانًا التي عرفوها: وهي المهرة، في أقصى شرق اليمن.

لكن وبعد مرور عامين، فإنهم يخشون أن تصل الحرب الوشيكة من أجل استقلال الجنوب إلى المهرة، على الحدود مع عمان، حيث التوترات الداخلية تغلي بالفعل. إنهم يخشون النزوح مرة أخرى أو ربما ما هو أسوأ من ذلك- هو كونهم "شماليون" سيضطرون إلى العودة إلى ديارهم.
 
تقول "نجوى حسن" البالغة من العمر 19 سنة، وهي تجلس القرفصاء على أرضية طينية، وتتوسط ستة من إخوتها "بصراحة، لا نعرف إلى أين سنذهب إذا ما وصل القتال الى هنا".
 
في الحقيقة تتواجد أربع عائلات تضم الأسرة الممتدة المكونة من 45 شخصًا، وينامون بالتناوب حيث يتكدسون داخل الغرف المتسخة في المنزل المبني من الطوب الذي استأجروه، وتمتلئ واجهته الخلفية بخيوط الغسيل المزدحمة بملابس متسخة.
 
وتقول "كنا نتمنى أن تنتهي الحرب قريبًا لأنها تزداد قسوة كل شهر، فالظروف رهيبة بالفعل.  لكننا الآن ندعو الله من جديد أن لا تنشب، فلا يأتي أي صراع هنا". وفي أرجاء تلك المساحة الترابية في الغيظة (عاصمة المهرة)، هناك عائلة أخرى فرت من الحديدة، وهي ترقب الأخبار بقلق.
 
في 10 أغسطس، سيطر الانفصاليون الجنوبيون على عدن، عاصمة الأمر الواقع في البلاد، من القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها، والتي كانت ذات يوم حليفاً لها. وتتمسك قوات المجلس الانتقالي الجنوبي التي ترغب في إعادة جنوب اليمن الذي لم يعد موجوداً منذ توحيد البلاد في عام 1990، بثبات في مواقعها العسكرية شرقاً باتجاه المهرة.
 
وفي الأسبوع الماضي نشرت السعودية التي تقود تحالفًا عسكريًا خليجيًا في البلاد مزيدًا من القوات في جنوب اليمن في محاولة لاحتواء الاشتباكات بين حلفائها الإسميين فقط.  لكن القتال لازال محتدماً.
 
يقول غالب سليمان (45عام)، أثناء ما كان أطفاله الستة يثيرون الغبار بلعبهم حوله "إن هذا يعتبر آخر مكان سلمي للناس في الشمال، لكن اليوم هنالك حرب جديدة تؤثر على اليمن بأسره". ويضيف بهدوء "ما يقلقني حقًا هو أن الصراع سيتحرك هنا، وقد يقال لنا إنه حان وقت العودة إلى الشمال".
 
وتبدوا مخاوفه مبررة.
 
فقد حذرت ميشيل باشيليت، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن قوات الانتقالي الجنوبي تشن "حملة اعتقالات وترحيل جماعية ضد الشماليين" في محافظة عدن، وكذلك في بعض أنحاء لحج وأبين، المتاخمة لها.
 
وأضافت "لقد تم احتجاز أكثر من ألف مدني من أصول شمالية، بما في ذلك الأطفال، وسط تقارير تفيد بترحيلهم قسراً إلى شمال اليمن". وقد أنكر الانتقالي الجنوبي ذلك مرارًا وتكرارًا معتبراً بأنها لم تكن عنيفة بالضرورة.  لكن ذلك لم يفعل الكثير لتهدئة المخاوف في المهرة.
 
يضيف غالب بصوت شاحب قائلاً "لدى بعض الناس هنا طريقة تفكير مناطقيـة".
 
وقد قام تحالف الخليج بتدريب عشرات الآلاف من رجال القبائل بمن فيهم الانفصاليون الجنوبيون، في محاولة للإطاحة بالحوثيين واستئصال الجماعات الجهادية مثل القاعدة وداعش.
 
ويبدو أن الخطة تلك جاءت بنتائج عكسية خصوصاً بعدما استولت القوات المدربة في الإمارات الموالية للانتقالي الجنوبي على عدن في أوائل أغسطس، مما أدى إلى تمزيق التحالف المناهض للحوثيين.  ومنذ ذلك الحين قتل العشرات، من بينهم 25 مدنياً.
 
ويطالب الانتقالي بعودة جنوب اليمن المنفصل، وهي دولة تتألف من ست محافظات بما في ذلك المهرة، كانت موجودة منذ عام 1967 حتى تم توحيد البلاد لأول مرة في عام 1990. وتنذر الحرب المستعرة داخل حرب اليمن بعواقب وخيمة على المدنيين
 
وبالفعل، أشعلت خمس سنوات من القتال أسوأ أزمة إنسانية في العالم خلفت 24 مليون شخص، أو ثلثي السكان، يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، وفقًا للأمم المتحدة.  فيما تركت 13 مليون يمني على شفا المجاعة بالإضافة لمقتل أكثر من 70 ألف شخص.
 
لكن هناك 3.5 مليون شخص آخرين نزحوا داخل البلاد، حيث أجُبرت أكثر من 55000 عائلة على الفرار من منازلها منذ بداية العام الحالي وحده.
 
ولا يُعرف عدد الذين وصلوا إلى المهرة، لكن وفقًا للأرقام التي نقلها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ربما تضاعف عدد سكان المحافظة تقريبًا منذ بداية الحرب على الأرجح بسبب نزوح الناس إلى المنطقة.
 
بل هناك مخاوف من أن العدد قد يرتفع مع دخول معركة للانفصال في جنوب البلاد. ويعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي غير مرحب به في المهرة، الأمر الذي دفع الخبراء للتحذير من صراع يلوح في الأفق.
 
وتقول إليزابيث كيندال، خبيرة الشأن اليمني في كلية بيمبروك بجامعة أكسفورد، والتي سافرت على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد بأن دراسة استقصائية شاملة لأكثر من 2,000 أجريت في أوائل عام 2013 كشفت بأن 13? فقط من المهريين يرغبون في أن تكون المحافظة جزءا من جنوب يمن منفصل. وأضافت "ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا قد تغير".
 
 في الواقع، تقول كيندال إن ثلثي الأشخاص الذين قابلتهم في المهرة فضلوا قيام دولتهم المستقلة، حتى لو لم يكن ذلك عمليًا.
 
وهذا يشير إلى وجود صراع داخلي منفصل تمامًا داخل المهرة، مما قد يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للسكان الشماليين المشردين والضعفاء. ويخوض العديد من رجال القبائل الأقوياء داخل المهرة، الذين يفتخرون بثقافة ولغة فريدة، مواجهة ذات تداعيات مميتة محتملة مع المملكة العربية السعودية.
 
ومنذ أواخر عام 2017، بدأت الرياض في نقل مئات الجنود إلى المنطقة ودربت القوات المحلية لمعالجة تهريب الأسلحة المتفشي عبر الحدود التي يسهل اختراقها مع عمان.
 
وعلى الرغم من الوعد السعودي في البداية بعدم القيام بذلك، الا أن الرياض استولت على مطار المهرة المدني وأغلقته، وتحول إلى مقر عسكري.  كما دشنت خمس قواعد عسكرية رئيسية أخرى، مما أثار قلق وغضب بين المهريين الذين يتهمون السعوديين بالاستيلاء على الأراضي وبـ "الاحتلال".
 
"غالب" وهو معلم مدرسي قال بأن النازحون لاحظوا مؤخراً بأن التوترات تتصاعد داخل المهرة. ويقيم حاليًا في مسكن مستأجر بعد فراره من الحديدة في ديسمبر 2017، عندما كان أطفاله على بعد ثوانٍ فقط من أن يضربهم صاروخ سقط على منزلهم.
 
باعت عائلته كل ذهبهم واضطروا للقيام برحلة محفوفة بالمخاطر استمرت يومين عبر مناطق اليمن إلى المهرة، معتقدين بأن نزوحهم سيدوم "لبضعة أشهر" فقط.
 
ومثل الآلاف من موظفي الحكومة في جميع أنحاء اليمن، لم يتقاضى راتبه منذ عام 2018. بل وبات وضعه أكثر تعقيدًا نظراً لتسجيله في كشف الرواتب كمدرس في الحديدة، على الجانب الآخر من البلاد. فيما  تعتمد أسرته على مساعدة منظمات الإغاثة والسكان المحليين.
 
ويقول "تقوم ابنتي بعمل الحناء للفتيات لكسب بعض المال، وأنا أدرس مجانًا في مدرسة محلية وأحاول القيام بتدريس خصوصي، لكن الأمر صعب للغاية". ويخشى العودة إلى الحديدة حيث قتل 20 من أقاربه وما زال القتال مستمراً.
 
ويضيف قائلاً "أنا متأكد من أن جميع النازحين قلقون حيال ذلك، نحن ندعو حتى لا يصل الأمر إلى هذا الحد".
 
على بعد بضع كيلومترات في مستشفى المهرة الرئيسي، الذي يشهد حالة متدهورة وينخفض فيه ??مستوى الإمدادات بشكل مخيف، ينتظر الكثير ممن فروا من الشمال بقلق.
 
صباح سعيد، (47سنة) ترقد على سرير في المستشفى مع ابنتها البالغة من العمر 13 عامًا، رحمة، في "جناح الكوليرا" الذي تم إنشاؤه حديثًا، والذي يعالج معظم النازحين داخليًا، وفقًا لأطباء المستشفى.
 
ويعد "الجناح" امتدادًا مبني بنصف كتلة من الطوب حيث كتبت عبارة (مركز علاج الإسهال) بقلم في أعلى باب متنقل.
 
تقول صباح إنها هربت من تعز، وهي محافظة غرب اليمن، العام الماضي، عندما دك صاروخ منزل جارها. وتضيف "لقد أمسكنا بالأطفال وهربنا، لم نتمكن من أخذ قطعة واحدة معنا".
 
أما ابنتها رحمة فمصابة بسوء التغذية من الكوليرا والتهابات الدم، وتبدو أصغر من كونها تمر بسنوات المراهقة. وعن المهرة تقول صباح "لقد كانت الزاوية الوحيدة الهادئة والمستقرة في اليمن التي وجدناها، وإن شاء الله لن يأتي القتال إلينا.  نحن بالفعل نشعر أنه لا يوجد أمل".
 
الطبيب الفلسطيني قاسم عابد (26عام) هو أحد كبار المسعفين الذين يديرون المستشفى، يقول إن المركز يكافح بالفعل لمواجهة تدفق النازحين ونقص الإمدادات فيه حيث يعد المستشفى الرئيسي في المحافظة، وهو ثاني أكبر مستشفى في اليمن.
 
ويقول "نحتاج إلى معدات مثل اجهزة التصوير المقطعي المحوسب بالرنين المغناطيسي، والتصوير بالرنين المغناطيسي، كما نحتاج إلى مختبر.  ولدينا حضانة واحدة، وليس لدينا المورفين ـ وتابع الطبيب العام، وهو يسير في المركز نصف المبني "نحتاج مضادات حيوية منخفضة، والقائمة تطول".
 
وأضاف "نحن قلقون من أنه سيكون هناك عدد أكبر من الأشخاص القادمين منذ بدء القتال في عدن. لقد استقبلنا بالفعل عددًا أكبر من المرضى هذا العام بصورة أكثر من ذي قبل". ويضيف: "إذا وصل القتال هنا فستكون كارثة، فليس لدينا طريقة للاستعداد له".
 
وبالعودة إلى ضواحي الغيظة، تقول "نجوى" إن العائلة تحاول مواجهة الضغوط بشكل طبيعي. وتضيف "بتنا نفضل عدم مشاهدة الأخبار حتى لا نفزع الأطفال"، كما تقول، وهي تمشي في الغرف الصغيرة، والأطفال الصغار مثل سحابة خلفها.
 
وتابعت "ندعو الله أن يتخذ الجميع قرارات سلمية، وأن يعيش الجميع.  نأمل أن ينتهي القتال قريبًا.  ولكن، كما هو الحال مع كل شيء، الامر بيد الله".


المصدر: INDEPENDEN

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر