بعيدا عن الحكومة والمنظمات الدولية.. مديرية "الوازعية" بتعز تصارع "الكوليرا" لوحدها (تقرير خاص)

[ مديرية الوازعية بتعز تواجه جائحة الكوليرا بمجهود ذاتي بعيدا عن عين الحكومة ودعم المنظمات الانسانية الدولية - خاص: يمن شباب نت ]

 لم تكن مديرية الوازعية- جنوب غرب محافظة تعز، بمنأى عن جائحة الكوليرا، التي اجتاحت معظم مناطق ومديريات البلاد؛ إلا أن "الوازعية"، التي استوطنها الوباء القاتل الشهر الماضي، تبدو وحيدة في مواجهة المرض، بعيدا عن الحكومة، ودعم المنظمات الإنسانية الدولية.
 
وعلى الرغم من أن هذه المديرية- التي تحررت من قبضة الحوثيين قبل أكثر من عام- هي أصغر مديريات محافظة تعز، مساحة، وبها إحدى عشر مرفقا صحيا، إلا أن ذلك لم يساعدها على تجنب تفشي داء الكوليرا، سريعا، وعلى نطاق واسع. الأمر الذي أثار الهلع بين السكان، اللذين يعيش معظمهم في فقر مدقع، وتعتمد نسبة كبيرة منهم على رعي المواشي.
 
 وما زاد أكثر من المخاوف، أن يأتي تفشي هذا الداء في المديرية، في ظل أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة تعيشها محافظة تعز بشكل عام، منذ قرابة خمس سنوات، بما في ذلك انهيار منظومتها الصحية، ما يجعل السلطة المحلية بالمحافظة غير قادرة على توسيع اهتمامها بمديرياتها النائية.
 

نداء استغاثة عاجل

 بحسب المعلومات التي جمعها "يمن شباب نت"، سُجلت أول حالة (اشتباه) بداء الكوليرا في مديرية الوازعية في 26 يونيو/ حزيران المنصرم، ليتوالى، بعدها، أعداد المصابين والمشتبه إصابتهم بالمرض.
 
ومع تفشي المرض بشكل سريع، وارتفاع أعداد حالات الإصابة المؤكدة والمشتبهة، تباعا، أطلق مكتب الصحة في المديرية نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية للمساعدة في الحد من انتشار الوباء في المديرية، التي تعاني من ضعف كبير في الإمكانيات الصحية، مع انعدام شبه كلي لأي اهتمام حكومي.
 
 وأشار البيان الصادر عن إدارة الصحة، إلى أن وباء الكوليرا تفشى إلى حد كبير في الوازعية خلال الشهر الماضي، مخلفا العشرات من الإصابات بين سكان المنطقة "وسط وضع صحي صعب تعيشه المرافق الصحية، في ظل تصاعد المصابين وانعدام الامكانيات اللازمة لمواجهة تفشي المرض".
 
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، تتركز معظم الحالات في قرى حصيب القوبة، وقرية المخشب، وقرية الشعوب، وقرية الحرث، وجميعها مناطق تقع شرق الوازعية.
 

أكثر من 50 حالة في شهر



 وقال مدير مكتب الصحة والسكان بالوازعية، "رباش أحمد علي"، في حديث خاص مع "يمن شباب نت"، إن الحالات التي تم فحصها، منذ ظهور المرض اواخر الشهر الماضي، عبر الفحص السريع، كشفت وجود 12 حالة مؤكدة، بالإضافة إلى 45 حالة اشتباه بمرض الكوليرا، وفقا للتعريف القياسي للمرض.
 
وتقتصر هذه الإحصائية الأولية على الحالات التي تم تقييدها فقط، حيث أوضح المدير أن هناك حالات لم يتم تسجيلها. ناهيك عن الحالات التي توجهت مباشرة إلى أماكن أخرى خارج المديرية لتلقي العلاج، بما في ذلك مدينة تعز، للحصول على الرعاية الكاملة، نتيجة نقص الإمكانيات الطبية في المديرية.
 
وأوضح مدير الصحة أن أشرطة الفحص السريع نفذت عليهم في المديرية، وأنهم تعاملوا مع الحالات الاشتباه بالكوليرا بحسب التعريف القياسي للمرض. وحيث أكد على عدم تلقيهم على أي دعم حتى الأن، لفت إلى أنهم استعانوا بمحاليل طبية كان قدمها مجلس الشباب العالمي للمرافق الصحية قبل ستة أشهر.
 
وأضاف "عملنا على سحب تلك المحاليل من المرافق التي وجدنا فيها فائض منها، لنغطي بها مشكلة النقص الحاد في بقية المرافق"، مؤكدا على أنهم اعتمدوا، لمواجهة الوباء، على جهودهم الذاتية في توفير بقية المتطلبات اللازمة.
 
وتحدث مدير عام الصحة بالمديرية، الدكتور رباش، عن طبيعة مرض الكوليرا، الذي تتسبب به بكتيريا، وينتشر في الأماكن التي مستوى النظافة فيها متدنية، بما في ذلك الآبار المكشوفة. حيث يعتمد معظم السكان في الأرياف على هذه الآبار كمصدر رئيسي لمياه الشرب، خصوصا مع الجفاف، وتأخر موسم الأمطار، وقلتها.
 
وبحسب تأكيداته، فقد تمت السيطرة على معظم الحالات، "ما عدى حالتين دخلتا في اضطراب في وظائف الكلى، تم تحويلها إلى تعز، وقد تماثلت للشفاء".
 

المخاوف ماتزال قائمة

وأكد يوسف سيف الظرافي، وهو عامل صحي، أن مواجهة المرض "تمضي على قدم وساق"، بالرغم من النقص الحاد في الأدوية، وأهمها المحاليل الوريدية، وعلى رأسها "محلول الرينجر لاكتات"، بالإضافة إلى المضادات الحيوية الفعالة ضد هذا المرض.
 
واشار، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى أنه لا تتوفر لديهم مضادات حيوية "مجانية"، خصوصا وأن المديرية معظم أبنائها حالتهم الاقتصادية متدهورة، وغير قادرين على شرائها من الصيدليات التجارية التي توفرها بأسعار لا يحتملها معظم السكان.
 
ولفت إلى أن الأهم، بالنسبة لهم كصحيين، هو سرعة توفير أشرطة الفحص السريع (ربيد تيست فور فيبرو كوليرا) في كل المرافق الصحية بالمديرية، كون التخوف مازال قائما من عودة انتشار وتفشي المرض مجددا، لاسيما وأن هناك حالات مرضية تظهر بين لحظة وأخرى.
 
وشدد الظرافي على حاجة المديرية للعلاج والتثقيف في المناطق الموبوءة والقرى المجاورة، كما أن التثقيف "لابد أن يرافقه توزيع سلال نظافة، وخاصة للمنازل التي ظهرت فيها حالات إسهالات"، ومتابعة للوضع الصحي في المنطقة أو القرى الموبوءة، خصوصا، والمديرية عموما.
 

سلطة محلية غائبة



ويعزز عبد الجبار علي هادي، ناشط اجتماعي في الوازعية، المشكلة نفسها، معتبرا أن نقص الأدوية والمحاليل الوريدية "من أهم المصاعب التي تواجهها المنطقة".
 
 وأضاف لـ"يمن شباب نت" أن وجود مشاريع مياه نظيفة يتم تعقيمها بدلا عن شرب مياه الآبار المكشوفة، يعد من أهم الركائز لمجابهة المرض "كون غالبية السكان في المديرية يشربون من مياه مكشوفة"، ولذا تزداد المخاوف من إمكانية انتشار المرض إلى بقية قرى المديرية.
 
وعليه، يعتقد هو الأخر، بأهمية نشر التوعية في المناطق غير الموبوءة عن طريق تدريب متطوعين لتوعية السكان، محذرا من أن الوضع الصحي في الوازعية "لا يسر أحدا".
 
وأنتقد هادي دور السلطة المحلية، الذي قال إنه "ضعيف جدا" فيما يتعلق بإلزام الموظفين بالدوام الرسمي، حيث وأن العديد من المراكز الصحية شبه مغلقة، والدوام فيها يتم حسب المزاج، ومعظم العاملين فيها لا يحضرون إلا عندما تأتي منظمات للزيارة، أو يصل إليها دعم بالأدوية.
 
وتساءل: إذا كانت أكبر عيادة أهلية في المديرية تابعة لمدير مكتب الصحة، فكيف تريد أن تفعل المراكز الصحية الحكومية؟
 

انقسام شعبي

وتعتبر مديرية الوازعية ثاني أصغر مديريات محافظة تعز من حيث المساحة، ويوجد فيها ما يقارب إحدى عشر مرفقا صحيا متناثرا بين المناطق، منها ثلاثة مراكز صحية وثمان وحدات صحية، كانت تعرضت جميعها إلى دمار جزئي خلال المواجهات المسلحة لتحرير المديرية من سيطرة ميليشيات الحوثي.
 
ومن خلال استقصاء سريع لـ"يمن شباب نت"، ينقسم سكان الوازعية في نظرتهم، وحكمهم، على الحال الذي تشهده مديرتهم، في الوقت الراهن، خصوصا فيما يتعلق بالوضع الصحي.
 
ففي حين، يبدى البعض انزعاجهم من هذا الحال، وبالتالي عدم ثقتهم بعمل المراكز الصحية في مديريتهم، كونها في نظرهم دون المستوى المطلوب، في ظل غياب الرقابة عليها من قبل الجهات المسئولة في المجلس المحلي، سواء في المديرية أم في المحافظة.
 
 وفي المقابل، هناك قسما أخر من السكان، مع أنهم غير راضين تماما عما وصل إليه حال القطاع الصحي في مديرتهم، إلا أنهم ينظرون إلى هذا التردي، كنتاج طبيعي لما مرت به المديرية خلال الفترة الماضية، وبعد تحريرها، وبالتالي فأن الجهاز الصحي- حسب اعتقادهم- يعمل وفق الامكانات المتاحة والمتوفرة.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر