لماذا يضفي انسحاب القوات الإماراتية مزيد من التعقيد على المشهد اليمني؟ (تقرير خاص)

[ أليات عسكرية إماراتية في اليمن (أرشيف) ]

 
أكد مسئول حكومي يمني أن "القوات الإماراتية انسحبت جزئيا، مع عتادها العسكري، من قاعدتها في صرواح بمأرب شرقي البلاد، وحلت مكانها قوات سعودية".
 
وأوضح المصدر لقناة الجزيرة، أمس الأربعاء، أن الانسحاب الإماراتي تم "دون التنسيق المسبق مع السلطات اليمنية"، وأن قوات سعودية حلت مكان القوات الإماراتية في مأرب، كما استعيض عن منظومة الباتريوت الإماراتية في القاعدة بأخرى سعودية.
 
وجاءت تصريحات المسئول الحكومي اليمني، بعد تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أمس الأربعاء أيضا، تحدثت فيه عن خلافات بين السعودية والإمارات "خلقت شقوقا في تحالفهما" بشأن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في اليمن.
 
ونسبت الصحيفة إلى مسؤولين أميركيين، وآخرين تم إبلاغهم بخطة الانسحاب الإماراتي، أن أبو ظبي شعرت بوطأة المعارضة المتزايد في الكونغرس لحملتها العسكرية في اليمن، وتخشى أن تكون هي بين أول أهداف الرد الإيراني إذا أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران.
 

[للمزيد أقرأ: وول ستريت: خلافات بين السعودية والإمارات حول الاستراتيجية التي يجب إتباعها في اليمن]

 
مفاجئة تضفي تعقيدا
 
يكتنف الغموض المشهد اليمني بعد مرور أكثر من أربع سنوات على بدء التحالف العربي الحرب في اليمن، ويزداد تعقيدا مع ما يفسر على أنه محاولة إماراتية لخلق واقع جديد يلبي طموحاتها، لكن بطريقة أخرى، قد تمكنها من التخلص من الآثار العكسية التي التصقت بها طوال الفترة الماضية.
 
وعلى هذا النحو، تستكمل أبو ظبي لعبتها التي بدأتها في هذه الساحة الخالية، والتي وجدتها مناسبة أكثر لاستعراض قوتها، ومد نفوذها، تحقيقا لطموحاتها التوسعية؛ وإن كان هذه المرة بشكل عكسي من خلال البدء بالعد التنازلي لسحب قواتها العسكرية من اليمن، والذي يعتقد أنه جاء بعد الانتهاء تقريبا من العد التصاعدي لتشكيل قواتها البديلة من اليمنيين أنفسهم.
 
ومع أن الانسحاب الإماراتي، ما يزال في مرحلة التسريبات، التي لم يتم تأكيدها بشكل رسمي حتى الأن؛ إلا أنه أصبح مثار جدل الصحافة العالمية مؤخرا، دون أن تتضح تفاصيله بشكل كبير.
 
بدأ الحديث عن هذا الأمر، الأسبوع الماضي، عن طريق وكالة "رويترز" الشهيرة، التي نقلت عن أربعة مصادر دبلوماسية غربية قولها إن دولة الإمارات بدأت بتقليص وجودها العسكري في اليمن، بسبب التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
 
وحدد دبلوماسيان الأماكن التي سحبت منها الإمارات بعض القوات "من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن"...، فيما أرجع ثلاثة دبلوماسيين مسألة الانسحاب، إلى رغبة أبو ظبي ببقاء قواتها ومعداتها قيد تصرفها في حالة تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، بعد الهجمات على ناقلات نفط في الخليج، وإسقاط طهران لطائرة أمريكية مسيرة.
 
ومع أن مسؤولا إماراتيا كبيرا- كما وصفته الوكالة- أكد وجود تحركات للقوات الإماراتية، إلا أنه أكد أيضا أن بلاده "ما زالت ملتزمة تماما بالتحالف العسكري، ولن تترك فراغا في اليمن". الأمر الذي يضفي المزيد من التعقيدات على المشهد اليمني، ودور التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، في قادم الأيام.
 

[للمزيد أطلع على: وكالة: الإمارات تسحب عدد من قواتها من ميناء عدن والساحل الغربي]

 
ولاحقا، تعززت تلك المعلومات، بشكل أكبر، عبر تسريبات متوالية تناولتها عدد من وسائل الإعلام الدولية والعربية والمحلية، على حد سواء. بما في ذلك تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال"، وتصريحات المصدر الحكومي اليمني لقناة الجزيرة، يوم أمس الأربعاء.
 
ومع ذلك، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين إماراتيين قولهم إنهم لا يستطيعون التعليق على انسحاب بلادهم من اليمن الذي أورده مسؤولون غربيون، مضيفة أن مسؤولين سعوديين قالوا لها إنهم أيضا لا يستطيعون التعليق.


التواجد الإماراتي في اليمن
 
وكانت وكالة "رويترز" نقلت في تقريرها المذكور، أن دبلوماسي غربي أشار إلى أن الإمارات سحبت "الكثير" من القوات من اليمن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
 
ولا يعرف حجم القوات الإماراتية في اليمن على وجه الدقة. لكن ما هو معروف، هو أن أبو ظبي تمتلك في اليمن- إلى جانب قواتها الرسمية- قوات يمنية كبيرة تابعة لها، كانت قد أنشأتها ودربتها على مدى السنوات الأربع الماضية، وما زالت تتلقى رواتبها منها حتى اليوم.
 
ويتركز وجود تلك القوات في معظم المحافظات الجنوبية، حيث تسيطر على الموانئ والمناطق الاستراتيجية والحيوية، في محافظات: عدن، وأرخبيل سقطرى، وحضرموت وشبوة (النفطيتين). وخلال العامين الأخيرين، أصبح لها قوات في الساحل الغربي لليمن، حيث مضيق "باب المندب" الاستراتيجي.
 
وجميعها مواقع تسمح لأبو ظبي بزيادة قوتها وسيطرتها ونفوذها البحري والتجاري، على طول امتداد جزء هام واستراتيجي من طريق التجارة العالمي، خصوصا تجارة النفط، حيث يمر ما يقارب 80% من النفط العربي عبر هذه الطريق.
 
ومع أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن انسحاب إماراتي من اليمن؛ إلا أن الأمر هذه المرة يبدو جديا وأكثر من المتوقع، وفي توقيت يحمل الكثير من علامات الاستفهام؛ في ظل ما يشهده الإقليم من توترات متصاعدة بين إيران وأذرعها في المنطقة، من جهة، وبعض دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.
 
أضف إلى ذلك، أنه توقيت يأتي بعد ما يمكن أن يقال عن ضمان أبو ظبي لحجم تنامي ميليشياتها في الجنوب، إلى الحد الذي يمكن معه الاعتماد عليها في تمثيل سياساتها في اليمن، وخصوصا جنوبه، في أتون تزايد الرفض الشعبي للتواجد الإماراتي نتيجة انحرافاتها المتعاظمة، والواضحة، عن أهداف التحالف العربي في اليمن.
 
 
سيناريو الانفصال
 
وبرغم عدم وضوح وجهة الإمارات القادمة، أو أهدافها، بعد هذه الخطوة، إلا أن المحلل السياسي اليمني عبدالباقي شمسان، وهو أستاذ جامعي في علم الاجتماع السياسي، اعتبره تكتيكا وإعادة تموضع، وربما انسحاب جزئي.
 
وأوضح لـ"يمن شباب نت" أن قيام الإمارات خلال السنوات الماضية بتأسيس قوات مدربة ومسلحة، هو ما يجعل الحديث عن إعادة التموضع خطيرا، لأنه مؤشر لإعلان فوضى منظمة وفك ارتباط، أو من شأنه خلق مزيد من التعقيد بالتموضع التكتيكي الذي ستقوم به أبو ظبي، ثم تعود مجددا للواجهة لخلق سكينة مجددا في المحافظات الجنوبية.
 
وتوقع شمسان أن يكون السيناريو المرسوم، بأن تقوم أبو ظبي بتعميم خبر الانسحاب، ثم يقوم أبناء المناطق الجنوبية والجماعات الحراكية، باستعادة المؤسسات الحكومية، بحيث تكون أبو ظبي بعيدة عن ما يجري باعتباره شأنا يمنيا داخليا قامت به جماعة عانت من الظلم، وعلى هذا النحو سيتم إعلان الانفصال من قِبل الانفصاليين، برغم أن الإمارات هي من دربت قواتهم ودعمتهم وأضعفت ولاءهم للوطن!!
 
وعليه، حذر أستاذ علم الاجتماع السياسي، السلطة الشرعية من هذا "التكتيك الخطير"، والذي يجب عليها أن "تتنبَّه له، وتتعامل معه بجدية واستراتيجية، سواء كان تسريبا أم حقيقة"، متوقعا قرب لحظة إعلان فك الارتباط الأحادي من قِبل من وصفهم بـ"المرتزقة".
 

أزمة قيادة

المشكلة ليست في سحب أو بقاء بعض القوات الإماراتية، أو كلها، بل في خلل التعامل وإشكالية العلاقة بين التحالف والشرعية، بحسب الناشط السياسي اليمني سلطان الرداعي، الذي يعتقد أن سبب أنحرف التحالف عن أهدافه في اليمن، يعود بالأساس إلى ضعف أداء الشرعية وفسادها وفشلها في إدارة المعركة وتفعيل مؤسساتها في المناطق المحررة.
 
وأعتبر، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن انسحاب القوات الإماراتي "لن يؤثر كثيرا على سير معارك التحرير، كون دور تلك القوات أصبح في الغالب سلبيا ومعيقا لتحرك أغلب الجبهات ضد مليشيات الحوثي". وفضلا عن ذلك، فقد أنشأت وزرعت ميليشيات خاصة بها، وسلمتها المناطق والمؤسسات في المناطق المحررة، واستمرت في دعمها لها في وجه الدولة.
 
وأعرب الرداعي عن عدم تفاؤله كثيرا في حال انسحبت الإمارات من الأرض، وظلت تواصل دعم ميليشياتها، "لأن الأمور قد تزداد سوء، كردة فعل وانتقام من قبلها". لكنه أكد على أن معالجة ضعف الشرعية وفسادها، هو الطريق لتصحيح انحراف مسار التحالف، والقضاء على مليشيات الانقلاب الإمامية، والحفاظ على سيادة الوطن ووحدته.
 
لذلك، فإن الحل في نظره يبدأ بضرورة وجود "قيادة حقيقة لمواجهة كل تلك التحديات والانتصار عليها"، لافتا إلى أن التعويل النهائي سيكون على الشعب اليمني "الذي يرفض كل المشاريع الطائفية الانقلابية والمناطقية والتشطيرية والتدخلات الخارجية".
 
وتنامى الرفض الشعبي لممارسات وسياسات الإمارات في اليمن. وتأتي المظاهرة الشعبية الحاشدة التي شهدتها محافظة أرخبيل سقطرى، هذا الأسبوع، بتلك الأعداد الضخمة التي خرجت تهتف لأول مرة ضد التواجد الإماراتي، كمؤشر واضح لتنامي السخط الشعبي الرافض لسياساتها المستفزة في البلاد.
 
وقال بيتر ساليسبري، المتخصص في الشؤون اليمنية مع مجموعة الأزمات الدولية، لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أمس الأربعاء، إنه من المؤكد أن الخطوة الإماراتية ستضيف تعقيدا جديدا وتكشف للعلن بعض الانقسامات بين بعض المجموعات المناوئة للحوثيين، وإنها أيضا إشارة واضحة إلى أن الإمارات تريد التركيز على الدبلوماسية وإخراج نفسها من حرب اجتذبت معارضة واسعة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر