لماذا يتوجب على السعودية، الأن، إيقاف أذرع الإمارات من مواصلة العبث بمصير اليمن؟    

[ صورة متداولة لإحتراق مركبة دفع رباعية عسكرية في المعارك الأخيرة بمدينة عتق- عاصمة محافظة شبوة ]

 تمضي الأحداث بوتيرة عالية في بعض المحافظات الجنوبية، نحو خلق مزيد من التوتر بين الحكومة اليمنية، ومليشيات تابعة وممولة من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، المشاركة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
 
صعَّدت الإمارات، مؤخرا، عبر أذرعها في اليمن ضد الحكومة الشرعية في عدد من المحافظات الجنوبية المحررة؛ بدء بدعوات التحشيد، التي أطلقها ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من أبو ظبي، لتحرير وادي حضرموت (شرقي اليمن) من القوات الحكومية المدعومة سعوديا؛ تلتها دعوات أخرى للاستعداد لطرد الحكومة الشرعية من عدن.
 
وفي خضم تلك الدعوات، حاولت الميليشيات التابعة للإمارات، الأسبوع الماضي، استخدام القوة لفرض سيطرتها على ميناء جزيرة سقطرى، ثم مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة؛ ما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة مع قوات الأمن والجيش اليمني في كلا المحافظتين الجنوبيتين.
 
على أن نوايا أبو ظبي- من وراء تحريك أدواتها (قوات النخبة، والأحزمة الأمنية)، كانت قد ظهرت بجلاء، وبدون أي مواربة، من خلال دعوة ضابط شرطة دبي السابق "ضاحي خلفان" إلى ضرورة فصل جنوب اليمن عن شماله!!
 
وهو الأمر، الذي أعتبره مراقبون، يكشف الغطاء عن أجندة وأطماع الإمارات على حساب؛ ليس مصلحة اليمن، فحسب؛ بل ومصالح المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف العربي؛ بالنظر إلى أن أي تمزيق لليمن، سيقود بالضرورة إلى تهديد الأمن القومي للجارة الكبرى، إن لم يقودها أصلا إلى مربع التمزيق ذاته.
 
على إثر ذلك، أطلق مسؤولون في الشرعية، ومعهم برلمانيون يمنيون وسياسيون من داخل اليمن وخارجها، انتقادات طالت أبو ظبي، بشكل مباشر وغير مباشر. ما أعتبره البعض "ضوءً أخضرًا" من المملكة، بعد أن ضاقت الرياض ذرعا بسياسات الإمارات المنحرفة عن أهداف التحالف، وأطماعها التوسعية، داخل اليمن.


[أقرأ أيضا: حملة الكترونية لطرد "الإمارات" من اليمن وسط دعوات النخب لمغادرة الصمت (تقرير خاص)]

 

حرب داخلية.. تعقد التحرير



إلى جانب وضوح صورة أبو ظبي البشعة في اليمن، قادت تلك الأحداث المتصاعدة، على ذلك النحو المريب، وفي هذا التوقيت الحساس، إلى اتضاح الرؤية أكثر، بشأن مآلات المشهد اليمني على المدى الأقرب، وبالتالي: البحث عن سبل تفادي المزيد من الكوارث.
 
 ومن حيث المئالات المتوقعة، يرى أستاذ إدارة الأزمات والصراعات، د. نبيل الشرجبي، أن جنوب اليمن في طريقه إلى "الانزلاق في موجه حرب داخلية". ومرد ذلك يعود إلى اعتقاد الإمارات أنها "قادرة على أن تتحكم بالمشهد هناك"، وهو أمر "غير دقيق"، من وجهة نظره.
 
كما يعتقد الشرجبي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن السعودية إلى الآن "غير قادرة على إيجاد بديل لسياسات كل الأطراف في الجنوب". أما الولايات المتحدة فهي، وفقا لمنظوره "أقرب لموقف أبو ظبي، من الرياض، في الحالة اليمنية".
 
تلك هي الصورة الأولية للمشهد بشكل عام، بالنسبة لأستاذ إدارة الأزمات والصراعات. أما في التفاصيل، فهو يعتبر أن "الزواج غير الشرعي" بين الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي "بُنيَّ على أساس ظرفي وانتهازي"، يقوم أساسا على "رفض الشماليين وإضعاف الشرعية"، ما يجعله "قابلا للانهيار"، كما يقول.
 
وإضافة إلى ذلك، يستدرك، فإن "الخليط، الذي يتكون منه الانتقالي نفسه، أقرب إلى الجهوي والمناطقي، ما يعني إمكانية حملهم السلاح ضد بعضهم، في حال خرجت الإمارات من التحالف، أو سحبت دعمها لهم".
 
وذكر استاذ إدارة الأزمات والصراعات عدد من العوامل التي تُرَجِح سيناريو الاقتتال الداخلي بين الفصائل الجنوبية، منها: "توفر السلاح غير الرسمي؛ والتقسيم الجغرافي لتواجد الفصائل التي يتكون منها الانتقالي؛ فضلا عن غياب مؤسسات الدولة؛ وانعدام أي فاعلية للقانون، أو للنخب السياسية الفاعلة؛ وكذا غياب أي مشروع سياسي لهم، مع وجود أطراف أخرى في الجنوب تتلقى دعما من الشرعية، وأخرى من إيران والحوثيين..".
 
وكل ذلك- من وجهة نظره- يعني أن الأمور "ستنفلت من يد أبوظبي، في حال انقلبت الطاولة عليها".
 
وعن تأثير ذلك على الهدف الرئيس للتحالف العربي في اليمن، وهو تحرير البلاد من ميليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، اتهم الشرجبي الإمارات "بتعقيد مشهد التحرير تماما". وذلك من خلال "خلقها لكيانات موازية، ليس للشرعية فحسب؛ بل وللتحالف أيضا".
 
وأعتبر أن ذلك، هو ما جعل الحكومة "تتوقف عن حسم الكثير من الجبهات الساخنة، خشية أن تقوم الدولة، عقب التحرير، بمواجهة الفصائل والجماعات التي أنشأتها الإمارات".
 

سيناريوهات "نوايا الانتقالي"
 


وبالنظر إلى المتغيرات الحالية، وإمكانية التصعيد العسكري بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، في الوقت الذي ما يزال فيه الحوثيون يبسطون سيطرتهم على مناطق شاسعة من البلاد، فأن نشوب مواجهة مسلحة واسعة، بين السلطة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي "ليس من مصلحة أحد"- كما يعتقد المحلل العسكري اليمني، والخبير في الشئون الاستراتيجية "علي الذهب".
 
ولخص الذهب، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، السيناريو المتوقع من وراء تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرى أن "أقصى غاية" له، هي "تحقيق نصر جزئي، في سياق خطة سيطرة مرحلية، تفضي- بعد مدة طويلة- إلى السيطرة على الجنوب بحكم الأمر الواقع".
 
ولتعزيز توقعاته، يستشهد الذهب بتصريحات القيادي في الانتقالي "هاني بن بريك" لقناة "بي بي سي"، والتي أكد فيها على أنهم سيوافقون على المشاركة في الحكم "إذا أعطي لهم حق ترشيح محافظين جنوبيين" للمحافظات الجنوبية. حيث يرى الذهب أن مثل هذه التصريحات "تكشف عن عدم استعدادهم، في الوقت الراهن، لانقلاب كامل وواسع".
 
وبشأن الموقف السعودي، لا يستبعد الخبير العسكري اليمني، أن يكون هناك "امتعاضا سعوديا من السياسات الإماراتية في الجنوب"، لكنه، مع ذلك، يستبعد أن يدفعها ذلك إلى "تحريض سلطة هادي إلى مواجهة، غير مضمونة النتائج، مع أبو ظبي. لا سيما وأن الرياض، تركز حاليا على محافظتي صعدة وحجة، بوصفهما مناطق تهديد من الدرجة الأولى على أمنها الوطني".
 

لإنهاء الأزمة

 

وعن الطريقة المثلى في التعامل مع هذه الأزمة، وأنهائها لمصلحة الحكومة الشرعية، دعا الخبير الاستراتيجي، الذهب، الجيش الوطني إلى عدم تجاوز مرحلة "التلويح بالرد، وإشعار الطرف الآخر بامتلاك زمام الحسم، إلا في الحالة التي يكون فيها الخطر محدقا، وكأن يكون هناك اعتداء على ما هو قائم، كما حدث في عتق بشبوة"، حيث يرى أن الضرورة توجب على الجيش أن "يستغل مثل هذه الحوادث، لتوسيع دائرة سيطرته على الأرض لدى الطرف الآخر".
 
أما أستاذ إدارة الأزمات والصراعات، الشرجبي، فركز حديثه أكثر- في هذا الجانب- على دولة الإمارات، من حيث أنه يتوجب عليها "تغيّر سلوكها، في هذه المرحلة تحديدا". فذلك- من وجهة نظره- هو "الحل الوحيد، الذي إن لم يحدث، سيكون له آثارا مدمرة لجبهة الساحل الغربي". في إشارة إلى المعارك التي تخوضها الإمارات، بقوات يمنية مدعومة منها، في محافظة الحديدة الساحلية- غربي اليمن.
 
ويضيف: كما يتوجب على الإمارات، أيضا "الإسراع في إفراغ تلك الفصائل التابعة لها، من أساس ارتكازها، باعتبارها جماعات غير شرعية، أو إرهابية.."
 
وبحكم تخصصه في إدارة الأزمات والصراعات، يواصل الشرجبي تقديم نصائحه في هذا الجانب، مشددا هذه المرة على أهمية "إيجاد آلية جديدة لإدارة المناطق المحررة، تقوم على تثبيت شرعية الشرعية ونفوذها، مع أولوية تنفيذ رؤيتها وتوجهاتها". كما سيتوجب أيضا، وضع آليه، عملية وحاسمة، متوافق عليها "لفض النزاع، أو الخلاف، في إدارة المناطق الشرعية من أطراف التحالف، على أن تكون قراراتها ملزمة".
 
وفي الوقت ذاته، لا ينسى خبير الأزمات التأكيد على أهمية "الإسراع في استكمال التحرير، والتركيز على المناطق والمحافظات التي يكون لسقوطها تأثير يمتد لأبعد مدى، ومؤثرة سياسيا وعسكريا واستراتيجيا".
 

الأمر بيد السعودية



 في الواقع، تكررت مثل تلك الدعوات العلاجية كثيرا، على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة الماضية، خصوصا وأنها ليست المرة الأولى، التي تقوم فيها أدوات الإمارات بمثل تلك التصرفات، التي وصفها الكثير من المحللين، بمحاولات "الانقلاب" على الشرعية، في المناطق المحررة..!!
 
وهي، بالتأكيد، لن تكون الأخيرة، في ظل استمرار تدفق الدعم لتلك الميليشيات، بشكل حثيث وسخي، والذي لا يبدو أنه سيتوقف قبل تحقيق أهدافها الانقلابية (كاملة) على السلطة الشرعية. ولعل ذلك بات أقرب إلى التحقق، اليوم، أكثر من أي وقت مضى- بالنظر إلى تطور الأحداث وتوسعها، وخروجها بذلك المستوى من التصعيد والصدام المسلح، في أكثر من محافظة محررة؛ إلا أن يتم تدارك الموقف، على نحو جدي وحاسم هذه المرة.
 
وذلك أمر، يتوجب على المملكة السعودية، قائدة التحالف العربي، القيام به أكثر من الحكومة اليمنية التابعة لها. ذلك أن ترك "الحبل على الغارب" هكذا، سيفتح الباب أمام المزيد من الاحتراب الداخلي، ما يزيد من تعقيد المشهد اليمني أكثر. الأمر الذي- كما يقرر معظم المراقبون- ستنعكس آثاره الأمنية والعسكرية والاقتصادية على الإقليم؛ بدء بالمملكة، الأقرب إلى اليمن، والمرتبطة معه بحدود واسعة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر