"الختايم" في حضرموت".. عادةٌ رمضانية متوارثة.. تبعث الروح وتعزز التواصل الأسري (تقرير خاص)

[ مدينة تريم بحضرموت/ طقوس "الختايم" عادة تمتاز بها مدن ومناطق بمحافظة حضرموت احتفاء باختتام القرآن في المساجد ]

 "الختايم"، عادة قديمة توارثتها الأجيال في محافظة حضرموت شرقي اليمن، ولا زال الناس يمارسونها حتى اليوم في شهر رمضان المبارك من كل عام. وإلى جانب كونها عادة دينية حميدة، فإنها غالبا ما تهدف أيضا إلى تقارب الناس، وتعزيز صلة الأقارب فيما بين مناطق وقرى ومدن المحافظة.
 
سميت عادة "الختايم" بهذا الاسم، نسبة إلى ختم القرآن الكريم في المسجد أثناء الصلاة، وفي ليلة معلومة يتم تحديدها مُسبقاً. وتتفاوت الختومات في المساجد؛ فمنها من يختم المصحف كاملا على 11 يوما، ومنها من يختمه على 15 يوم، وهكذا.
 
نشأة عادة "الختايم"، من اجتماع الناس في مسجد معين، لغاية حضور ختم القرآن الكريم خلال صلاة التراويح. وفي تلك الليلة تزدان المساجد، وتكتظ بالمصلين لحضور الختم. حيث تكون، في الوقت ذاته، فرصة للتزاور والتواصل وتبادل التهاني بالشهر الفضيل، وترديد الابتهالات والمدائح الجماعية طوال الليلة إلى ما قبل السحور.
 


انطلاقة الختومات
 
يقول المؤرخ والباحث، الأستاذ هود سالمين عبيد، إن انطلاقة "الختومات"، تبدأ بعضها من ليلة السابع من رمضان، وبعضها ليلة الـ11 من الشهر. وتتنوع طريقة ونظام الختم، فتكون: "ختم بعقبه"- بمعنى أن الليلة ختم في مسجد، وغداَ البرنامج يكون فارغ، وبعدها ختم في مسجد آخر وغداَ فارغ..، وهكذا..، مشيرا إلى أن هذه الطريقة توجد في مناطق القرى، أما بالنسبة للمدن تكون في بعض الليالي وتختم في ليلة واحدة، حيث نجد ثلاثة مساجد أو أكثر يوجد عندهم ختم.
 
وتمتاز مدن وقرى حضرموت، دون غيرها، تقريبا، بوجود بعض الترتيبات والتنوع الخاص في نظام وطريقة الختم، التي تشهد بعض الاختلافات بين منطقة وأخرى.
 
ويوضح المؤرخ سالمين ذلك لـ"يمن شباب نت"، حيث تبدأ من ليلة السابع في مديرية تريم، وفي بعض الأماكن يبدأ من ليلة 11، كما هو الحال بالنسبة لـ"منطقة القارة"- وهي إحدى ضواحي مديرية سيئون- التي يشهد فيها الناس الختم في مسجد باعمران.
 
ويتابع: في ليلة الختم، يردد المصلون في المسجد: "على مسكين رمضان من ليلة إحدى عشر .. طلع من فوق قارة وقالوه اطعشر"؛ بمعنى أن رمضان بدأ في الانحدار نحو الذهاب من هذه الليلة (11 رمضان)، وبعدها تلتحق بها المساجد على نفس هذا الترتيب والنظام (ختم بعقبه)، ويكون الختم بالأيام الفردية وليست الزوجية.
 
وقديما، قبل وجود الكهرباء، كان المصلون، يأتي كل واحد منهم إلى المسجد في "ليلة الختم"، حاملا معه "تريك" أو "كهربان" (سراج الإضاءة)، فيصبح عندئذٍ المسجد كله مضيئاً ومنوراً، وهو ما يعطي للمسجد منظراً ومظهراً جديداً وجميلا في تلك الليلة، يميزه عن مظهره السابق والمعتاد، فيعرف الناس أن هذا المسجد عنده "الختم" في هذه الليلة.
 


صلة الأقارب.. أفراح وعزومات
 
إلى جانب شهود تلك المراسيم والممارسات الجماعية لأبناء المنطقة، يستغل الناس ليلة الختم، كفرصة لصلة الرحم والتقارب والتزاور فيما بينهم، خصوصا وأن معظمهم مشغولون بأعمالهم الخاصة في غير شهر رمضان.
 
 يقول المؤرخ هود سالمين لـ"يمن شباب نت"، إن ليلة الختم تكون مناسبة، تجمع بين الأقارب والمحبين والأصدقاء في بيت واحد، وفي جلسة واحدة، حيث يحضرون من مناطقهم المجاورة إلى منطقة الشخص الذي يكون الختم في مسجده، تلك الليلة، ويتناولون عنده الإفطار ووجبة العشاء.
 
 
ويضيف: في الليلة التي يكون الشخص عنده "الختم"، يعزم أهله وأقاربه فيها، وفي ليلة أخرى يكون هو ضيف في مسجد آخر، مسجد جماعته وإخوانه، ويعتبر هذا نوع من التراحم والتقارب والتآلف فيما بين الأسر، وتوحيد الصف والصلة وإنعاش العلاقة.
 
فالأفراح تعلو وترتفع في مناسبة "الختايم"، فلا يكاد يخلو بيت، في هذه الليلة، من اجتماع الأهل والأقارب والأصدقاء، للفرح والاحتفاء. والأفراح، بهذه المناسبة، في داخل البيوت في الغالب، تكون في فترة ما بين المغرب والعشاء، فنجد الشوارع فارغة تماماً، بسبب "العزومات" بين الأقارب، التي ترتب في "ليلة الختم".
 
وبعض الناس يأتون- وينتقلون من منطقة إلى أخرى- مشياً على الأقدام، تلبية للدعوة وحضور وجبة العشاء عند أحد من أقاربهم في المنطقة التي يكون فيها "الختم"، ومن ثم ينتقلون إلى الصلاة في المسجد، ويقومون بتراتيب وتلاوات، ويشربون القهوة في المسجد، ويستمر ذلك حتى قبيل وقت السحور، حيث ينتهي هذا الترتيب والنظام.
 


ويؤكد المؤرخ عبيد لـ"يمن شباب نت"، على أن الكثير من الناس، الذي توارثوا هذه العادة واعتادوا عليها، كانوا- حتى وقت قريب، وما زال بعضهم حتى الأن- يشعرون بأن عادة "الختايم" واجب عليهم حضورها، فكان كل واحد يستعد للحضور والمشاركة حتى آخر دقيقة من الختم، ويشعر بأن هذ الفعل يؤجر عليه. فكانت هذه الممارسات، في نظر السابقين، أشياء ضرورية (واجبة)، وليست اختيارية، لدرجة أن لا يحضر، يكون في نظر الناس شخص سلبي (مقصر).
 

أفراح وأهازيج الأطفال
 
في ليلة الختم، عادةً ما ترافقها طقوس جانبية أخرى كـ"الختامي"، حيث يقوم الأطفال بمسيرة يجوبون خلالها المنازل في الحي، وعادة ما يختارون المنازل التي تكون فيها حدث جديد. فالبيت الذي فيه مولود جديد، مثلا، أو عروس جاءت إلى بيت ما، أو مسافر جاء من الخارج...الخ، يعملوا له "ختامي"، فيقوم رب البيت بتوزيع ما تيسر للأطفال، كـ"الحلوى" أو "الحنظل" أو "الفشار". وتعرف عادة "الختامي" في أماكن أخرى بـ"الوريقة".
 
ويقول صبري أحمد باصدّيق، وهو شاعر مهتم بالتراث الحضرمي والعادات والتقاليد، إن الأطفال كل عام، عادةً ما يتجمعون في مكان وزمان محدد؛ فيكون وقت العصر هو الوقت المناسب لتجمعهم، وإن لم يكملوا ذلك في هذا الوقت، يستكملوها في المساء، فتبدأ الانطلاقة بعد ذلك ليتجولوا بين المنازل، مرددين شعارات وأهازيج معينة معروفة..
 
ويذكر باصديق، لـ"يمن شباب نت"، بعض من هذه الأهازيج كأن يقولوا: "يا حبيب هاتوا حقنا .. يا حبيب لي من ربنا"، حتى اذا وصلوا البيت الأول، يقولون بصوت عالي- مرتين أو ثلاث: "شي ولا ما شي"، (أي: هل يوجد ما تعطونا، أم لا)، فيأتيهم الجواب، فإذا كان لديهم ما يعطونهم، تفتح لهم الأبواب ويدخلون البيت، وهنا يُعلمهم أهل البيت بالمناسبة التي يريدون "التختيم" لها، وقد تكون أكثر من مناسبة. أما إذا كان الرد بـ"ما شي"، (أي لا يوجد)، يقولون لهم: "طاق طاق، طلقناكم بالمخدة والطلاق"، فيذهب الأطفال لاستكمال جولتهم على بقية المنازل.
 
ويضرب باصديق بعض الأمثلة في حالات الإيجاب، كأن يكون "التختيم"- المطلوب من الأطفال ترديده- بمناسبة المولود الجديد: في هذه الأثناء يرددون الأهازيج والشعارات، فيقولوا للمولود الجديد: "أحمد سلم لأمه.. ريح المسك في كُمه"؛ وللمولود الذي يريدون قدوم أخوه الجديد يقولون: "أحمد سلم لأبوه .. وأمه تجيب أخوه"؛ أما للطفل الذي بدأ لتوه بالمشي، يقولون، "أحمد كُبر وسار .. أحمد شقح لعبار"..
 

ويتابع: أما الذي تعلم وختم قراءة القرآن الكريم، فيهتف الأطفال له بالقول: "أحمد ختم قرأنه.. أحمد كبير أخوانه"، والذي يريد الزواج يقولون له: "أحمد بغينا له مره .. لي وجهها كما المنظرة .. أحمد بغينا له عروس .. لي وجهها كما الفانوس"؛ وإذا كان البيت فيه عروس جديدة: "يا عروس اندري با نشوفش .. يا عروس با نقلس قلوسش .. يا عروس لبسي عصابة .. يا عروس يومش حبابة .. يا عروس بيعي حقاش .. يا عروس على حباش .. يا عروس بيعي قراطش .. يا عروس على خواتش"...
 


وثمة أهازيج كثيرة مخصصة لكل مناسبة، كالانتقال إلى سكن جديد، والدعاء للمسافر بالعودة، والمسافر الذي عاد للديار، والبنت التي وصلت مرحلة لبس الحجاب، والبنت التي في سن الزواج، وغيرها...
 
 وفي نهاية الأهازيج، يرددون: "هاتوا ختام الجديدة .. وإلاّ كسرنا الحديدة"، "هاتوا "قيلا" (أي حنظل)، هاتوا حلوى".. واذا تأخروا عليهم بالمطلوب، هتفوا: "هاتوه من فوق السطوح ..هاتوه وإلاّ با نروح"، وعند قدوم الختامي يقولون، "ترى هو جاء يا حيا به.. ترى هو جاء يا حيا به".
 
هكذا هم أهالي محافظة حضرموت، يعيشون أيام وليالي شهر رمضان المبارك في روحانية دائمة، ويعمرونها بالتواصل والتقارب بين مناطق وقرى وأرياف ومدن المحافظة. حيث يجدون هذا الشهر الكريم من أكثر الفرص المناسبة للاجتماع والتزاور، وأحياء العادات والتقاليد الحسنة التي خلفها لهم الأجداد.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر