بالانفوجرافيك.. «ACLED» الأمريكي يستعرض في تحليل معمق التشظي بمحافظتي شبوة وحضرموت (ترجمة خاصة)

يستعرض مشروع جمع وتحليل بيانات الصراعات المسلحة الامريكي «ACLED» في تحليل معمق ما يدور بمحافظتي شبوة وحضرموت في سياق التشظي الجاري في اليمن بسبب الحرب، ويأتي هذا التحليل ضمن سلسلة تقارير معمقة على عدد من المحافظات اليمنية.
 
"يمن شباب نت" ترجم نص التحليل كالتالي

 
في اليمن، ساهم ما يقرب من خمس سنوات من الصراع في إحداث تفتيت شديد للسلطة المركزية، وكثيرا ما تآكلت الأنظمة السياسية المحلية.  حيث نشأت تركيبات سلطوية محلية، إلى جانب عدد كبير من أشباه الدول والميليشيات، وذلك بناءً على طلب من نخب المحلية ورعاة الدوليين.
 
ووفقًا لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، على الرغم من اختفاء السلطة المركزية، فإن "اليمن كدولة، لم يعد موجودًا"، حيث تم استبداله بدويلات شتى تقاتل بعضها البعض.
 
وهذا هو التقرير الأول ضمن سلسلة تحليل من ثلاثة أجزاء تستكشف تجزئة سلطة الدولة في جنوب اليمن، حيث أنشأت هيئة انفصالية - المجلس الانتقالي الجنوبي - نفسها، بلا منازع، معتبرا نفسه "الممثل الشرعي" لشعب الجنوب.
 
ومنذ تأسيسه في عام 2017، تطور الانتقالي الجنوبي ليصبح كيان يشبه الدولة، مع وجود هيئة تنفيذية (مجلس القيادة)، وهيئة تشريعية (الجمعية الوطنية الجنوبية) وقوات مسلحة، على الرغم من أن الأخيرة لازالت تحت هيكل القيادة الظاهري لوزارة الداخلية في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليا.
 
وبهدف الغوص بعمق في ديناميكيات الصراع في سبع محافظات جنوبية، تحاول هذه التقارير إلى تسليط الضوء على كيف أن جنوب اليمن ليس سوى وحدة متجانسة، تعكس الولاءات المنقسمة وتطلعات المجتمعات السياسية.
 
يركز هذا التقرير الأول على المناطق المنتجة للنفط في شبوة وحضرموت (الموضحة في الخريطة أدناه)حيث تتمتع كلتا المحافظتين، منذ فترة طويلة، بدرجة عالية من الحكم الذاتي، لكنهما يكافحان لاستثمار عائدات النفط والغاز في مشاريع التنمية المحلية.
 
وإلى جانب الوجود الراسخ للمتشددين الإسلاميين المرتبطين بالفرع المحلي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أدى الوضع الأمني الهش فيها إلى تفاقم التوترات بين الدولة والسلطات المحلية.
 


محافظة شبوة

فبين عامي 2015 و2017، شكلت شبوة واحدة من الخطوط الأمامية المركزية في الصراع بين قوات الحوثي ـ صالح وأنصار هادي.  كما كانت شبوة، وهي منطقة قبلية إلى حد كبير مع تغلغل بسيط للحكومة المركزية داخلها، تعد معقلًا منذ زمن طويل للمؤتمر الشعب العام.
 
حيث ساهم القاسم المشترك بين مشايخ القبائل وغيرهم من النخب المحلية النافذة في تسهيل اجتياح صالح وقوات الحوثي المتحالفة معه في ذلك الوقت لعاصمة المحافظة عتق، في أبريل 2015. وعلى الرغم من أن القوات الموالية للهادي المدعومة من التحالف استعادت عتق بعد أربعة أشهر فقط، فقد استمرت قوات الحوثي ـ صالح في السيطرة على أقصى المناطق الغربية في بيحان وعسيلان، الواقعتين على طول طرق التهريب المربحة.
 
من ثم في نهاية المطاف استعاد الجيش اليمني، الذي يتألف إلى حد كبير من الألوية المتحالفة مع هادي والمقاتلين المحليين المتحالفين معها، شبوة في ديسمبر 2017، بعد أسابيع فقط من انهيار تحالف الحوثي-صالح، وتوج ذلك بمقتل الرئيس السابق ومساعده، منذ فترة طويلة وابن شبوة، عارف الزوكا.
 
 بعد انتهاء الأعمال القتالية، تحسن الوضع الأمني في شبوة بشكل ملحوظ، كما يتضح من عدد القتلى المبلغ عنهم، والذي انخفض من 1.092 في عام 2017، إلى 97 في عام 2018. (انظر الشكل 1).

 

وبالإضافة إلى مركزيتها في الحرب الأهلية، مثلت شبوة مسرحا لحملة تمرد طويلة الأمد من قبل القاعدة في جزيرة العرب.  وبحلول فبراير 2016، استولى مسلحو القاعدة في جزيرة العرب على مدينتي حبان وعزان، جنوب شرق عاصمة المحافظة.  حيث تورط التنظيم عادة في هجمات ضد قوات الجيش والأمن، وابتعد عن مواجهة القبائل المحلية الأكبر والأفضل منه جاهزية وعتادا، ولكنه بدلاً من ذلك حاول اختراق التركيبات القبلية من خلال الزيجات والعلاقات المالية.
 
أجرت الولايات المتحدة وقوات النخبة الشبوانية المدربة في الإمارات العربية المتحدة العديد من عمليات مكافحة الإرهاب التي نجحت في تثبيط نشاط القاعدة في جزيرة العرب في شبوة، وحصرت المقاتلين في المناطق الشمالية بالمحافظة حيث كانت أقامت علاقات مع القبائل المحلية هناك.
 
إلا أن غارات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة أودت بحياة عدد كبير من القتلى المدنيين، في حين أدى الدور الموسع للوحدات العسكرية المدعومة من الإمارات إلى إشعال فتيل التوترات بين كتلتي الإصلاح والمجلس الانتقالي الانفصالي في المنطقة.
 
إذ تُظهر البيانات الموضحة في (الشكل 2) الأنماط المكانية المتغيرة لردود الفعل العنيفة للقاعدة في جزيرة العرب التي سجلتها ACLED بين يناير 2016 وأبريل 2019، إلى جانب تطور نشاط مكافحة الإرهاب.

 

هذه البيانات تسلط الضوء على اتجاهين رئيسين.  فمن ناحية، تضاءلت وتيرة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة منذ عام 2016، بينما تورطت قوات النخبة الشبوانية في عدد متزايد من الأحداث خلال نفس الفترة. حيث يبدو أن هذا الاتجاه يشير إلى أن الولايات المتحدة قلصت دورها في القتال ضد القاعدة في جزيرة العرب في شبوة في الوقت الذي تركت فيه القيادة إلى التشكيلات العسكرية التي تم تجنيدها محليًا.
 
وبعد أن خفف الرئيس ترامب من قواعد مكافحة الإرهاب في عام 2017 مما قلل من الإشراف المدني على هجمات الطائرات بدون طيار، ارتفعت أعداد القتلى المدنيين بشكل كبير في شبوة، مع مقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا ممن ليسوا معتبرين من عملاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية ـ من بين الذين قتلوا في مثل هذه العمليات في عام 2017 وحده- ولذلك، أتى هذا التصعيد العسكري بنتائج عكسية، مما زاد من عزلة القبائل وجعلها أقرب إلى القاعدة في جزيرة العرب.
 
التدخل الإماراتي
 

من ناحية أخرى، توضح الخريطة كيف قامت قوات النخبة الشبوانية بتوسيع انتشارها المناطقي في جميع أنحاء المحافظة.  وعلى مدى العامين الماضيين، تم نشر وحدات الجيش المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في جنوب شبوة وعزان والسعيد وعتق، ومؤخراً في حبان ومرخة وعسيلان بذريعة شن حملات لمكافحة الإرهاب ضد المتشددين.
 
وتتألف قوات النخبة الشبوانية، التي تضم حوالي 6000 جندي، إلى حد كبير من رجال القبائل المحليين، في محاولة لتوحيد الولاءات القبلية وتوفير فرص العمل للشباب المحلي العاطل عن العمل الذي تزدهر به القاعدة في جزيرة العرب.  وبالإضافة إلى توفير التدريب، أطلقت الإمارات العربية المتحدة مشاريع تنموية محلية تهدف إلى استعادة البنية التحتية المدنية المتهالكة، والتي يتهم السكان المحليون إهمال الدولة بتدهورها.
 
وقد أدى تزايد الحضور الإماراتي في شبوة إلى اضطراب النظام القبلي الحاكم للديناميكيات الاجتماعية والسياسية المحلية.  وعلى الرغم من أن قوات النخبة الشبوانية خُطط لها اساساً لتكون "ميليشيا محلية وقبلية"، إلا أن الإمارات العربية المتحدة جندت القوات بشكل غير متناسب بين القبائل الأصغر في المنطقة، وأبرزها بني عابد وبني هلال وبلحارث.
 
ومع ذلك، فإن هذا التعامل التفضيلي تسبب بحدوث احتكاكات مع أكبر تجمع قبلي بشبوة - وهو اتحاد قبائل العوالق المؤثر - والمتهم بالحفاظ على علاقة تتبنى عدم المواجهة مع القاعدة في جزيرة العرب. ووسط هذه التوترات المتزايدة، جرى الحديث عن قيام قوات النخبة أيضًا بحملة اعتقالات تعسفية وتعذيب للسكان المحليين، بما في ذلك العديد من رجال قبيلة العوالق.
 
كما أن التقارير عن الاشتباكات الأخيرة في منطقة (نصب) بين رجال القبائل التابعة لوحدات مختلفة من قوات النخبة، تسترعي الالتفات ايضا الى المخاطر المحتملة لزعزعة البيئة القبلية المعقدة التي تنشط فيها. ويوضح (الشكل 3) نشاط قوات النخبة الشبوانية منذ عام 2016.

 

النفط في شبوة

بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت التوترات في جميع أنحاء قطاع إنتاج النفط وسط تزايد الاستياء الشعبي إزاء الفساد والمزاعم المتعلقة بالهيمنة الاقتصادية من قبل المستثمرين الشماليين.  ففي يناير/ كانون الثاني، منع رجال قبائل بلعبد مرور ناقلات النفط خارج منشأة نفطية تديرها النمسا في أرما، شمال شبوة، مما أثار اشتباكات مع قوات الجيش التي كانت تحرس الموقع.

 حيث أعرب رجال القبائل - أحد المساهمين الرئيسيين في قوات النخبة الشبوانية - عن أسفهم تجاه إعادة التوزيع المحدودة لعائدات النفط، وطالبوا بمنحهم تنازلات في الصادرات المربحة للنفط الخام من المنشأة، التي استأنفت الإنتاج العام الماضي عبر شركة OMV النمساوية.
 
وقبل ذلك بأسابيع، دفعت اتهامات بالفساد محافظ شبوة محمد صالح بن عدي إلى إصدار مذكرة توقيف بحق صالح علي بافياض، مدير الفرع المحلي لشركة النفط اليمنية المملوكة للحكومة.  وقد هدد بن عدي، الرئيس السابق للجنة مكافحة الفساد في شبوة، بالاستقالة في مارس بعد أن أستنكر ضغوطا حكومية لتخفيف أجندته لمكافحة الفساد، معلنا عدم سحبها الا بعد تلقي الدعم من الرئيس هادي.
 
ويعد بن عدي شخصية مؤثرة في شبوة، مع تمتع بصلات مع الحراكيين والنخب القبلية المحلية على الرغم من انتمائه المثير للجدل للإصلاح.
 
كما تعد شبوة أيضًا أحد ساحات المواجهة الأوسع بين الحكومة المركزية والمجلس الانتقالي الانفصالي، الذي يمتد قوس نفوذه في جميع أنحاء جنوب اليمن.  وهناك مخاوف من أن الإمارات العربية المتحدة تستخدم وكلاءها المحليين لزرع الانقسامات ودفع أجندة مناهضة للإصلاح في المحافظة، والذي يعد جزءًا من المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب التي يقودها نائب الرئيس علي محسن الأحمر.
 
ويبدو أن الاتهامات التي أثارها ممثلو الانتقالي الجنوبي حول الوجود المزعوم لـ "الإرهابيين" النشطين في عتق وبيحان، حيث يحتفظ الإصلاح بحضور قوي تشير في هذا الاتجاه. وعلى الرغم من أن الاشتباكات المتقطعة بين القوات الموالية لحكومة هادي وقوات الانتقالي الجنوبي، على التوالي، حدثت في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لم تتحول إلى مواجهة عسكرية شاملة للسيطرة على المحافظة.

ومع ذلك، لا تزال المخاوف بشأن تصعيد عنيف محتمل مرتفعة، حيث ربما يمتد إلى محافظة حضرموت المجاورة.
 
محافظة حضرموت
 
في الوقت الذي تم تجنيبها أي توغلات للحوثيين، تصدرت محافظة حضرموت العناوين الرئيسية للصراع الحالي في اليمن، عندما استولت القاعدة في جزيرة العرب على عاصمتها، المكلا، في أبريل 2015. واستغلالًا للانهيار الأمني الذي أعقب خروج الرئيس هادي، قدم التنظيم نفسه كحصن سني ضد تهديد الحوثيين الشيعي، وتمكن من حكم عاصمة حضرموت لمدة عام كامل.

كما غرس جذوره تدريجياً في المدينة، مستفيدا من شكاوى السكان الذين تم تهميشهم من قبل السلطات المركزية منذ فترة طويلة، مع الأخذ "بنهج مريح ومرن نسبياً تجاه فرض أيديولوجياتهم الاجتماعية"
 
وبالسيطرة على ثالث أكبر ميناء في اليمن وخامس أكبر مدينة في البلاد، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 500,000، يمكن القول إن القاعدة كانت أصبحت بذلك "أقوى من أي وقت مضى منذ أن ظهرت لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عامًا"؛ حيث وبمساعدة من الإيرادات اليومية من جمارك الموانئ التي بلغت مليوني دولار، عملت القاعدة في شبه الجزيرة العربية في المكلا، على تزويد سكانها بالخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.
 
ومنذ يناير 2016 حتى الإطاحة بمسلحي القاعدة في جزيرة العرب من المدينة في أبريل 2016، تُظهر بيانات ACLED أن المكلا كانت المنطقة الثانية في اليمن التي شهدت أكثر أنشطة القاعدة في جزيرة العرب، وهو ما عكس قبضة التنظيم على المدينة.
 
طرد تنظيم القاعدة

وبعد طرد الحوثيين والقوات المتحالفة معهم من محافظتي عدن ومأرب، جرى الحديث عن أن المسؤولين العسكريين الإماراتيين وضعوا أعينهم على المكلا في أواخر عام 2015. ولهذا الغرض، أعادوا القائد العسكري اليمني فرج البحسني من الخارج حيث اقام لمدة 20 عامًا في المملكة العربية السعودية ومصر، ونصبوه كقائد للمنطقة العسكرية الثانية في نوفمبر 2015، وذلك للإشراف، إلى جانب المسؤولين الإماراتيين، على تدريب قوات النخبة الحضرمية.
 
كما تم حشد ما مجموعه حوالي 12,000 مقاتل قبلي وسكان محليين آخرين من المحافظة، واستعادوا بنجاح المكلا في غضون أيام قليلة، بدعم جوي وبري من القوات الإماراتية والقوات الأمريكية.
 
ووفقًا لبعض المصادر أخرج التحالف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بأقل قدر من القتال، مما أثار جدالًا حول احتمالية أن يكون تم التوصل إلى ترتيب تفاوضي بين الإمارات ومقاتلي القاعدة، على الرغم من أن أبو ظبي تنفي ذلك بشدة. وقد مثلت معركة المكلا أعلى قمة للعنف في حضرموت منذ عام 2016، كما هو مبين في (الشكل 4) أدناه.

 

بعد ذلك، تحولت المكلا من معقل للقاعدة في جزيرة العرب في جنوب اليمن، لتصبح المحور الرئيس لحملة مكافحة الإرهاب التي تدعمها الإمارات في جميع أنحاء المنطقة.  ووفقًا لما قاله حسام ردمان، وهو زميل أبحاث لدى مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فقد "كانت هناك معارضة شعبية للقاعدة في جزيرة العرب، لكنها كانت تنتظر حدوث تحول في ميزان القوى لكي تتصرف".
 
ومع ذلك، لا تكشف البيانات التي جمعها مشروع جمع وتحليل بيانات الصراعات (ACLED) عن انخفاض ملحوظ في نشاط القاعدة في جزيرة العرب في حضرموت حتى النصف الثاني من عام 2018. ويمكن تفسير ذلك بعاملين.
 
أولاً، انتقل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى حد كبير من حضرموت الساحلية إلى المناطق المرتفعة بعد طرده من المكلا. ثانياً، أشعلت حملات مكافحة الإرهاب التي قادتها قوات النخبة الحضرمية جولة جديدة من هجمات القاعدة في جزيرة العرب، في المقابل.
 
النخبة الحضرمية

كما قامت قوات النخبة الحضرمية، التي ربما يبلغ قوامها 30 ألف مقاتل وفقًا لبعض التقديرات الإماراتية، باستبدال القوات النظامية إلى حد كبير في المناطق الساحلية في حضرموت، حيث انتقلت من مهمة مكافحة الإرهاب الأولى إلى أن أصبحت القوة الأمنية الرئيسية في المنطقة. ويوضح (الشكل 5) أدناه أنها قد وسعت مناطق عملياتها تدريجياً من المناطق الساحلية باتجاه المناطق الداخلية في حضرموت، مما زاد من حدة التوترات داخل المحافظة.

 

وعلى الرغم من أن حضرموت كانت تتمتع دائمًا بأحد أبرز الهويات شبه الوطنية، إلا أن هناك حقيقتين شبه إقليميتين موجودتان تاريخياً داخل المحافظة.  فقد أدى الصراع وتورط القوى الأجنبية إلى تعميق ترسخ هاتين الحقيقتين، اضافة للتنافس على نحو متزايد على الصعيدين العسكري والسياسي حيث تخضع حضرموت الساحلية بحكم الأمر الواقع للانتقالي الجنوبي، على الرغم من أن محافظها فرج البحسني لم يقطع علاقاته بحكومة هادي.
 
وبالمثل، تعد قوات النخبة الحضرمية واحدة من الأجنحة المسلحة التابعة للانتقالي الجنوبي، على الرغم من أنها تخضع رسميًا لسلطة وزارة الداخلية في الحكومة المعترف بها دوليًا. في المكلا، يقع مقر المنطقة العسكرية الثانية بقيادة البحسني، بجانب قاعدة عسكرية إماراتية.
 
وفي الشمال، يقع وادي حضرموت والمناطق الصحراوية العليا تحت تأثير مزيج من القوى المؤيدة للوحدة، والتي لا تزال فيها الولاءات "مثار جدل"، حيث معظمها منقسمة بين التشكيلات القديمة للرئيس الراحل علي عبد الله صالح والتشكيلات المرتبطة بالإصلاح والتابعة للرئيس الحالي هادي ونائب الرئيس علي محسن.
 
ويقع وادي حضرموت في مدينة سيئون، التي تضم مقر المنطقة العسكرية الأولى بقيادة محمد صالح تيمس، الذي يعتقد بتحالفه مع الإصلاح وبقربه من نائب الرئيس علي محسن. وكما يعتقد أن عددًا من الجنود السعوديين يتمركزون في شمال حضرموت.
 
التنافس بين الساحل والوادي
 
ومن المحتمل أن يكون للتنافس بين المنطقتين العسكريتين تأثير مباشر على أمن الحضارم.  إذ تشير البيانات التي جمعها ACLED بالفعل إلى أنه على الرغم من أن حضرموت اظهرت مستويات منخفضة من العنف مقارنة بمعظم المحافظات في اليمن، إلا أنها رابع محافظة يُرجح أن يكون المدنيون فيها الهدف المباشر للعنف. ويمكن الاطلاع على العدد الكبير من أحداث العنف ضد المدنيين وزيادتها منذ عام 2018 في (الشكل 4) أعلاه.
 
وعادة ما يجري استهداف مسؤولين الحكوميين وامنيين وشخصيات قبلية ودينية، حيث تم تقييد هذه الحوادث ضد جماعات مسلحة مجهولة الهوية في ثلاث حالات من أصل أربع منذ عام 2016. وعلى الرغم من أن الامر ربما يكون نتيجة فراغ أمني نشأ عن عدم التعاون بين القوتين الامنيتين المتنافستين في المحافظة، حيث غالبًا ما يلوم سكان حضرموت الوحدات الموالية لمحسن عن الوضع الأمني المحفوف بالمخاطر.
 
وكما يتضح من (الشكل 6) أدناه، فإن أكثر من 80% من هذه الأحداث وقعت بالفعل في وادي حضرموت.  ومع ذلك، يمكن أن يكون بعضها جزءًا من حملة مدعومة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة من الاغتيالات الموجهة ضد الأفراد المنتسبين للإصلاح في جميع أنحاء جنوب اليمن.

 

المنافسة بين الوادي والساحل في حضرموت تلقي بظلالها ايضا على الساحة السياسية.  ففي النصف الأول من عام 2019، احتضنت حضرموت جلسات برلمانية للهيئات التشريعية المتنافسة.  وفي الفترة من 16 إلى 17 فبراير، عقد المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي الجلسة الثانية للجمعية الوطنية الجنوبية في المكلا، والتي أدان خلالها ما اسماه "الحكومة الفاسدة" للرئيس هادي ومحاولاتها الرامية إلى الإخلال "بالأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في الجنوب.
 
وبعد شهرين فقط، أي في الفترة من 13 إلى 16 أبريل، عقدت الهيئة التشريعية للحكومة المعترف بها دوليًا لمجلس النواب، اجتماعها الأول منذ بداية النزاع في سيئون. وبينما مثلت تلك الجلسة جزءًا من معركة أوسع نطاقًا من أجل كسب شرعية تشريعية، بين حكومتي هادي والحوثي، فقد كشف الاجتماع عن تصدعات عميقة في حضرموت.
 
حيث ظهرت تقارير تحدثت عن اعتقال عدد من قادة الانتقالي الجنوبي على أيدي قوات المنطقة العسكرية الأولى، بينما قيل إن قوات حماية الرئاسة الموالية لهادي قد فتحت النار على المتظاهرين ضد الاجتماع البرلماني. وفي اليوم الذي عقدت فيه الجلسة، تعرض المجمع الحكومي لهجوم من قبل مسلحين مجهولي الهوية.
 
 ويمكن أن يعزى التصعيد الأخير للتوترات جزئيًا إلى تزايد نفاد صبر الفصائل الانفصالية من وجود قوات موالية للوحدة في وادي حضرموت.  ونظرًا لأن عددًا من جنود المنطقة العسكرية الأولى ينتمون إلى المحافظات الشمالية، فهم في الواقع يعتبرهم بعض الحضرميين قوة احتلال في جنوب اليمن.
 
وخلال الجلسة الثانية للجمعية الوطنية الجنوبية، اقترح البرلمانيون تمكين قوات النخبة الحضرمية في وادي حضرموت والصحراء.
 
حتى الآن، يبدو أن محافظ حضرموت، فرج البحسني، نجح في منع التوترات من ان تتصاعد إلى صراع أوسع، وذلك من خلال درء الانقسامات داخل المحافظة والبقاء محايدًا نسبيًا. ومع ذلك، يبدو هذا الوضع مستمر فقط طالما استمر البحسني وغيره من الشخصيات ذات النفوذ في حضرموت الساحلية وعمقها في السيطرة على الجهات الفاعلة شبه المستقلة.
 
ومع تزايد جرأة الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الحضرمية المدعومتان من الإمارات، فقد تحاولان في النهاية انتزاع وادي حضرموت من قوات المنطقة العسكرية الأولى. ومن المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى نشر مقاتلين ينتمون إلى الإصلاح من المحافظات الشمالية، حيث من شأن ذلك إشعال فتيل قتال يلعب على الانقسام بين الشمال والجنوب.

 

Andrea Carboniأندريا كاربوناي: هو محلل أبحاث مع ACLED. وكان يدير سابقا مكاتب افريقيا والشرق الأوسط. وهو أيضا مرشح للدكتوراه في الجغرافيا في جامعة ساسكس وحاصل على درجه الماجستير في الدراسات الأوروبية والدولية من جامة ترينتو. وتركز أبحاثه على النخب السياسية والسياسات الخلافية في شمال افريقيا والشرق الأوسط.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر