في ضوء التحولات الداخلية والخارجية الراهنة.. إلى أين تتجه الأزمة اليمنية؟ (تحليل خاص)

خلال خمسة أشهر من التوقيع على اتفاقيات استوكهولم، بين السلطة الشرعية والحوثيين، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، حفلت الأزمة اليمنية بتفاعلات وتحولات داخلية وإقليمية، وخلفت وراءها تحولات سياسية وعسكرية، لدى مختلف الأطراف، سواء الداخلية أو الخارجية، التي تدعمها.


طرف الحوثيين??¹???? ??§????°????¨

بعد توقف العمليات العسكرية في محيط وأطراف مدينة (ميناء) الحُديِّدة، عمد الحوثيون إلى فرض سيطرتهم بالقوة، على مناطق مختلفة لم يكن لهم فيها حضور قوي، أو سقطت من أيديهم خلال السنة الأولى من الحرب، ومن أبرزها: حجور بمحافظة حجة، والحشاء، ودمت، وقعطبة بمحافظة الضالع، وأجزاء من مديريتي ذي ناعم، والزاهر بمحافظة البيضاء، ومناطق محدودة من محافظة لحج.

وقد كشف هذا التوسع عن ولاء قادة عسكريين وقبليين للحوثيين، من أبناء هذه المناطق، وتقدمهم صفوف المعركة في مواجهة قوات السلطة الشرعية، والقوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي. 

إلى ذلك، وفي منتصف هذا الشهر (مايو/ آيار 2019)، تمكن الحوثيون بعملية إعادة الانتشار الشكلية لقواتهم، في موانئ الحديدة، والصليف، ورأس عيسى، من إيصال رسائل مختلفة بأنهم نفذوا اتفاقيات ستوكهولم، محققين بذلك مكسبين، هما: ضمان بقاء سيطرتهم الفعلية على هذه الموانئ، وكسب تأييد بعض دول الغرب، التي عدّت ذلك إذعاناً لقرارات الشرعية الدولية، ودفعاً لعجلة السلام المتعثرة في اليمن.

وضاعف من هذا المكسب، إقرار السلطة الشرعية بهذه الخطوة، مع إدراكها حقيقة هذه اللعبة، وعدم مشاركتها في الإشراف على ذلك، وهو ذات الموقف، الذي عبرت عنه الإمارات بوصفها القطب الآخر للتحالف بعد السعودية. 

بعد إعادة الانشار هذه، هاجم الحوثيون، بسبع طائرات مسيّرة من بعد، محطتين لضخ النفط، غربي العاصمة الرياض، ضمن مشروع أنابيب نفط أرامكو، الممتدة من رأس تنورة على الخليج العربي، إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر؛ كاشفين بذلك عن مدى تطور قدراتهم في مجال الطيران المسيّر من بعد، وأن هذا السلاح يمثل البديل الاستراتيجي للصواريخ الباليستية المكلفة الثمن والحيازة، وأن حجم ما يتلقونه من دعم عسكري من إيران وحزب الله، يؤهلهم للوصول إلى أهداف أبعد، سواء في الأراضي السعودية أو غيرها، بل إنهم، بذلك، يمثلون أقوى وكلاء إيران في المنطقة، ومصدر التهديد الأقرب والأخطر على السعودية.


طرف المجلس الانتقالي الجنوبي

خلال الفترة ذاتها، برز المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يرأسه محافظ عدن الأسبق، عيدروس الزُّبيدي، بوصفه المكافئ القوي أمام قيادة السلطة الشرعية، التي يتزعمها الرئيس عبد ربه هادي، معتمداً في ذلك على الدعم الإماراتي، وقوة التشكيلات العسكرية والأمنية، التي تخضع له، لا سيما قوات الحزام الأمني، التي تتصدر جبهات القتال في محافظتي الضالع ولحج، واستئثارها، إعلامياً، بالانتصارات المحققة في مواجهة الحوثيين، على الرغم من مشاركة قوات حكومية أخرى، ومقاتلين قبليين، لا يؤيدون توجه المجلس الانتقالي، ويرون أن قتالهم إلى جانبه مسألة ظرفية فرضها العداء المشترك للحوثيين.


في ذات السياق، يمكن النظر إلى الإعلان عن تشكيل قوات حزام أمني في جزيرة سقطرى، مدخلاً لنفوذ المجلس الانتقالي فيها، ولا شك أنها عددها سيضاعف خلال الأشهر القليلة القادمة، وفقاً لما كشفه البعض عن وجود مئات الجنود في طور التدريب داخل معسكرات بعدن؛ ولتشكل، بذلك، منافساً لقوات السلطة الشرعية في الجزيرة، إلى جانب ما تمثله من تحدٍّ، قوات النخبة التابعة له بالمحافظات الجنوبية الأخرى.


الملاحظ كذلك، أن الرصيد الجماهيري للمجلس الانتقالي، يتضاعف تباعاً في الجنوب، مقابل تناقص رصيد السلطة الشرعية. فالحضور الإعلامي، الذي يبديه أعضاء المجلس، وأنشطتهم الاجتماعية والسياسية، عملت على تقريبهم من الجماهير، مستفيدين من غياب أو تغييب مسئولي السلطة الشرعية، خاصة المؤثرين منهم؛ ولذلك لا غرابة أن تضيق مساحة هذه السلطة على الأرض مع مرور الوقت، وقد يلعب إطلاق المجلس الانتقالي قناتين فضائيتين، دوراً في تعزيز هذا الواقع، وخلق وعي انقلابي متطرف تجاه هذه السلطة، بما يسهل الانقضاض عليها مستقبلا.


طرف السلطة الشرعية

يبدو هذا الطرف، الآن، ضعيفاً أكثر من أي وقت مضى؛ حيث لم يحقق أي تقدم سياسي أو عسكري ذي قيمة، باستثناء انعقاد مجلس النواب بمدينة سيئون، وليس بالعاصمة المؤقتة عدن، وما أحرزته العمليات العسكرية، التي لا تزال جارية بمحافظتي صعدة وحجة، في إطار المسموح به من قبل قيادة التحالف، ولكون هذه العمليات مدعومة سعودياً، بوصفها عمليات وقائية للأمن القومي السعودي.


إلى ذلك، بدا موقف السلطة الشرعية من التنفيذ الشكلي لاتفاقيات ستوكهولم، في ما يتعلق بموانئ الحديدة، مجرد انسياق مع موقف المبعوث الأممي المتهم بالتواطؤ مع الحوثيين.

أما في جانب الحضور والاتصال بالجماهير، فلا يزال الرئيس هادي بعيداً عن الأرض، التي يفترض أنه يدافع عنها؛ حيث لا يزال مقيماً بالرياض منذ أغسطس/ آب 2018، ولا تزال حكومته، التي يرأسها المهندس معين عبد الملك، تواجه عوائق كثيرة؛ بفعل التدخلات الإماراتية، ومنافسة أدوات المجلس الانتقالي، العسكرية، والأمنية، والمدنية، وإعراض هذه السلطة عن الاجتجاجات، التي يقوم بها سكان محافظة المهرة إزاء الممارسات السعودية فيها، التي توصف بأنها تنتهك السيادة الوطنية، وتستغل ضعف هذه السلطة.


الحقيقة أن طول بقاء الرئيس هادي، ونائبه الفريق محسن، خارج البلاد، أحدث فراغاً كبيراً في ممارسة السلطة الشرعية على الواقع، وشجع المجلس الانتقالي على شَغل هذا الفراغ، وتحويل من تبقى من رجال السلطة الشرعية إلى هياكل جامدة، عاجزة عن إحداث أي نشاط إيجابي يعبر عنها، ولا أدل على ذلك من الشكاوى المتكررة، التي يبديها، من وقت إلى آخر، مسئولو هذه السلطة، وإخفاق الحكومة في انتظام دفع المرتبات، فضلاً عن الاختلالات المتزايدة في مرافقها، ومن ذلك الخطوط الجوية اليمنية، ومصلحة الجوازات والهجرة، والكهرباء، والصحة.


الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة

مع اشتداد الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، وتوافد القوات الأمريكية إلى الخليج العربي وبحر العرب، استهدفت مصادر لا تزال مجهولة، أربع سفن تجارية قبالة سواحل إمارة الفجيرة الإماراتية، أواسط مايو/ آيار الجاري. وفي سياق متصل بالحرب اليمنية، وليس بمعزل، كذلك، عن الأزمة الأمريكية الإيرانية، شكّل استهداف الحوثيين محطتين لضخ النفط السعودي، بسبع طائرات مسيرة دون طيار، تحولاً آخر في مسار الحرب اليمنية؛ بالنظر إلى عدد الطائرات المهاجمة، ونوعية الهدف، وبعده عن اليمن، وذلك على فرض صدق الحوثيين في تبني الهجوم، وبصرف النظر عن مصدر حصولهم على هذه الطائرات.


لقد مثّل هذان الاستهدافان رسالتين قويتين إلى قطبي التحالف، الإمارات والسعودية، وهما، كذلك، الفاعلان الإقليميان المناوئان لإيران، ومن المتوقع أن ترتبط استجابتهما إزاء مصادر هذين الاستهدافين، بناء على وضع المنطقة خلال الأيام القادمة، ولا شك أن ثمة تأثيرات مختلفة في مجريات الحرب في اليمن، فيما لو ساء الوضع العسكري والأمني في الخليج.


الاتجاهات والسيناريوهات المتوقعة

بتزايد نفوذ المجلس الانتقالي، وتعاظم تشكيلاته العسكرية، فإن ذلك قد يدفعه إلى فرض نفسه كشريك ثالث في أي تسويات قادمة بين الحوثيين والسلطة الشرعية، باللجوء إلى خيار القوة، على نحو ما قام به الحوثيون في صنعاء عام 2014، حين فرضوا تقاسم السلطة بموجب ما سمّي بـ "اتفاق السلم والشراكة"؛ حيث تشير تحركات المجلس الانتقالي إلى وجود نوايا من هذا القبيل، وبدعم من الإمارات، التي تعمل كويل أو ظل لبريطانيا، التي يبدو أنها تقتفي أثر سياستها المتبعة في اليمن خلال القرن الماضي، سواء أثناء محاولة توسع الإمام يحيى حميد الدين في الجنوب، خلال عشرينيات ذلك القرن، أو أثناء خروجها من الجنوب، وتسليمها السلطة للجبهة القومية عام 1967. وهنا يجدر الإشارة إلى أن المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، التقى عام 2018، بقيادة المجلس الانتقالي في كل من أبو ظبي، وعمّان. 


انسياقاً مع هذا التوجه، تشير العمليات العسكرية لقوات الحوثيين والقوات الموالية للمجلس الانتقالي، في حدود محافظات تعز، والضالع، والبيضاء، إلى السعي نحو ترسيخ حدود ما قبل مايو/ آيار 1990، بصرف النظر عن الجلبة، التي ترافق هذه العمليات، والتضحيات، التي تذهب فيها، فهي من لزوميات هذا النهج. ولعل ما يبعث على هذا الاعتقاد، إيقاف تقدم القوات الحكومية في جبهة الساحل الغربي، بعد ما أوشكت على فرض سيطرتها على مدينة (ميناء) الحديدة، وتسهيل الأمر أمام الحوثيين للتوغل، مرة أخرى، في مناطق الوسط، كخطوة ثانية في إطار مشروع التقسيم والإسقاط الناعم للشرعية.


المتوقع بعد تثبيت كل طرف في حدود ما قبل عام 1990، استمرار عملية السلام "الخادعة"، التي يقودها مارتن غريفيث، حتى يتمكن المجلس الانتقالي من تشكله كقوة قادرة على الحسم في أي مواجهة مع قوات الرئيس هادي، وسيكون لذلك أثر في تماسك القوات الحكومية المرابطة على الساحل الغربي، فوق تأثيرها بإعادة الانتشار المفروضة بموجب اتفاقيات استوكهولم؛ مما يتيح للحوثيين مهاجمة هذه المناطق، ومحاولة التوغل جنوباً نحو باب المندب، وغربي تعز، لا سيما أن ثمة ما يشير، في الوقت الراهن، إلى سعيهم لخوض مواجهة واسعة في جبهات الساحل. 


لا شك أن هذه السيناريو أسوأ السيناريوهات بالنسبة إلى السلطة الشرعية، لكن ذلك لا يعني نهايتها؛ بالنظر إلى ما تملكه من قوات في مناطق قد لا تشهد مواجهات مسلحة بين قوات هادي وقوات الانتقالي، إلا أن الفصل الجغرافي، الذي قد ينشأ عن هذا المواجهات، سيشكل عائقاً طبيعياً أمام التحام قوات الشرعية في الشمال والغرب والشرق، ومثال ذلك: تعز، التي قد يصبح وضعها حرجاً، لا سيما إذا ما قطعت عنها الإمدادات؛ جراء هذا الفصل.


وقد تلعب الأوضاع المتوترة في الخليج دوراً سلبياً إزاء مختلف الأطراف، لكن ذلك يتوقف على الموقف الأضعف لكل من إيران، والإمارات، والسعودية، فيما يظل الدور البريطاني هو الأخطر على وحدة اليمن، وقدرة الطرف المناوئ للحوثيين على استعادة السلطة منهم، مهما كانت طبيعة ونتائج أحداث الخليج حال وقوعها.


*محلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية

 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2019  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر