رمضان في إب.. حياة مختلفة.. تسوق ومعاناة وتكافل اجتماعي واسع (تقرير خاص)

  تشهد مدينة إب- وسط اليمن- يوميات رمضانية صاخبة، مليئة بالحياة والتناقض في ذات الوقت؛ فالمدينة التي تزدحم بمئات الآلاف من المواطنين، يقطنها الآلاف من النازحين.. وبين حياة المواطنين الميسورين منهم، والنازحين، يبدو التناقض واضحاً في طريقة العيش، لاسيما خلال يوميات الشهر الكريم.
 
شوارع مكتظة، ودرجة حرارة مرتفعة لم تشهدها المدينة من قبل، ومآذن تصدح بالتكبيرات والتراويح، وموائد مفتوحة طوال ليالي رمضان للعمال والفقراء، ومطابخ خيرية للمحتاجين، ومصاعب ومشاكل أنتجتها المليشيا الانقلابية، ونازحون ينتظرون أيادٍ بيضاء تمتد إليهم قبل حلول الظلام.
 

رمضان للتسوق


 
هذا العام ازدادت الحركة التجارية بشكل كبير في إب، متأثرة بحركة النزوح الداخلي التي تضاعفت مع اشتداد المعارك في الضالع، وانتقال رأس المال من مدن الحرب إلى إب؛ افتتحت أسواق تجارية ومولات تسوق ومعارض للملابس، حتى أصبحت شوارع وأسواق إب تكتظ بالحياة، وتمتلأ أسواقها الشعبية والتجارية بالمتسوقين.
 
ولا يرى محمد العديني ـ 19 سنة- أن في هذا الأمر "طفرة تسوقية"، بقدر ما يعتبرها "عادة تأتي في العام مرة"، موضحا: "لقد تعودنا في إب أن يكون عيد رمضان هو عيد الكسوة، وعيد الأضحى عيد اللحم.. وعلى مدى أشهر يتم تجميع الأموال من أجل شراء كسوة العيد".
 
ويضيف محمد لـ"يمن شباب نت": لذلك تجد عشرات من الاسر تقسوا على نفسها، ويعيشون الكثير من العوز من أجل اسعاد أطفالهم في العيد بكساء جديد، والبعض الآخر يطوف أسواق ومولات عدة من أجل العثور على متجر يبيع ملابس مناسبة بأسعار منافسة.
 
ومع أن النازحة "أم أسامة"، لا تملك من المال الكثير، وتعتمد في إدارة شؤون منزلها على فاعلي الخير، وبعض معونات المنظمات المنقطعة..؛ إلا أنها، رغما عن ذلك، لا تجد بداً من مواكبة هذه الموجة..
 
لذا، بمجرد ما حصلت "أم أسامه" على بعض المال من ميسورين، خرجت لتزاحم المتسوقين في الأسواق، لتشتري لطفليها كسوة العيد. حيث أنه "من غير الإنصاف أن يرى أطفالها، الأطفال الآخرين يلبسون الجديد يوم العيد، وهم في ملابسهم القديمة"- كما أكدت لـ"يمن شباب نت".
 
ليست أسواق الملابس وحدها من تزخر بالحياة في إب؛ فمحلات البهارات، واللحوم، وأسواق الخضروات، ومحلات الحلويات؛ تعج بالمتسوقين في نهار وليالي رمضان، حتى رغم ارتفاع الأسعار.
 
الازدحام في الأسواق، تصاحبه أزمة مرورية خانقة في كل شوارع وأحياء المدينة. والتي تبدأ من بعد الظهر، لتصل ذروتها قبيل المغرب، وتستمر لساعات متأخرة من الليل، وغالبا ما تتسبب بتعطل كثير من الأعمال وارتفاع كبير في نسبة الحوادث المرورية.
 
ويؤكد سليمان أحمدـ مالك موتور سيكل- بأن المشوار الذي كان يقضيه في خمسة دقائق، يصل اليوم إلى أكثر من ثلث ساعة، وأحيانا نصف ساعة، بسبب الزحام. الأمر الذي يؤثر على ارتفاع أجرة المشوار، وكثيرا ما يتسبب ذلك بمشاكل مع الركاب.
 
 ويواصل سليمان شكواه لـ"يمن شباب نت": كما أن ذلك يقلل من نسبة الدخل اليومي، بالنظر إلى قلة المشاوير، نتيجة الازدحام، الذي يضفي علينا خسائر كبيرة في المشتقات النفطية؛ فضلا عن أن كثير من الركاب يشكون من تعطل أعمالهم وتأخر وصولهم إلى مقار أعمالهم، إضافة إلى ارتفاع قيمة الأجرة عما كان عليه الحال قبل رمضان.
 

منغصات تقتل البهجة



وكالعادة، منذ سنوات، يستقبل المواطنون في إب شهر رمضان- كما هو حال معظم المحافظات اليمنية- في طوابير طويلة بحثا عن الغاز والمشتقات النفطية، مع ارتفاعات كبيرة في أسعارها، وأسعار المواد الغذائية.
 
ومع حلول شهر رمضان، يزداد الاقبال أكثر على الغاز المنزلي، حيث يصطف المئات من النسوة والأطفال والرجال في طوابير طويلة، في كل حي، أمام مستودعات بيع الغاز المنزلي، الذي أسند لعقال الحارات، وفق سياسة الحوثيين في مناطق سيطرتهم..
 
 وبعد أيام من الاصطفاف المضنى، يخرج المواطن بدبة غاز بسعر ألفين ريال، مدعومة من منظمة اليونيسف، وقادمة من الحكومة الشرعية بمحافظة مأرب. ومع ذلك لا يحصل عليها المواطن إلا بشق الأنفس، وبعد طول انتظار ومشقة، تكون قد أذهبت معها بهجة استقبال الشهر الكريم.
 
أما أولئك الذين يعجزون عن الحصول عليها بهذه الطريقة المتعبة، هربا من طول الانتظار، فيلجئون إلى شرائها بأسعار مضاعفة من الأسواق السوداء المنتشرة على نطاق واسع، والتي يديرها محسوبون على ميليشيات الحوثي بالمحافظة، حيث يقومون ببيعها بأسعار تصل إلى أحيانا إلى خمسة أضعاف سعرها الحكومي المدعوم.
 
وإلى جانب ما سبق، تشهد محافظة إب هذا العام، أزمة خانقة أخرى في انعدام مياه الاستخدام المنزلي، نتيجة توقف مؤسسة المياه عن العمل، بسبب ما تقول إنها تواجه شحة في الموارد المائية الجوفية، وعجزها عن توفير حلول عاجلة للمواطنين، الذين يضطر معظمهم إلى الذهاب يوميا إلى المساجد بحثا عن المياه، ويفقدون ساعات من يومهم الرمضاني بالانتظار في صفوف طويلة أيضا.  
 
وقد أدى توقف المؤسسة عن ضخ المياه إلى ارتفاع كبير في أسعار صهاريج المياه التجارية (الوايتات)، ليصل سعر المتوسط منها إلى سعر قياسي خلال الأشهر الماضية.
 
ومن المعروف أن مؤسسة المياه، التي تديرها ميليشيات الحوثي في صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، تتلقى دعما من منظمة اليونسيف الأممية لقاء الإبقاء على تشغيلها لخدمة المواطنين، إلا أنها أصبحت مؤخرا عرضة للتشكيك باستغلالها من قبل الحوثيين لرفد خزائنهم بمبالغ كبيرة.

ولا تتوقف مصاعب أبناء محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منذ 2014، عند هذا الحد؛ فارتفاع الأسعار في المواد الغذائية، والخضروات، واللحوم، أدى إلى عزوف كثير منهم عن شرائها، واضطرار بعضهم لحلول بديلة.
 
فقد شهدت مدينة إب، هذا العام أكثر من غيره، ارتفاعا جنونيا في أسعار الخضروات، أوصلت سعر الكيلو الطماط إلى ألف ريال، والكيلو البطاط إلى 600 ريال، والبصل إلى 400 ريال، مع ارتفاعات سعرية بنسبة 100 في المئة، في الكراث والبقل والكبزرة والبقدونس والخيار.
 
وتقول "أم أحمد" لـ"يمن شباب نت"، إنها استعاضت عن الطماطم بمعجون "الصلصة"، كما اكتفت بنوع واحد من الخضرة، فيما اضطرت لشراء البطاط والبصل كخيارات إجبارية، كونها لا تملك المال لشراء اللحوم او الأسماك.
 

مبادرات تخفف المعاناة



وتضاعفت الأزمة بمحافظة إب، مع استمرار ميليشيات الحوثي انتهاج سياسات إدارية تزيد من حجم المعاناة، بما في ذلك فرض جبايات لاقانونية ضد التجار والمحلات التجارية والمولات، في حين تواصل احتجاز عشرات الشاحنات من مواد الإغاثة في منفذ إب الجمركي.
 
وللتخفيف من وطأة الأزمات والمنغصات التي يعيشها كثير من المحتاجين والنازحين، وقليلي الدخل، والمنقطعين عن العمل، والموظفين الذين توقفت مرتباتهم، بادر عدد من الشباب والمتطوعين في مدينة إب بتنفيذ مبادرات تطوعية ساهمت بحل جزء من المعاناة الاجتماعية.
 
وللعام الثالث على التوالي، يواصل متطوعون شباب في محافظة إب، توزيع مواد غذائية جاهزة لمئات الأسر، في مبادرة تطوعية شخصية، تعكس حجم التعاضد الاجتماعي في المحافظة، ومدى الوعي لدى فئات الشباب في أهمية مثل هذه المبادرات في التخفيف من حجم المعاناة في شهر الخير على الاقل.
 
ويدخل في هذه المبادرات الإنسانية ذات الطابع الشخصي، قيام متطوعون شباب بتأسيس مطعم "عطاء" الخيري، بدعم من تجار وميسورين ومغتربين، ويتم عبره توزيع مواد غذائية متكاملة لعدد من الأسر المعوزة.

وبحسب مدير المطعم "ماجد ياسين"، فإن المطعم الخيري يقدم خدماته هذا العام لنحو 1200 أسرة، بين التوزيع المباشر للوجبات الجاهزة في مقر المطعم لسبعمائة أسرة، وتوزيع 500 وجبة عبر نقاط توزيع منتشرة في عدة أحياء وشوارع في المدينة.
 
وفي حين كشف ياسين لـ"يمن شباب نت" أن التكلفة التقديرية لليوم الواحد تصل إلى نحو (1,300,000) ريال- مليون وثلاثمائة ألف ريال، فقد أكد على أن الدعم المالي مازال يتدفق من تجار ومغتربين، غير أنها ما تزال غير كافية لتغطية احتياجات المطعم خلال شهر رمضان بالكامل، داعياً الميسورين والتجار إلى دعم المطعم الذي يوفر الوجبات المجانية لآلاف المواطنين.
 

وفي المدينة القديمة بـ"إب"، أنشأ "فؤاد سعد" مطبخا خيريا يهدف من خلاله التخفيف من وطأة الحاجة لدى مئات الأسر الفقيرة من أحياء المدينة المختلفة منذ سنوات، إلا أن هذا المطعم، وفقا لناشطين، مهدد هو الأخر بالتوقف، لشحة الإمكانيات والدعم المطلوب للاستمرار في مهمته الخيرية.

 
مطبخ "فؤاد سعد" الخيري بمدينة "إب" القديمة

إلى جانب ذلك، تتواصل مبادرات الأهالي السنوية، خصوصا في شهر رمضان، بينها فتح موائد رمضانية كبيرة في كل أحياء المدينة وبيوتها، لإطعام المحتاجين والشباب وطلاب الجامعة والعاملين الساكنين في إب، والوافدين إليها..
 
وفيما ينشط شباب بالانتشار في الشوارع، قبيل الإفطار، لتوزيع التمور والماء وبعض المقليات للمسافرين والمارة؛ ثمة مبادرات اجتماعية أخرى تقوم بها الجمعيات الخيرية المنتشرة في ارجاء المدينة، والدعم الخيري الذي يقدمه المغتربون لفئات مختلفة في المجتمع..؛ في مشهد تكافلي تميزت بها محافظة إب منذ عقود.  
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر