إشهار التحالف الوطني الجديد.. إعادة الاعتبار للسياسة.. أم للنظام القديم (تقرير خاص)

[ صورة جانبية لجلسة اشهار التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية المؤيدة للشرعية- 14-4-2019 / سيئون/ أرشيف ]

  بعد أكثر من أربع سنوات من التواري خلف هدير المدافع، ها هو صوت السياسة يعود مجلجلا إلى الواجهة، بحدثين متزامنين: استئناف جلسات البرلمان؛ وإشهار أكبر كيان سياسي جديد داعم للشرعية.  
 
 في 13 أبريل/ نيسان الجاري، عقد البرلمان اليمني دورته الأولى في مدينة سيئون بحضرموت بعد توقف إجباري دام أكثر من أربع سنوات. وفي اليوم التالي، أعلن عن اشهار "التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية"، المتشكل من 18 حزبا ومكونا سياسيا داعما للشرعية.
 
وجاء الإعلان عن هذا التحالف الجديد بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات المتواصلة، و"استشعارا من الأحزاب والقوى السياسية اليمنية لمسؤوليتها الوطنية، وتعزيزا لدورها السياسي في دعم استعادة الشرعية، وإنهاء الانقلاب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وبسط سلطاتها على كامل التراب اليمني، وقياماً بالواجب الوطني لإنقاذ البلاد وانتشالها من الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية الصعبة". كما ورد في مقدمة بيان الإشهار.
 

[للمزيد أقرأ: سيئون.. الإعلان عن إشهار التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية (بيان)]

 
نظرة إيجابية: فتح آفاق جديدة

 بعد انقلاب ميليشيا الحوثي على السلطة في سبتمبر/أيلول 2014، واندلاع الحرب في البلاد، تقلص- بشكل لافت- دور الأحزاب والقوى السياسية المختلفة في اليمن؛ حتى أن معظمها غاب تماما عن الساحة، لاسيما مع انحسار هامش العمل السياسي، وتوقف البرلمان بشكل كلي، خلال فترة الأربع سنوات التي أعقبت الحرب.
 
بعد كل هذه المدة، ودخول الحرب منعطفات معقدة، في ظل غياب أفق الخلاص منها، يأتي الإعلان عن هذا التحالف السياسي ليثير عدد من التساؤلات حول ما يمكن أن يقدمه لإنعاش الحياة السياسية اليمنية الراكدة؛ أو على مستوى الخلاص من الحرب وإرثها المعقد؟
 
قال التحالف في بيان إشهاره إن تشكيله جاء "نابعا من منطق الضرورة الوطنية، واستجابة لحاجة الساحة السياسية لوجود إطار جامع لمختلف المكونات والقوى السياسية، بهدف: دعم مسار استعادة الدولة، وإحلال السلام وإنهاء الانقلاب، واستعادة العملية السياسية السلمية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبناء الدولة الاتحادية".
 
نظريا، تبدو تلك الأهداف جامعة وشاملة لمشاكل اليمن المتراكمة على مدى عقد كامل. أما عمليا، فلا يبدو الأمر إلا كمفارقة مثيرة، من حيث أن هذه الأحزاب التي وعدت بها، جملة واحدة وفي يوم واحد، هي نفسها التي ظلت عاجزة عن فعل شيء لأكثر من أربع سنوات خلت..!! إلا إذا كان ينظر إلى حزب المؤتمر- كمتغير جديد هنا- سيشكل فارقا جوهريا لتجاوز هذه المفارقة الكاريكاتورية.  
 
بالنسبة للقيادي بالحزب الاشتراكي اليمني، أسعد عمر، فيعتقد أن الأحزاب المنضوية في إطار التحالف "تستطيع عمل الكثير، كونها بهذا الإشهار تكون قد فتحت بابا جديدا نحو التحول في العمل، وأصبح أمامها فرص جديدة وكبيرة".
 
وفي حديثه لـ"يمن شباب نت"، أعتبر "عمر"، الذي مثّلَ الحزب الاشتراكي في عضوية اللجنة التحضيرية لهذا التحالف خلال الفترة الماضية من التحضير، أن ما حققته تلك الأحزاب بهذا التحالف يعد "إنجازا تاريخيا على طريق خلق جبهة وطنية جامعة تضم كل الأطراف، وتدعم السلطة الشرعية، رئاسة وحكومة وبرلمان".
 
على مدى الفترة الماضية أعدت اللجنة التحضيرية للتحالف وثائق وأدبيات وبرنامج تنفيذي ولائحة تنفيذية. وأكد البند الثاني من بيان الاشهار على أنه تم "إقرار كافة وثائق التحالف، المتمثلة بالوثيقة السياسية للتحالف، والبرنامج التنفيذي واللائحة التنفيذية، المستمدة من رؤى المكونات السياسية لمتطلبات المرحلة".
 
وبحسب عمر، فإن البرنامج السياسي "حُدّدَت فيه أهم الاختلالات، ووضعت لها معالجات بالاشتراك مع قيادة الشرعة والحكومة".
 
وعليه، يضيف: بإمكان هذه المكونات، الآن، أن تعمل على تنفيذ هذا البرنامج، عبر المطالبة بتشكيل حكومة مصغرة، أو أن توكل مهمة تنفيذ البرنامج للحكومة الحالية، أو من خلال متابعة وتقييم عمل الحكومة والرئاسة وباقي المؤسسات، على أساس البرنامج والمهام المطلوب إنجازها، وخلق حراك مجتمعي مساند لها وضاغط على القيادات المسؤولة".
 
وفي الخلاصة، يقول القيادي الاشتراكي إن اشهار التحالف السياسي يضع كافة المكونات السياسية المنضوية في إطاره، مع قيادة الشرعية، ممثلة بالرئاسة والحكومة، "أمام مرحلة جديدة".
 
وهذا يعني، وفقا لعمر، أن الأحزاب "لن تقف إلى جانبهم فقط، بل إنها ستشاركهم القرار، وتحمل المسؤولية لإنهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، وتفعيل عمل مؤسساتها، والوقوف في وجه مشاريع التقسيم الطائفية والمناطقية، حتى تحقيق الهدف الأسمى في بناء اليمن الجديد بدولته الاتحادية، بحسب ما توافقنا عليه في مخرجات الحوار الوطني".
 

نظرة سلبية: إعادة النظام القديم

 في الواقع، لم يكن هذا التحالف السياسي وليد اللحظة، أو فجائي النشأة والتأسيس. حيث تعود فكرته أساسا إلى ما قبل أكثر من عامين. وقد أكد رئيس الدائرة السياسية لـ"اتحاد الرشاد اليمني" طارق السلمي، في تصريحات سابقة لقناة "يمن شباب" الفضائية، أن اشهار التحالف الجديد جاء بعد عامين من التجهيز والإعداد لوثيقته السياسية والبرنامج التنفيذي.
 
وهو أيضا ما أكده الصحفي محمد اللُّطيفي، أن هذا التحالف السياسي، المنضوي تحت كيان الشرعية، كان قد أعلن عنه، (تمهيديا)، في السعودية في وقت سابق، إلا أنه لم ينجح- آنذاك- في الإعلان عن نفسه. ويعزي سبب ذلك إلى "عدم موافقة الرياض، حينها، على الشخصيات المرشحة لقيادة التحالف"، مستدركا: "ثم تم إخراج هذا الملف مجددا الآن".
 
 وجاء حديث الصحفي اللُّطيفي أعلاه، لـ"يمن شباب نت"، في سياق التمهيد لوجهة نظره المغايرة بشأن طبيعة وخلفية هذا التشكيل الجديد، الذي يرى أن تزامن إشهاره مع انعقاد جلسات البرلمان "له دلالات سياسية متعلقة بأجندة الرياض، وهي هذه المرة تبدو منفصلة نوعا ما، في التفاصيل وليس في الأهداف، عن أجندة أبوظبي".
 
ولتعزيز وجهة نظره تلك، يستدل بالأسماء التي فرضت على المشهدين البرلماني والحزبي، وهما: القيادي في حزب المؤتمر سلطان البركاني- والذي تم اختياره رئيسا للبرلمان؛ ورفيقه القيادي في الحزب أيضا الدكتور رشاد العليمي- والذي تم تعيينه رئيسا للتحالف الوطني.
 
وأعتبر اللطيفي أن هذه الشخصيات المحسوبة على الرياض "بقدر ما لها من إشارة إلى اختلاف في الأجندة الإماراتية السعودية، فإن لها علاقة بتوجه السعودية لإعادة وجوه النظام القديم الى صدارة المشهد، خصوصا الموالون منهم للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح". على حد قوله.
 
وفي حين نوه إلى أن إعادة وجوه النظام السابق "هو توجه قديم له علاقة بالعقدة السعودية من ثورة فبراير، كما هو ايضا توجها مشتركا مع الإمارات التي تريد اجتثاث كل ما له علاقة بالثورة"، أضاف "وفي المقابل، تريد الرياض إحداث توازن بين قوى سياسية مرتبطة بفبراير، والقوى المرتبطة بالنظام القديم، في قالبٍ تكون فيه القيادة لرجال المؤتمر الموالين لها".
 

عودة المؤتمر

تشكل التحالف السياسي الجديد من أكبر وأقوى الأحزاب السياسية اليمنية، على رأسها حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود تحت قيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن يتعرض لهزات متتالية أضعفته، حتى وصل به الأمر إلى الخروج من المعادلة السياسية.
 
 بدء ذلك بثورة فبراير 2011، الشعبية، التي اسقطته من السلطة، في حين دخل في عزلة سياسية عن المجتمع بعد تحوله لاحقا إلى شريك لميليشيات الحوثي في الانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، ليبلغ ذروة ضعفه وانقساماته بعد مقتل رئيسه "صالح" على يد حلفائه الحوثيين في ديسمبر 2017.  
 
ولعل أبرز متغير سياسي، على مدى السنوات الثمان الأخيرة، هي عودة حزب المؤتمر الشعبي العام إلى تصدر المشهد السياسي، بعد تمكينه من قوته المعطلة لسنوات من خلال إعادة تفعيل دور البرلمان الذي يمتلك حق رئاسته ويتمتع فيه بالأغلبية المريحة حتى الأن، رغم بقاء عدد من نوابه تحت قبة البرلمان الشكلي غير المعترف به تحت سيطرة الحوثيين بصنعاء.
 
وبالتزامن، أيضا، أعيد المؤتمر، ليس فقط إلى رأس قائمة التحالف الوطني السياسي الجديد، بل ومنحه الأولية في الرئاسة الدورية عليه. الأمر الذي يرفع من قيمة وجهات النظر المتشككة حول ما يمكن أن يكون عليه هذا التحالف السياسي في المستقبل القريب. 
 
ومع ذلك، فبين وجهتي النظر المؤيدة والمتشككة، يبقى الحكم النهائي، في نهاية المطاف، منوطا بما سينجزه ويقدمه هذا التحالف الجديد من معالجات عملية خلال الفترة القادمة، وما إذا كان سيحدث فارقا جوهريا على كافة المستويات، الداخلية والإقليمية، والدولية، لمصلحة إنجاز الوعود ذات العلاقة باليمن وشعبه، بعيدا عن أي أجندات خارجية.  
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر