هجمات الحوثيين بالطائرات دون طيار: القدرات وتدابير المواجهة (تحليل خاص)

[ منصة معسكر العند بعد هجوم الحوثيين في طائرة مُسيرة في 10 يناير 2019 ]

على إثر استهداف الحوثيين قاعدة العند العسكرية، بطائرة دون طيار، أواسط يناير/ كانون الثاني 2019، الذي أسفر عن مقتل رئيس هيئة الاستخبارات والاستطلاع، اللواء محمد طماح، عاد الجدل مرة أخرى حول حجم ما يمتلكه الحوثيون من هذه الطائرات، أو مدى قدرتهم على تصنيعها، أو إعادة تجميعها، بعد الحصول عليها من مصادر خارجية بطرق سرية.

تنامي التهديد وتنوع المهمات

كشف الحوثيون عن تصنيع هذه الطائرات أوائل عام 2017، وشنوا بواسطة أنواع منها، مثل: قاصف-1، العديد من الهجمات على أهداف عسكرية تابعة للجيش الوطني والتحالف، وأخرى سعودية تقع بمنطقتي جيزان وأبها. بل زعموا أنهم طوروا قدراتهم فيها، بما مكنهم من استهداف مصفاة شركة أرامكو، بمنطقة الرياض، بواسطة طائرة مسيرة من طراز "صماد- 2"، واستهداف مطار أبو ظبي بطائرة مماثلة في يوليو/ تموز 2018، وتظل مثل هذه المزاعم محل نظر، من وجهة نظر هذا التقرير؛ بمعنى أنه في حال وقع ذلك بالفعل، فإن على الرياض وأبوظبي البحث عن مصادر إطلاق هذه الطائرات، وقطعا لن يكون الحوثيون أحد هذه المصادر.

لم يقتصر استغلال هذه الطائرات على العمليات القتالية فحسب، بل وفي مهمات الاستطلاع، والمسح، والتقييم، وتصحيح ضربات المدفعية، بواسطة أنواع أخرى منها مخصصة لهذه الأغراض، أطلقوا عليها مسميات من قبيل: هدهد-1، وراصد، ورقيب. وفي كلا الحالتين، القتالية والاستكشافية، أثبت الحوثيون بعضا من هذه العمليات بالتصوير الجوي، كما عملية في استهداف تجمعات لوحدات قتالية من المقاومة الوطنية المشتركة، بالساحل الغربي، أواخر العام الماضي 2018.

ومن ناقلة القول، إن بعضا من أنواع هذه الطائرات، متاحة في الأسواق التجارية العالمية، وبأثمان تراوح بين 500$ -2000$، وتستغلها التنظيمات الإرهابية، مثل: تنظيم الدولة (داعش)، وكذلك عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، التي تستخدمها في تهريب المخدرات، على نحو ما شهدته العاصمة البريطانية، لندن، عام 2015، من محاولة فاشلة لتهرب شحنة مخدرات إلى سجن بإحدى ضواحي لندن.  

دور معسكر إيران- حزب الله

مع تزايد هجمات الطائرات دون طيار، ودقة إصابتها، وقطعها مسافات طويلة، يبرز دور معسكر "إيران- حزب الله" في دعم الحوثيين بتقنياتها، وتعزيز التدريب، وبناء القدرات، والمساعدة بالخبراء، إلى جانب الدعم في مجال تقنية الصواريح الباليستية، للتعويض عن الفجوة الحاصلة في سلاح الجو التقليدي، الذي خرج من المعركة في اليوم الأول للحرب.

فلم يعد هنالك من شك، أن إيران، التي تعاملت مع هذه الطائرات منذ حربها مع العراق بين عامي 1981-1988، تعد الداعم الأبرز للحوثيين بهذه الطائرات، فضلا عن دعمها في مختلف جوانب الحرب؛ حيث كشف تقرير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، الذي ناقشه المجلس أواسط يناير/ كانون الثاني الجاري 2019، عن تورط إيران في دعم الحوثيين بتجهيزات وآليات عسكرية جوية مسيرة ذات منشأ ايراني.

وقد سبق ذلك، قيام بعض مراكز الأبحاث الأوروبية والأسترالية والأمريكية، خلال العامين الماضيين، في تتبع مصادر وتطور قدرات الحوثيين في مجال الطائرات المسيرة، وكانت النتائج تشير إلى تطابق مواصفات هذه الطائرات مع مواصفات طائرات إيرانية من هذا النوع، بل إن الطائرات، التي أسقطها التحالف وقوات الجيش اليمني، تحمل علامات دالة على أن جهة الصنع إيران، ومثال ذلك: الطائرة دون طيار " قاصف-1"، التي تطابق الطائرة الإيرانية المسيرة من طراز " أبابيل-تي"، كما يظهر في الشكل التالي.
 

شكل يوضح طائرة دون طيار، أسقطها التحالف، تحمل علامات تصنيع إيرانية، وتطابق مواصفاتها الطائرة التي أعلن الحوثيون عن تصنيعها مطلع 2017


ينكر الحوثيون أن يكون لإيران دور في ذلك، وقد عمدوا، منذ وقت مبكر، إلى افتتاح معرض شكلي لهذه الطائرات، زاره الرئيس السابق لمجلسهم السياسي، صالح الصماد، في فبراير/ شباط 2017، والحقيقة أن ذلك لم يكن سوى محاولة لافتعال ضجة الغرض منها تضخيم هذه القدرات، وأنها نتاج خبرات محلية، وتبرئة ساحة إيران وحزب الله من الإدنات المتكررة إزاء خرقهم قرار مجلس الأمن (2216) لعام 2015.

في ظل عجز التحالف عن تضييق الخناق على عمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، ومع ازدياد استهدافات هذه الطائرات خلال العام الماضي، ووفرة أصناف كثيرة منها في الأسواق التجارية العالمية، فإن هذه التقرير يتوقع حيازتهم للكثير منها، بما يكفي لإطلاق طائرتين شهريا، ولمدة عامين، وأن هذا التقدير قابل للزيادة، إذا استمرت سيطرتهم على الساحل الغربي، وموانئه ومرافئة الكبيرة والصغيرة.  

التدابير المفقودة

استطاعت الدفاعات الجوية في كل من اليمن والسعودية، اكتشاف بعض من هذه الطائرات، والتعامل معها قبل بلوغها أهدافها، إلا أن حالات أخرى استطاعت فيها هذه الطائرة بلوغ أهدافها، والتأثير فيها على نحو مدمر، ولعل آخر هذه الوقائع، استهداف قاعدة العند العسكرية، في يناير/ كانون الثاني الجاري 2019، مع الاعتقاد بأن حالات من هذا القبيل سوف تتكرر؛ لأن أغلب تدابير الجيش الوطني، تمثل، في حدودها العليا، ردود أفعال، مع كونها مؤقتة، ولا تعتمد على التنبؤ.

في سياق هذا القول، يمكن إيراد شاهد على ذلك، وهو إصدار قيادة محور تعز بالمنطقة العسكرية الرابعة، تعليمات لكافة وحداتها، بالتعامل مع أي وسائل هجوم جوي مسير، كهدف معادي. ومثل هذه التعليمات صدرت في بعض المناطق، على نحو مقيد؛ ما يعني الإبقاء على الفجوات التي تتيح لأي هجمات معاية تحقيق أهدافها، في ظل الافتقار إلى الدفاعات الجوية المناسبة، وتدابير الرصد، والمراقبة، والاستطلاع المبكر، والتشويش.


من المؤكد أن تدابير من هذا النوع، ليست بالأمر السهل؛ إذ تتطلب إمكانيات بشرية مدربة، وأخرى مادية، ونارية، واتصالاية، وتدريبية، للقيام بسلسلة من العمليات، من بينها المسح، والاستطلاع، والمراقبة. أما تحديد مصادر تهديد هذه الطائرات، فيتطلب شبكة من موفري المعلومات، وهي عملية معقدة، ولا أعتقد أن ما يقوم به التحالف من استهداف لمواقع افتراضية لإطلاق مثل هذه الطائرات، تقوم على أساس استخباري موثوق، بل مجرد تخمين، وقد تجلى ذلك في الهجمات العنيفة، التي شنتها طائرات التحالف على مواقع عسكرية بصنعاء، أواخر يناير/ كانون الثان الجاري 2019، بذريعة وجود منصات لإطلاق الطائرات دون طيار، مع أن ذلك يجانف المنطق العسكري؛ إذ أن بُعد صنعاء عن الأهداف المقصودة، يقلل من كفاءة وفاعلية هذه الطائرات في بلوغ أهدافها، أما  أن يقال بأنها أماكن تخزين أو إنتاج، فذلك أدعى للعجب أكثر!


*محلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2018  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر