بعضها لملوك.. حضرمي جمع 60 سيارة كلاسيكية قديمة يحتفظ بها منذ عقدين في ظروف صعبة (تقرير خاص)

[ الحضرمي سالم الحبشي مع نجله الأكبر أحمد في حوش منزلهم بسيئون- حضرموت، الذي حوله إلى معرض خاص لعرض تحفه الرائعة من السيارات الكلاسيكية القديمة ]

 
لكأن قول الشاعر أبو فراس الحمداني (320 - 357 هـ): "وَللنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ"؛ تنطبق على اليمني "سالم الحبشي"، ابن حضرموت، الذي تملكه عشق السيارات الكلاسيكية القديمة، ليصرف آخر عقدين من حياته في جمع ستون تحفة منها، تعود بعضها لسلاطين وملوك ومشاهير وأسر عريقة، منفقا على شرائها وتجميعها معظم ثروته.

وهاهو اليوم، يناشد الدولة، مانحا إياها صكا لإستغلال مشروعه الخاص لمصلحتها، في ظل ظروف استثنائية صعبة أثرت على قدرته مواصلة الحفاظ عليها في متحفه الخاص بمنزله.  
 
يُنظر إلى سالم جعفر الحبشي، الذي ولد- عام 1955- وترعرع في مسقط رأسه بمنطقة "السحيل"- مدينة سيئون بمحافظة حضرموت (شرقي اليمن)؛ كشخصية فريدة من نوعها، كما يصفه من يعرفونه، بالنظر إلى ما قام به من جمع لهذا العدد الكبير من السيارات القديمة والنادرة. كان بحاجة فقط إلى ثلاث أخرى منها، لتتساوى مع عمره (63 عاما).
 

متحف السيارات الكلاسيكية

 

 ستون سيارة كلاسيكية قديمة، تعود أقدمها إلى العام 1938م، بدأ سالم- وهو حاليا متقاعد وظيفيا- بشرائها منذ تسعينيات القرن الماضي، في أكبر وأهم مغامرة في حياته، مع نظرة مستقبلية ثاقبة لرجل يتحلى كثيرا بالهدوء والصبر، في استثمار عشقه هذا وتحويله من مجرد هواية ووله، إلى مشروع تاريخي يأمل أن تتبناه الدولة يوما ما، بعد أن أطلقه في منزله كمشروع شخصي في الوقت الراهن.
 
يقول سالم لـ"يمن شباب نت" إنه ما زال "متعلقاً ببصيصٍ من الأمل، أن هناك من سيأخذ بيديه لتنفيذ المشروع بشكله الصحيح، من الجهات المختصة والمعنية، حتى يرى مشروعه النور على أرض الواقع"، أي كمشروع دولة، من مشروع شخصي لمجرد هاوٍ فقط.
 
ورغم صعوبة الحياة والعيش في مثل هذه الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد ككل، فضّلَ العم سالم- الأب لخمسة أولاد، بينهم ثلاثة ذكور- الاحتفاظ بسياراته الـ(60) القديمة، التي أنفق معظم ثروته في جمعها دون أن يبالي بأثمانها، وظل محتفظا بها منذ عقدين من الزمن، رافضا التفريط بها- كما أكد لـ"يمن شباب نت"- حتى تكون لحضرموت حضوراً قوياً في الجانب التاريخي، بل واليمن بشكل عام، حتى أنه قام بتسمية مشروعه بـ"متحف اليمن للسيارات الكلاسيكية".
 

بداية الفكرة
 


في العام 1997م قام الحبشي بشراء أول سيارة. وحسب ما أكد لـ"يمن شباب نت"، كان الهدف من ذلك هو الشراء والبيع فقط (التجارة)، مضيفا: فحينها لم تكن فكرة المتحف موجودة، فأرشدونا الأصدقاء والأقارب بأنه من الأفضل الاحتفاظ بها والتفكير بعمل مشروع استثماري، فراقني هذا الرأي، وشرعت بعدها بالبحث عن مالكي بقية السيارات لشرائها إلى أن صارت "60 سيارة"، بعدها قمت بعمل متحف...
 
وأوضح سالم الحبشي لـ"يمن شباب نت"، أن فكرة عمل متحف خاص بالسيارات القديمة، جاءته من خلال متابعته للإنترنت والتصفح المستمر، وزياراته لبعض الدول العربية، "وهناك اطلعت على المتاحف الموجودة في تلك الدول، فلاحظت اهتمام كبير بهذا الشي، فأعجبت بالفكرة، ووجدت بأن مشروعها سينجح في موطني، فتشجعت لخوض غمارها، فكنت لا أبالي بثمن تلك السيارات، وحصلت على تشجيع من الأصدقاء والأحباب..."
 
من بين الستين سيارة، الكلاسيكية القديمة التي جمعها، توجد حاليا عشرون سيارة جاهزة للتشغيل، هي التي قام بفتح معرض لها في حوش منزله بمدينة سيئون- عاصمة وادي وصحراء حضرموت- والذي أطلق عليه اسم "متحف اليمن للسيارات القديمة".
 
وعن سبب اختياره هذه التسمية لمتحفه الخاص، أوضح الحبشي لـ"يمن شباب نت": فضلت بأن يكون باسم اليمن عموماً، لأنه يعتبر الأول على مستوى اليمن، ورغبة في أن تشارك معنا الدولة في استكمال هذا المنجز الكبير وإظهاره بالمظهر الذي يليق به، على غرار متاحف كبرى في دول الخليج...
 
أضف إلى ذلك، كما يقول، إنه ليس بمقدوره القيام بمفرده بتشغيل المتحف ومتطلباته من صيانة واستقبال للزائرين. مع أنه أكد أن جميع السيارات حاليا تتلقى اهتماما كبيرا، ويستعين بكثير من المهندسين، منهم اثنان مستمران معه في العمل على صيانة تلك السيارات في المتحف بشكل يومي.
 

سيارات قديمة لسلاطين وملوك



ويقول الحبشي لـ"يمن شباب نت"، بأن مجمل أنواع السيارات الموجودة في المتحف، هي "أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية وألمانية ويابانية"، ومعظم موديلاتها تتراوح من الثلاثينيات إلى خمسينيات القرن الماضي، وتعود ملكيتها إلى شرائح مختلفة، بينهم سلاطين وملوك، وعلماء، وتجار حضارم، وبعض البعثات الأجنبية...
 
 ومن أقدم تلك السيارات، يوضح الحبشي: سيارة ألمانية الصنع من نوع "أوبل أولمبيا"، ويعود موديلها إلى العام 1938م، وكان أول من أدخلها إلى مدينة تريم بحضرموت، أسرة "آل الكاف"، ثم انتقلت منها إلى آخرين، حتى وصلت إلينا أخيرا.
 
 ويضيف: ومن بين سيارات المتحف، سيارة قديمة صُنعت في أربعينيات القرن الماضي، تعود لعالم الآثار الأمريكي "ويندل فيليبس"، والذي قيل إنه اكتشف "عرش الملكة بلقيس"، بمحافظة مأرب، وسط/ شرق اليمن، عبر رحلته الاستكشافية...
 
وقال إن هذه السيارة صنعت في العام 1949م، ضمن "13 سيارة، خصيصاً للتنقيب واكتشاف المناطق الأثرية".
 
ومؤخراً، بعد الألفية الجديدة، زارت المتحف شقيقة عالم الأثار الأمريكي "ويندر فيليبس"، صاحب تلك السيارة والذي قام بالرحلة الاستكشافية لمحافظة مأرب، وتدعى "مارلين فيليبس"، وكان برفقتها شخص يدعى "جوري فراري"، وكان موجوداً مع البعثة والرحلة، وعمره آنذاك 16 عاماً. حسب ما أكده الحبيشي لـ"يمن شباب نت".
 


صعوبات ومغريات
 
وتحدث الحبشي لـ"يمن شباب نت"، عن صعوبات كثيرة واجهته في المشروع، الذي مضى على بداية تأسيسه عقدين من الزمن "دون أن نستفيد من المتحف كجانب استثماري، بسبب ضعف الدعم المادي من الجهات المعنية"، كما يقول، موضحا أن الاستفادة الوحيدة كانت في جانب المشاركات فقط "كمشاركتنا في مهرجان البلدة السياحي عامي 2003، و 2005، ومشاركات أخرى في أعياد الوحدة اليمنية، في مدينة سيئون وتريم".
 
وفي المقابل، كانت هناك الكثير من العروض المغرية التي حظي بها الحبيشي من داخل اليمن وخارجه، من أجل امتلاك وشراء بعض تحفه القديمة والنادرة بأسعار مشجعة. لكنه كما أكد لـ"يمن شباب نت" رفضها بالكامل "وآثرت بقاءها".
 
ومع ذلك- يضيف: "كانت تراودني نفسي أحياناً ببيع بعض السيارات، بسبب صعوبة الوضع الحالي والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد..."، مستدركا: "لكن، بالرغم من ذلك، صمدنا، ونؤكد أننا سنستمر في المحافظة عليها والتغلب على جميع الظروف بمشيئة الله تعالى، وطموحنا وأملنا كبير بمستقبل أفضل".
 
وهكذا، بين آماله في مستقبل يرى فيه مشروعه رسمياً على الواقع؛ وبين لحظات يأس يصارع فيها أفكار الخلاص التي تجول في خاطره أحيانا لمجابهة الأوضاع المعيشية الصعبة ببيع بعض سياراته الحبيبات على نفسه، يظل الحبشي متمسكاً بذلك المستقبل الجميل الذي ما زال ينتظره، داعيا- عبر "يمن شباب نت"- الرئيس والحكومة الشرعية الحالية، إلى تنفيذ ما اتفق عليه من توجيهات سابقة. بعد مطالبتهم "أولا، بزيارة المتحف وإرشادنا لكي يكون في أجمل صورة تليق به، وبالبلاد".
 
ويذكر الحبشي لـ"يمن شباب نت"، إنه حصل في السابق على توجيهات رسمية من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، عندما قام بزيارة للمحافظة في عهده "فذهبنا لزيارته في القصر الجمهوري بمدينة سيئون، وقمنا بعرض العديد من السيارات، فأصدر توجيهات رسمية للجهات المعنية، بإيجاد مكان ومبنى للمتحف"، مضيفا: وتلك الأوامر والتوجيهات موجودة، لكنها لم ترى النور حتى الآن، وبقيت حبراً على ورق، ونحن بدورنا قمنا بمتابعة حثيثة وكبيرة بهذا الخصوص للجهات المعنية، ونطالب الحكومة الحالية بتنفيذ التوجيهات والوعود السابقة".
 


آمال وأحلام مستقبلية

ومثل أبيه، يأمل "أحمد"، النجل الأكبر لسالم الحبشي بأن يتم افتتاح المتحف رسمياً من قبل الدولة والحكومة الحالية، حتى يزوره الناس والمهتمين والسياح بشكل أكبر، أسوة بالدول والحكومات التي تهتم بالتراث والأشخاص الذين يهتمون بجمعه والمحافظة عليه، معتبرا المتحف بمثابة تراث  لنا يعكس تاريخ اليمن بشكل عام وحضرموت بشكل خاص.
 
وأضاف أحمد سالم الحبشي" لـ"يمن شباب نت": المتحف يحتوي على الكثير من السيارات القديمة، ووالدي حافظ عليها، الأمر الذي يعكس حبه وعشقه لها في الوقت الذي يدل على أنه يحافظ على التراث"، مشيراً إلى أنه يشعر بسعادة غامرة، وخصوصاً عندما يشاهد تلك التحف القديمة من السيارات النادرة.
 
وأشار إلى أن والده استقدم سيارات بموديلات قديمة مختلفة، وبذل جهوداً كبيرة في ترميمها وصيانتها، حتى تكون بالشكل التي عليه الآن، ما أدى إلى تعزيز علاقته وارتباطه الوثيق مع تلك السيارات، حتى أنه صار متفرغاً للمتحف بشكل كامل.
 
 وقال إنهم يفتخرون بوالدهم كثيرا، والذي "يقوم بين الفترة والأخرى بالتجول ببعض تلك السيارات في شوارع مدينة سيئون، مما جعل ذلك ملفتاً للنظر، ومنظراً مدهشاً، ومحل إعجاب للمارة، الذين يسارع معظمهم إلى توثيق تلك المشاهد الجميلة بتلفوناتهم الخاصة".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر