مديرية "غيل بن يمين" بحضرموت؛ مرتعا لشركات نفط تدمر البيئة وتنفث السموم..فقط (تقرير خاص)

[ مديرية "غيل بن يمين"- ساحل حضرموت- مرتع للشركات النفطية وسمومها القاتلة ]

  يجاورون الشركات النفطية، ولم ينالهم منها سوى خبثها: لوثت هوائهم الريفي، وأفسدت تربتهم الزراعية الخصبة، ونشرت بينهم الأمراض الخبيثة والغريبة. وفوق ذلك، تفتقر مديريتهم للحد الأدنى من البنية التحتية، بينما يحلم السكان ولو بأبسط مقومات الحياة الكريمة.
 
ذلك هو باختصار حال سكان مديرية "غيل بن يمين"- الواقعة شرق المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (شرقي اليمن)- والتي تعد من أكبر مديريات المحافظة، بمساحة تتجاوز أربعة ألاف كم مربع، وتُعرف بأنها المديرية "النفطية" بامتياز.
 
تعج مديرية "غيل بن يمين" بشركات تنقيب واستكشاف النفط، التي تنتشر في محيطها، إلا أنه من النادر جدا أن يحظى أبنائها بوظائف وأعمال لديها. وبدلا من ذلك تتسبب لهم بتفشي الأمراض، بينها أمراض غريبة ومستعصية ظهرت مؤخرا. كما يقولون.
 
وتؤكد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، أن المديرية تتقاسمها شركتان من أكبر الشركات المنتجة للنفط في البلاد، هما: شركة بترومسيلة اليمنية (أصبحت يمنية خالصة بعد انتهاء عقد الشراكة مع شركة كنديان نكسن الأمريكية)، وشركة DNO الأمريكية. وإلى جانبهما تعمل 23 شركة نفطية "من الباطن"؛ أربع منها "أجنبية"، و 19 "محلية". ("من الباطن": مصطلح يطلق على المؤسسة أو الشركة التي تعمل تحت/ أو لدى الشركة الأم- الحاصلة على الامتياز).
 

 

تلوث بيئي وأمراض خبيثة

مديرية "غيل بن يمين"، تتمدد على أرض جبلية ذات تربة زراعية خصبة، بمساحة تزيد عن أربعة آلاف كيلو متر مربع. يمتلئ جوفها بالذهب الأسود، الذي تستفيد منه وتستنزفه شركات النفط، دون أبناء الأرض، اللذين لا يطالهم منها أكثر من الهواء الملوث والأمراض.
 
"المديرية عانت كثيراً من الشركات النفطية، التي لم تستفيد منها غير الأمراض، وتزايد حدتها". يقول صالح مولى الدويلة- مدير عام مديرية "غيل بن يمين".
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "في السابق، كانت المديرية تتمتع ببيئة صافية وهواء نقي ومياه عذبة". وأستدرك: "لكن، منذ أن بدأت الشركات النفطية في استكشاف النفط، بدأت مشكلة التلوث البيئي بالانتشار، حيث تفشت الأمراض بشكل أكبر، مما زاد كثيرا من معاناة المديرية".  
 

وشكا الدويلة من أن مشكلة التلوث البيئي في المديرية ليست جديدة، "بل قديمة وتعاقبت عليها سلطات كثيرة قبل السطلة الحالية، لكن الدولة لم تقم بواجبها في إيجاد حلول عملية تنهي هذه المشكلة، أو حتى تخفف منها على الأقل".
 
وأكد لـ"يمن شباب نت" أنهم بحكم مسئوليتهم لم يتوانوا في طرق مشكلة التلوث البيئي طوال الفترة الماضية، أمام الجهات المختصة، مضيفا "وسنواصل طرقها بكل الوسائل المتاحة، كما نفعل الأن عبركم، فلا بد من تقديم حلول عاجلة، لأنها سببت أمراض كثيرة، أبرزها مرض السرطان".
 
وبلغت حالات الإصابة بالسرطان في المديرية، 25 حالة، وفقا لأحدث إحصائية، استقاها "يمن شباب نت" من مدير الصحة بالمديرية يزيد الصدفي، الذي أوضح أن هذا الرقم يشكل إجمالي الحالات المرصودة "رسميا" فقط، عدد منهم قد فارق الحياة.  
 

 وبحسب الإحصائية الطبية أيضا، يقدم "الصدفي" أرقاما لحالات مرضية أخرى، بينها 10 حالات مصابة بتليث في الكبد، بعضها توفى وعدد بسيط منهم زرعت له كبد، وما زال هناك آخرون قيد الإصابة، مضافا إليها ست حالات تعاني من الفشل الكلوي، بعد وفاة حالات أخرى بالمرض.
 
وتحدث مدير المديرية، صالح الدويلة لـ"يمن شباب نت"، عن "أمراض غريبة، لم تعرف في السابق، انتشرت في المديرية، وظهرت على الإنسان وحتى الحيوان، الذي لم يسلم من تلك الأمراض الغريبة، التي ظهرت وانتشرت بشكل كبير، بينها التشوهات الخُلقية، وتليث الكبد، والفشل الكلوي، وأمراض غريبة ومستعصية أخرى". كما يقول.
 
ولا تقف المشكلة عند حد خلق الكوارث الإنسانية والبيئية، بل يزداد تفاقمها أكثر بفعل تجاهل تلك الشركات لأبسط احتياجات البنية التحتية للمديرية. في الوقت الذي كان يفترض بها القيام بواجبها في حماية المديرية من الأثار البيئية الكارثية المترتبة على أعمالها الاستكشافية والإنتاجية، بما في ذلك تطوير وتأهيل البنية التحتية، التي تساعد على التخفيف من تلك الأثار الكارثية.
 
فعلى سبيل المثال، نجد أن هذه المديرية النائية، التي يصل عدد سكانها إلى خمسين ألف نسمة، بحسب مدير المديرية (أخر تعداد سكاني في 2004 يحدد عدد السكان بـ: 28,120 نسمة)، ليس فيها سوى مستوصف طبي واحد فقط، يعمل تحت الحد الأدنى من الإمكانيات. الأمر الذي يضطر فيه (المستوصف المحلي) إلى إحالة الكثير من الحالات خارج المديرية للعلاج. كما يقول مدير الصحة.
 
وقدّر "الصدفي" متوسط الحالات المرضية المحالة من المستشفى للعلاج خارج المديرية، بـ"20" حاله شهرياً، موضحا أن هذا الرقم يقتصر فقط على الحالات الرسمية التي تصل المستشفى. فيما أن هناك الكثير من الحالات لا تصل إلى المستشفى، بل تذهب مباشرة لتلقي العلاج خارج المديرية.
 
والسبب- كما يقول: "لأن المستشفى يعاني من نقص حاد في جميع التخصصات. حيث لا توجد طواقم متخصصة في جميع المجالات الطبية، فيما عدا اختصاصية النساء والولادة فقط". وهذا القسم- بحسب مدير الصحة- تم تمويله وافتتاحه على نفقة فاعل خير.
 

تهديد يطال كل شيء

ولم تقتصر الأضرار الناجمة عن أعمال الشركات النفطية على الإنسان فحسب، بل طالت تأثيراتها الأرض والزرع والحيوان.
 
وحذر مدير عام المديرية، صالح الدويلة، مما وصفه بـ"الخطر الكبير" الذي تتسبب به تلك الشركات، عبر تخلصها من المواد والمخلفات السامة والقاتلة برميها إلى الجبال والوديان المجاورة، وأماكن جريان السيول، ونزول الماء"، منوها إلى أن ذلك "يشكل خطرا كبيرا، يتهدد الإنسان والحيوان، بالإضافة إلى الشجر".
 
وأكد الدويلة أن الزراعة في المديرية تضررت بشكل كبير جدا. فقبل أن تأتي تلك الشركات، كان المزارعون يعتمدون على مياه الأمطار، ويحصدون محصولاتهم الزراعية بشكل كبير جدا، أما الآن فلم يعد الأمر كذلك، وتدمرت معظم المزارع، لاسيما المجاورة للشركات النفطية، جراء تلوث تربتها ومياهها بالمخلفات الكيميائية. 
 


وكانت مديرية "غيل بن يمين"، تمتاز بحوضها الجوفي الذي يدر لها مياه صافية وعذبة ونقية، لكن هذا الميزة لم تعد متوفرة اليوم، كما يقول مدير المديرية "أما الآن، فقد أصبحت ملوثة بفعل حقول النفط، وعملية استكشاف النفط في الشركات المجاورة للمديرية".
 
وتحدث المواطن سعيد واعشه- وهو من أبناء المديرية- لـ"يمن شباب نت"، عن التلوث الذي تعرضت له بعض الآبار في منطقته، والتي يستخدمها المزارعون في الري.
 
وقال إن آبار المياه التي تمر عليها فترة من الوقت دون تشغيل "عندما نعود إليها، نجد أن مياهها قد تحولت إلى اللون الأصفر. وهذا ما يبدو وكأنه تلوث قد أنتشر في هذه الآبار بشكل كبير".
 
وارجع المواطن واعشة باللوم إلى الدولة، التي يقول إنها لا تهتم بالمديرية، بخصوص ظاهرة التلوث البيئي". وطالب الجهات المختصة بتشكيل لجان لفحص المياه الجوفية، واكتشاف حجم الكارثة.
 

من المسئول؟
 
تحت نهم وجشع ولا مبالاة شركات النفط العابرة للقارات، يرى السكان مديريتهم وهي تتعرض تدريجيا للتدمير والتلوث والأمراض القاتلة دون أن يكونوا قادرين على فعل شيء. ومثلهم، لا يجد مدير المديرية أمامه من شيء يقوم به، غير القاء اللائمة على الدولة.
 
وأكد الدويلة على أن دورهم كسلطة محلية بالمديرية، أن "نقوم برفع تقارير دورية، إلى الجهات المختصة بوجود المشكلة، وهي الآن أصبحت مشكلة دولة، وليست مديرية فقط، إذ يجب على الدولة، أن تجد حلاً بطريقة عاجلة".
 
وقد أعرب عن استغرابه من تصرف الدولة إزاء هذه المشكلة. حيث تبدو وكأنها "غير معنية بمشكلة التلوث البيئي في مديرية غيل بن يمين". وشدد على ضرورة أن تقوم الدولة بإلزام الشركات النفطية للقيام بواجبها في تقديم السلامة البيئية، خلال عملية استكشاف النفط واستخراجه.
 


 وناشد الدويلة، عبر "يمن شباب نت" كل من الدولة، ممثلة بالرئيس هادي وحكومته الشرعية، وكذا السلطة المحلية بالمحافظة، ووزارة النفط، للنظر بعين الاعتبار إلى المديرية، والقيام بواجباتهم إزاء هذه المشكلة بشكل عاجل، بحيث يتم دراستها بمسئولية وتقديم حلول حقيقية وجادة للشركات القديمة والجديدة، بما في ذلك تعويض البشر من أبناء المديرية، الذين تضرروا بشكل أساسي نتيجة "التلوث البيئي".
 
وحذر الجميع من أن الشارع اليوم أصبح "محتقن" بشكل كبير، نتيجة تهميش المديرية، حتى أنها محرومة من العمالة في الشركات النفطية، التي حملها بدرجة رئيسية نتائج هذا الاحتقان.
 
وأكد على أن السلطة المحلية بالمديرية لا يمكنها إلا أن تؤيد مطالب الشارع بحقوقه المشروعة، وفقا للطرق السلمية والحضارية.
 
ومع تصاعد مشكلة "التلوث البيئي"، بشكل أكبر من السابق، ما زال سكان المديرية يأملون من الدولة والشركات النفطية إيجاد حلول عاجلة وسريعة قبل أن تتحول المشكلة إلى كارثة لا يحمد عقباها.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر