"إب".. مبادرات مجتمعية في مواجهة كوارث الحرب.. والنساء في المقدمة (تقرير خاص)

في محافظة إب (وسط اليمن)، يتناقل الناس بشكل مثير قصة عجوز مجهولة الهوية، تحضر صباح كل يوم، ومعها فطائر ساخنة لتوزيعها مجانا، مع الشاي، على عمال عاطلين عن العمل في "جولة العدين" الشهيرة، وسط المدينة.
 
ويؤكد الإقبال على فطائرها، أن هؤلاء العمال، ربما أصبحوا فعلا- كما قال أحدهم لـ"يمن شباب نت"- يعتمدون على هذه الوجبة الصباحية التي ينتظرونها صباح كل يوم بفارغ الصبر.
 
وما يزيد الأمر إثارة، أن من أطلق عليها "عجوز الخير المجهولة"، ما زالت تحتفظ بسرية هويتها. ولا تظهر صورة، التقطها ناشطون ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، سوى عجوز مقوسة الظهر، متدثرة بزي شعبي يخفي تحته كافة تفاصيل العجوز، وقصتها المثيرة.


 
بشكل عام، تعكس هذه القصة نموذجا مثاليا واحدا لسلسة من مبادرات فعل الخير في مجتمع يحاول أبناؤه التعاضد فيما بينهم للتخفيف من حجم الكوارث الإنسانية التي افضت إليها أربع سنوات من الحرب، وجلعت أكثر من 75% من سكان البلاد بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وفقا لتقارير منظمات الأمم المتحدة.
 
ويسلط هذا التقرير، الضوء- بشكل خاص- على عدد من المبادرات الإنسانية البارزة والمؤثرة، التي اشتهرت بها محافظة "إب"، حيث تنوعت فيها أساليب المساعدات الإنسانية، ليس كعمل خيري مؤسسي فحسب، بل وأيضا كمبادرات شخصية، أو مجتمعية مبتكرة. برغم التحديات والعوائق الكثيرة التي تواجهها المحافظة الأكثر كثافة سكانية في البلاد، في ظل سيطرة مليشيات الحوثي على كافة تفاصيل الحياة بقبضة أمنية حديدية.
 
صناديق الحارات

مشروع خيري، بدأته "أم محمد" كمبادرة شخصية في حي "الرضوان" بشارع تعز، لتجد نفسها، بعد عامين، وقد توسعت فكرتها لتصل إلى عموم أحياء وشوارع مدينة إب.
 
تقوم "أم محمد"، وأخريات، من القائمين على هذا الصندوق الخيري، بالمرور على المنازل في الحي لجمع مبلغ شهري، يبدأ من 1000 ريال، فأكثر لمن يرغب، من كل ربة منزل في الحي. ونهاية كل شهر يقوم الصندوق بشراء احتياجات منازل المحتاجين في الحي، بعد أن يكون الفريق قد أجرى دراسة بحثية مسبقاً للمحاجين وبياناتهم. 
 
وتدريجيا توسع المشروع، ليصل إلى كل أحياء المدينة. واستفاد منه حتى الآن، مئات الأسر. بل مؤخرا، بدأ بالانتشار أكثر حتى شمل أرياف مدينة إب وأحيائها الممتدة على الأطراف شرقاً وغرباً، ليستهدف فئات أخرى كالنازحين والمرضى.
 
"أشعر بسعادة لا توصف حين أرسم السعادة على وجوه المحتاجين". تقول "أم محمد"، وقد أوجزت لـ"يمن شباب نت" كيف بدأت فكرة مشروعها الخيري، وكيف تطور، حتى أصبح أحد المبادرات الخيرية الرائدة في المحافظة.
 
كانت البداية- كما تقول- من مساعدة قدمتها لها إحدى المتطوعات في الحي، في وقت كانت فيه هي وأسرتها بأمس الحاجة إلى المساعدة. وحتى لا تتحول إلى عالة على المبادرات والجمعيات، قررت أن تتخطي أزمتها من خلال البحث عن مصدر رزق والبدء في هذا المشروع الذي تخلقت فكرته من معاناتها.
 
لا تتوقف "أم محمد" عن التفكير في وسائل أخرى لتطوير المشروع. فهي- كما تؤكد لـ"يمن شباب نت"- تسعى إلى تطوير الفكرة "بجمع مبالغ مالية ومنح قروض حسنة للأسر المنتجة، لفتح مشاريع صغيرة وإعادة تلك المبالغ للصندوق للاستفادة منها مرة أخرى".
 

"رغيفك حسنات"
 
عبارة عن مبادرة مجتمعية خيرية، أطلقت مطلع العام الجاري، عن طريق شباب متطوعون من أبناء مدينة إب، تستهدف الأسر المحتاجة وأصحاب الدخل المحدود والنازحين، من خلال توزيع الخبز عليهم وفق آلية بحثية مجتمعية.
 
وتقوم مبادرة "رغيفك حسنات"- وفقا لأحد أعضاء الفريق القائم على المشروع تحدث لمراسل "يمن شباب نت"- على فكرة استقبال التبرعات المالية والعينية، وتسليمها لمخابز في المدينة، والذين بدورهم يتكفلون بتوزيعها على مراكز صرف في الحارات بحسب كروت الصرف المعتمدة.
 
وعن آلية تحديد المحتاجين- يوضح عضو الفريق: أن فريق من المتطوعين الباحثين، عمل خلال الفترة الماضية بالتنسيق مع عقال الحارات، على جمع بيانات المحتاجين وتوزيع كروت صرف معتمدة للمخابز المتعاقد معها، بحيث يتم بموجبها الصرف اليومي لبقالات وعقال حارات.
 
واستهدفت المبادرة في المرحلة الأولى، نحو 1200 شخص يومياً، من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والأرامل والأيتام والنازحين، قبل أن تتوسع وتشمل الآلاف. إلا أن المشروع حاليا مهدد بالتوقف نتيجة شحة الموارد المالية التي تعتمد على جمع التبرعات من التجار والمغتربين والميسورين من أبناء المحافظة.


 

مشروع رد الجميل

يهدف هذا المشروع إلى دعم المعلمين كرد للجميل، باعتبارهم الركيزة الأساسية لصناعة جيل المستقبل، وتنشئة المجتمع على العلم والتربية الحسنة. حيث أدت الحرب إلى توقف مرتباتهم، ما أثر على الظروف المعيشية لأكبر شريحة عمالية في البلاد.
 
وعملت "أم أيمن"، وهي معلمة أيضا، على جمع تبرعات شهرية من تجار ومغتربين لشراء مواد غذائية تستهدف شهرياً أكثر من 40 معلم ومعلمة في المحافظة.
 
وتؤكد "أم أيمن" أن التجاوب المجتمعي مع مبادرة رد الجميل للمعلم كبيرة جدا، بما في ذلك التجار الذين وجدت منهم تجاوبا كبيرا جدا لدعم المشروع.
 
كانت المشكلة التي واجهتها في البداية تتعلق بالمعلمين المستهدفين أنفسهم، كما تقول. حيث كانت تواجه إحراجا كبيرا أثناء إيصال معونة لأستاذ أو أستاذة، لكنها مع الأيام استطاعت أن توطن المعلمين المستهدفين على تقبل الأمر وكأنه استحقاق لدى المجتمع.
 
شراكة انسانية مع المطاعم 
 
نجحت مبادرات شبابية في عقد اتفاقيات شراكة مع عدد من المطاعم في المدينة لتوزيع وجبات غذائية على المحتاجين والنازحين في المدينة. والذين بلغ عددهم- بحسب ما حصل عليه "يمن شباب نت"- نحو ألف أسرة تحصل على وجبات طعام يومية عبر كروت معتمدة.
 
وأكد النازح "عبداللطيف" لـ"يمن شباب نت"، أنه يحصل يوميا على وجبة غداء من أحد مطاعم المدينة. وهناك نقاط توزيع في المدينة متفق بشأنها بين المبادرات وتلك المطاعم.
 
وقال "ف. ق."- مدير أحد المطاعم المتكفلة بأكثر من 400 أسرة؛ إن مبادرته تأتي من باب حق المجتمع على رأس المال في المحافظة.
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت": ما نقوم به نعتبره واجب مجتمعي علينا، ونطمح إلى رفع أعداد الأسر المستهدفة وتنويع الوجبات للمستهدفين. وشدد على أن التعاون والبذل لابد أن يكون سائد في الوضع الإنساني الصعب الذي تشهده اليمن.
 
مساعدات طبية
 


يجوب "أبو عبدالله"، وهو شاب متقد بالحيوية وفعل الخير، المستشفيات لمساعدة المرضى المحتاجين. إذ يعمل كوسيط بينهم وبين رجال الخير لقضاء ديونهم. وخلال الفترة الماضية نجح في مساعدة كثير من المرضى.
 
وتطوع ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بالعمل على تسويق حالات مرضية لفاعلي الخير. حيث يقومون بشرح الحالة مع اشفاعها بتقارير المستشفيات لجمع تبرعات (مساعدات) لأولئك المرضى، خصوصا المعوزين من ذوي الحالات المرضية الصعبة.
 
ومع ما تقدمه هذه المبادرات من أعمال إنسانية، إلا أنه يعاب عليها الوقوع في بعض الأخطاء والمحظورات. على رأسها التشهير بالمرضى عبر نشر أسمائهم وصورهم، وأخطاء أخرى مصاحبة لجمع التبرعات...
 
ولتجنب ذلك، يقوم "أبو عبدالله" بعدة خطوات: يمر على حسابات المستشفيات، وبعد التأكد من موظفين موثوقين بشأن صحة المعلومات، يقوم بدفع ديون مستحقة للمستشفى من مرضى، دون علمهم مسبقا؛ بعضهم لايزالون في الرقود، وآخرون قد غادروا المستشفيات منذ فترة كبيرة، قد يكون عليهم رهونات أو ضمانات لتسديد ما تبقى عليهم من حساب للمستشفى.
 
وبهذه الطريقة، يتفادى التشهير بالمرضى. فالعون الإنساني في نظره "يُفضل أن يكون طي الكتمان، الذي يريح صدر المتصدر والمستحق"، كما يقول.
 
حتى البسطاء يبادرون
 
نختتم هذا الزخم الانساني، بهذه المبادرة الاستثنائية النادرة، والتي قام بها عدد من أصحاب الدراجات النارية في منطقة "دار الشرف" بمفرق جبلة.
 
أكثر من عشرين سائق دراجة نارية، اتفقوا على إخراج مبلغ يومي من دخلهم البسيط، وتجمعيه حتى يكفي لشراء سلة غذائية، يتكفل أحدهم بشرائها وإعطاء أسرة مستحقة في الحي. وبحيث تتكرر هذه الخطوة على هذا المنوال باستمرار.
 
الخطوة لاقت إشادة وتقدير كبيرين من أبناء المنطقة، لكونها جاءت من مثل هؤلاء البسطاء، الذين يفترض أنهم ضمن الفئات المستحقة لمثل هذه المساعدات.
وهي مبادرة تستحق الإشادة والتشجيع والدعم من الجميع، وخصوصا رجال الخير. ذلك أنها على بساطتها، إلا أنها تحمل في ثناياها قيمة اجتماعية لا تقدر بثمن، كونها تعكس شعورا وجدانيا نبيلا في التعاضد المجتمعي، حتى من أبسط شرائح المجتمع.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر