تعز.. لماذا انتقلت التوترات والاغتيالات من المدينة إلى الريف؟ (تقرير خاص)

 
بدى مؤخرا؛ وكأن التوترات العسكرية والاغتيالات التي كانت تعاني منها تعز المدينة، قد انتقلت إلى ريفها القريب. حيث شهدت مناطق ريف تعز، وتحديدا جنوب غرب المحافظة، توترات عسكرية خلال الأسابيع الماضية، مع ارتفاع ملحوظ في وتيرة الحوادث الأمنية التي استهدفت قادة عسكريين كبار.
 
وعلى ضوء ذلك، شكل رئيس الجمهورية لجنة رئاسية مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة المدعي العام العسكري ورئيس دائرة القضاء العسكري اللواء الركن عبد الله الحاضري، وصلت تعز أمس الأحد لبدء مهامها في التحقيق حول جملة القضايا العسكرية والأمنية محل الخلاف والتوتر.
 
ففي الشهر الماضي، وصل التوتر بين الوية تابعة للجيش الوطني ذروته، في المنطقة الجنوبية الغربية، على خلفية تحركات عسكرية مريبة، تُتهم قيادات في السلطة المحلية وأخرى عسكرية بالتخطيط لها والوقوف ورائها لأهداف مشبوهة.  والشهر الجاري، تعرض قرابة أربعة قادة كبار في الجيش لمحاولات اغتيال فاشلة، حدثت جميعها في جغرافية المنطقة الريفية ذاتها.
 
وفي السابق، شهدت مدينة تعز، عاصمة المحافظة، عمليات اغتيال واسعة حصدت أكثر من 300 ضابط وجندي من الجيش والأمن، وفقا لعدد من التقارير. قبل أن تنجح حملة أمنية موسعة من مطاردة المشتبه بهم في ارتكاب تلك الجرائم والإخلال بالأمن، وقتل واعتقال عدد منهم، في حين فر أكثرهم خارج المدينة؛ بعضهم غادر المحافظة كليا، والبعض الأخر أستقر في الريف التعزي.  
 
وهو الأمر الذي أعتبره مراقبون أحد الأسباب الرئيسية التي يعزى إليها خفوت عمليات الاغتيال في المدينة الرئيسية من جهة، وظهورها مؤخرا في الريف من جهة أخرى. حيث انتقلت إليه بعض العناصر المسلحة التي تصفها السلطات الأمنية بـ"الخارجة عن القانون"، مستغلة ضعف نفوذ سلطات الجيش والأمن في المنطقة، واحتماء بعض المشتبه بهم بملاذات آمنة تحت غطاء الانتماء إلى أحد الألوية العسكرية هناك.  
 

حوادث الاغتيال وطبيعتها
 


وفي هذا السياق، أوضحت مصادر أمنية لـ"يمن شباب نت"، أن موكب رئيس أركان محور تعز العميد عبد العزيز المجيدي، ومعه قائد الشرطة العسكرية بالمحافظة العميد جمال الشميري، تعرض الأربعاء الماضي: 21 نوفمبر/ تشرين ثاني، لكمين مسلح في نقطة أمنية غير رسمية أستحدثها أفراد يتبعون القيادي "عادل العزي"، في منطقة البيرين بالنشمة، جنوب غرب المحافظة.
 
و"العزي"، هو نائب قائد كتائب "أبو العباس"، ومطلوب في عدد من القضايا الأمنية والجنائية، والتي بسببها يعتقد أنه فر مع عدد من أفراده إلى ريف تعز الجنوبي الغربي.
 
وسبق هذه العملية بثلاثة أيام، حادثة وصفت أنها "محاولة اغتيال فاشلة"، استهدفت قائد اللواء 17 مشاة العميد الركن عبد الرحمن الشمساني، في نقطة تابعة للواء 35 مدرع، بمنطقة النشمة، بريف مدينة تعز. كما سبقتها أيضا، بأسابيع، حادثة استهدفت قائد اللواء 35 العميد عدنان الحمادي.
 
وجاءت جميع تلك الحوادث، في ظل توتر عسكري متصاعد في المنطقة بين الوية تابعة للجيش الوطني، ترافقت مع تحركات مريبة، شملت تجنيد شباب خارج أطر الجيش وتوزيع السلاح لهم وحفر خنادق ومحاولة فرض حصار على مقار بعض الألوية واستحداث نقاط أمنية ومواقع جديدة...
 
ومع أن كل تلك الحوادث التي طالت القادة العسكريين الأربعة، وصفت في بيانات صحفية على أنها "محاولات اغتيال"، إلا أن الناطق الرسمي لمحور تعز العقيد عبد الباسط البحر، ينفي أن تكون جميعها عمليات- أو محاولات- اغتيال.
 
وأعتبر، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن بعض تلك الحوادث "جنائية"، وقد ترجع أسبابها لخلافات شخصية، وحوادث أخرى عرضية، مضيفا "وهناك أسباب أخرى كثيرة، بعضها قد تكون أسباب مادية بغرض استحداث نقاط أمنية هدفها الابتزاز للمسافرين والتجار، أو للقيام بعملية تهريب للمشتقات النفطية وغيرها". مع تأكيده على "وجود بعض الحوادث المدبرة على هيئة كمائن مسلحة من قبل الخارجين عن النظام والقانون". حسب وصفه.
 
ويتفق معه المحلل السياسي عبد الهادي العزعزي، بخصوص توصيف تلك الحوادث على أنها "ليست اغتيالات بشكل رئيسي، بقدر ماهي أحداث واعتراضات مسلحة"،...، الهدف منها كما يقول هو "القتل المباشر، وليس الاغتيال".
 
ويصف العزعزي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، تلك الأعمال بأنها "نوع من استعراض القوة للحفاظ على مصالح اقتصادية أو مقابل حماية منطقة نفوذ ومصالح مرتبطة بها"، أو "بهدف إعادة بناء تحالفات ضمن مسلسل إعادة توزيع القوة الخشنة في الرقعة الجغرافية لتعز". وفقا للعزعزي الذي يشير أيضا إلى أنها "تحدث في مناطق تحسس الامتداد لكل قوة وجماعة، وكل جماعة تختبر القوة لدى جيرانها، ومدى استعدادها لاستعراض جاهزية القوة".
 
وعلى طريقة التلميح نفسها التي أعتمدها العزعزي في فقرتيه الأخيرتين، يتحدث العقيد البحر عن سبب أخر يعود إلى "رغبة بعض الجهات (لم يسمها)، تريد فرض سيناريوهات معينة أسوة ببقية المحافظات المحررة". في إشارة إلى ما تعرف بالأحزمة الأمنية وقوات النخبة في المحافظات الجنوبية. والتي يقول البحر إنها "سيناريوهات مشبوهة" تلقى رفضا واسعا من قبل أبناء تعز.
 
نتائج مثمرة.. ولكن
 
عقب حادثة تعرض موكب قائد اللواء 17 مشاة للاستهداف، عقد اجتماع عاجل ضم قائد اللواء العميد الشمساني، مع قائد اللواء 35 مدرع العميد الحمادي، وقائد قوات الأمن الخاصة العميد ركن جميل عقلان، بحضور وكيل المحافظة محمد عبد العزيز الصنوي.
 


 وأقر الاجتماع تشكيل لجنة مشتركة من اللوائيين 35، و 17، إلى جانب الأمن الخاص، لمتابعة استكمال التحقيق ومعاقبة الجنود المتورطين في الحادثة، وفق القوانين العسكرية.
 
كما أثمر الاجتماع، من جهة أخرى، عن موافقة قيادة اللواء 35، على إعادة العمل بما عرف سابقا بـ"اتفاق الخيامي". وهو الاتفاق الذي تم توقيعه في منطقة الخيامي في الرابع من الشهر الجاري من قبل كل من: رئيس اللجنة الأمنية وقيادة المحور وقادة الألوية العسكرية المعنية ووكيل المحافظة للدفاع والأمن. لكن الحمادي تنصل من تنفيذه لاحقا.
 
ويقضي "اتفاق الخيامي" الأمني، والذي أبرم بهدف إنهاء التوتر العسكري المسيطر على المنطقة بين الوية الجيش، برفع جميع النقاط المستحدثة على امتداد خط تعز – التربة، وتبقى فقط النقاط المقرة من قبل اللجنة الأمنية وعددها 17 نقطة، وتسليمها إلى قوات الأمن الخاص، بعد انسحاب كلا من اللواء 35 مدرع واللواء الرابع مشاة جبلي منها، والتوجه إلى الجبهات.
 
ومع ذلك، إلا أن مصادر محلية موثوقة ابلغت "يمن شباب نت"، أن اتفاقية إزالة النقاط الأمنية المستحدثة لم يتم العمل بها حتى الأن، مؤكدة بقاء واستمرار تلك النقاط في مواقعها حتى اليوم.
 
وتعليقا على ذلك، أكد الناطق باسم محور تعز، العقيد البحر، لـ"يمن شباب نت"، على أن "هناك توجيهات وأوامر صارمة للألوية العسكرية برفع النقاط المستحدثة، بحيث يعمل كل لواء في نطاق اختصاصه ومهامه"، مذكرا بهذا الصدد قادة الألوية بالتزاماتهم الموقعة "برفع النقاط، وضبط أفرادهم وإحالتهم إلى التحقيق".
 
ردود فعل.. ولجنة رئاسية
 
وأثارت تلك الحوادث ردود فعل غاضبة من قبل السلطات الأمنية والعسكرية في المحافظة إلى جانب مكونات سياسية.
 
والأحد قبل الماضي عقدت اللجنة الأمنية بمحافظة تعز اجتماعا، شددت فيه على ضرورة إزالة جميع النقاط المستحدثة والمخالفة للاتفاق والاجراءات الأمنية والرئاسية وتثبيت النقاط الرسمية التي حددتها اللجنة في اجتماعاتها السابقة.
 
 وتوعدت، ضمن بيانها الصادر عن الاجتماع، بـ"ردع كل من يؤجج القضايا، ويحاول العمل على إحداث شرخ في المؤسسة العسكرية والشرعية أو التحريض ضدهما أو يحاول اثارة ونشر الفوضى والعنف"..
 
كما أدانت أحزاب التحالف السياسي بمحافظة تعز، في اجتماع لها الاثنين الماضي، كل الأحداث "المؤسفة"، "التي تحاول النيل من قيادات الجيش الوطني والمؤسسة العسكرية بالمحافظة وما تعرض له قادة الألوية من محاولات اغتيال".
 
وشددت الأحزاب، ضمن بيانها الصادر عن الاجتماع، على ضرورة توحيد الجبهة الداخلية، وترسيخ الحالة الأمنية، ودعت الجميع الى تغليب المصلحة العامة والاحتشاد نحو استكمال التحرير، في الوقت الذي طالبت فيه الجهات المعنية بسرعه التحقيق بتلك الأعمال الإجرامية وسرعة ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة والتوضيح للرأي العام عن نتائج التحقيقات.
 


ومع استمرار الخلافات والتوترات وعدم تنفيذ الاتفاقات مع تزايد الحوادث الأمنية ضد قادة رفيعين في الجيش، شكل رئيس الجمهورية لجنة رئاسية جديدة مكونة من خمسة أعضاء برئاسة المدعي العام العسكري ورئيس دائرة القضاء العسكري اللواء الركن عبد الله الحاضري. والتي وصلت أمس الأحد إلى تعز، للتحقيق في كافة القضايا العسكرية والأمنية محل الخلاف والتوتر بين الوية الجيش. بما في ذلك التحقيق في الأحداث الأخيرة التي استهدفت قيادات عسكرية في خط تعز – التربة.
 

[للمزيد أطلع على: لجنة رئاسية تصل "مدينة تعز" للتحقيق في قضايا عسكرية وأمنية]

 
تحديات ومعالجات
 
كان الناطق الرسمي لمحور تعز، أشار في فقرة سابقة، أعلاه، إلى تورط ما يسميهم بالخارجين عن النظام والقانون في نصب كمائن مسلحة. وحين سألناه عن هوية هؤلاء وتبعيتهم، أو الغطاء الذي يعملون تحته، لاسيما وأن هناك معلومات تشير إلى تبعيتهم لأحد الألوية العسكرية المعروفة في المنطقة، قال إن "بعضهم لا يوجد لهم أي غطاء معين، ويتبعون فصائل معينة".
 
وأستدرك: "وبعضهم، نظريا، يزعمون أنهم تابعون للجيش الوطني، لكن عملياً هم خارج إطار الجيش والشرعية".
 
أما المحلل السياسي، العزعزي، فقد أشار إلى أن هناك "نقاط معروفة، مارست بنطاق تمركزها وسيطرتها وتبعيتها الإدارية والنظامية، تابعة للواء عسكري معروف، وهو لواء ينتشر في هذه المناطق التي جرى فيها اعتراض قائد اللواء 17 مشاه، وهو ينتشر الى جوارهم تماما".
 
وعليه، فقد اعتبر أن تلك الحوادث بمثابة "تحدٍ لألوية الجيش الوطني في تعز". لذلك، فإن الحل الأول لهذه الإشكاليات، يتمثل في نظره "بإعادة ضبط العلاقات بين مكونات الجيش أولاً، وتحديد العلاقة بين الجيش والامن إلى جانب تقييد الجيش بالقانون العسكري وتفعيل الشرطة العسكرية والقضاء وتنفيذ احكامه".
 
كما يشدد على ضرورة "محاسبة قيادات الوحدات العسكرية عن سلوك أفرادها حتى يتم محاكمة الفرد العسكري عن جريمة رفع السلاح ضد رُتبه أعلى منه، أو ضد ضابط بحيث تصبح الاحكام باتة ونهائية وسريعة جدا". وأكد على أن تنفيذ تلك الإجراءات العسكرية ستحد من ارتكاب حماقة أخرى خصوصاً إذا امتد الحكم إلى القائد المباشر وقائد الوحدة العسكرية واللواء".
 
ويعتقد العزعزي، أن تكرار تلك الحوادث دون القيام بأي إجراءات صارمة "تجعل تعز أمام حالة أمراء (حرب)، وقادة عصابات، وليس جيشا. وهذا امر مختلف. أو اننا أمام جيش منفلت، وهذا يعني بداية إغراق تعز في حرب اهلية لا تبقي ولا تذر".
 
أما العقيد البحر، فيحذر من جهته من أن تلك الأعمال الخارجة عن القانون "تهديد شريان تعز الوحيد" (خط: تعز-التربة-عدن)، لافتا إلى أن تهديد هذا الشريان الوحيد الذي تتنفس منه تعز "يمثل معركة مصير ووجود لتعز".
 
 ولذا- يضيف: "سيكون التعامل معهم كمليشيات"، على اعتبار أن أي تشكيل خارج إطار الجيش الوطني والشرعية هو "مليشيات، بموجب الدستور والقانون".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر