هل ينجح غريفيث في إتمام صفقة "ميناء الحديدة" وإيقاف المواجهات تمهيدا للمفاوضات؟

[ مدينة الحديدة الساحلية- غرب اليمن ]

 زار المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، الجمعة، ميناء الحديدة- غرب اليمن، في أول زيارة له للميناء الواقع تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، التي يبدو أنها رضخت مؤخرا لتسليمه إلى الأمم المتحدة لإدارته، بعد خساراتها العسكرية المتلاحقة في المحافظة الساحلية خلال الشهر الماضي، واقتراب المعارك من الميناء.
 
وتأتي هذه الزيارة بعد أسبوع من تقديمه آخر إحاطة له إلى مجلس الأمن الدولي في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. والتي ذكّر فيها المجلس بإحرازه "بعض التقدم خلال الصيف للتوصل إلى اتفاق تفاوضي حول ميناء الحديدة، يقضي بدور للأمم المتحدة في الإشراف عليه". ووعد بزيارة الحديدة في ظرف أسبوع "لإعادة طرح الدور الذي يمكن للأمم المتحدة أن تقوم به بشأن الميناء..".
 
وكان المبعوث وصل صنعاء الأربعاء الماضي والتقى بقيادة جماعة الحوثي. وقال في بيان صدر عنه خلال زيارته ميناء الحديدة، إن لقاءاته في صنعاء انتهت إلى اتفاق على أن "الأمم المتحدة يجب أن تنخرط الان وبشكل عاجل في مفاوضات تفصيلية مع الأطراف للقيام بدور رئيسي في ميناء الحديدة، وأيضا على نطاق أوسع".  
 
وبالتزامن، أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ريال لوبلون، الجمعة، استعداد المنظمة الأممية للعب دور إشرافي في إدارة ميناء الحديدة. وفقا لتصريحات صحفية.
 
سياقات الرفض والقبول
 
رفض الحوثيون في أوقات سابقة عروضا تقضي بتسليم ميناء الحديدة، لتجنيب المحافظة الحرب. كما رفضت الأمم المتحدة نفسها، عرضا سابقا من التحالف العربي، مطلع العام الماضي (2017)، بالإشراف على الميناء، في عهد المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، الذي تركزت معظم جهوده خلال عامه الأخير، على تفصيل مبادرة بشأن محافظة الحديدة ومينائها، كجزء من خطة تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي ينهي الحرب في البلاد، ويحسن وضعها الاقتصادي.
 
ومن بعده، جاء المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث، الذي تولى المهمة في نهاية فبراير/ شباط الماضي، ليواصل جهود سلفه في هذا الجانب. وتزامنت تحركاته مع مواصلة الجيش اليمني تقدمه، بإسناد التحالف العربي، في المعارك على الساحل الغربي.
 
وفي نهاية مايو/ أيار الماضي، خلص المبعوث الجديد إلى تقديم مبادرة جديدة تقضي بتسليم الميناء إلى إشراف الأمم المتحدة، وفق إجراءات معينة. لكنها لم تلقى استجابة واضحة من قبل الحوثيين، في حين رحبت بها الحكومة الشرعية مع إضفاء بعض التعديلات القائمة على أساس المرجعيات الثلاث الرئيسية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة).
 
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، الماضي، عاودت المعارك اشتدادها مجددا على أطراف مدينة الحديدة. وخلال فترة الشهر والنصف الماضية أحرزت قوات الجيش اليمني بمساعدة التحالف تقدما كبيرا على كافة الجبهات ووصلت إلى وسط المدينة، حتى قيل إنه لم يعد بينها وبين الميناء سوى بضعة كيلو مترات. الأمر الذي استدعى المجتمع الدولي- بحسب مراقبين- إلى ممارسة الضغط مجددا على التحالف لإيقاف المعارك، في مقابل قبول الحوثيون مجددا بتسليم الميناء إلى الأمم المتحدة.

تسليم "التفافي" يعقد الحل
 
وذهب الكاتب الصحفي توفيق السامعي إلى أن قبول الحوثيون اليوم بهذه الصفقة يأتي بسبب شعورهم بدنوا الهزيمة. وشكك بتحركات الأمم المتحدة لمسارعتها إلى انقاذهم دائما في اللحظات الأخيرة.
 
وقال لـ"يمن شباب نت" إن هزائم المليشيات الحوثية في الحديدة وتكبدهم الخسائر الكبيرة فيها، هو الذي دفعهم للموافقة على تسليم الميناء للأمم المتحدة وليس للشرعية.
 
وأضاف: إنهم يدركون أن البديل هو التحرير بعملية عسكرية واسعة للقوات المشتركة. وبالتالي فإن أهون الأمرين هو التسليم للأمم المتحدة كونها متعاطفة معهم. كما يقول. وبالتالي فأن تسليم الميناء للأمم المتحدة "معناه الإبقاء عليه في يد المليشيا، لا أكثر؛ لأن المشروع الحوثي يتم رعايته من قبل الأمم المتحدة التي تبادر دائماً لإنقاذ هذه المليشيا كلما تأزم الوضع عليهم عسكرياً".
 
وتوصف خطوة الأمم المتحدة الإشرافية، بـ"سلطة/حكومة ثالثة" في اليمن، سيتم عبرها إدارة الميناء. في ظل وجود حديث عن توحيد مصب الإيرادات إلى البنك المركزي الذي يفترض أن يخضع للحياد. في محاولة لإعادة إنعاش اقتصاد البلاد المنهار، وتسليم رواتب قرابة مليون ومائتين موظف حكومي.
 
ويعتقد الإعلامي عبدالله دوبلة، أن الحوثيين ربما وافقوا على تسليم الميناء، لأنهم يعلمون أن وجود الأمم المتحدة سيكون فقط إشرافيا، بينما السيادة تظل لهم وكذلك الموارد سيتم تسليمها لهم، وهو الأمر الذي سترفضه الشرعية، ولن يكون بالاتفاق السهل.
 
وأنتقد، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، تحركات المبعوث الأممي في هذا الجانب. فالأمم المتحدة، كما يقول: "ليست ذات صفة لتتفق مع الحوثيين بشأن الميناء، بينما السيادة كاملة للحكومة عليه والمحافظة بأكملها، ولا صفة لتلك المنظمة الدولية لتنجز أي اتفاق مع الجماعة نيابة عن الشعب والشرعية".
 
وقال إن الوسيط الأممي غريفيث، "لم يعد وسيطا، ويُبدي انحيازا واضحا" في تحركاته.
 

الحكومة الطرف الأقوى
 
ويسعى المبعوث الأممي- مستندا إلى دعوات الدول الغربية الكبرى ومنظمات أممية فاعلة- أولا إلى وقف المعارك بالمحافظة بشكل فوري، كخطوة تمهيدية عاجلة وضرورية في إطار بناء الثقة، قبل الدخول في نقاش تفصيلي لكيفية تسليم الميناء، والذي سيكون على رأس المفاوضات التي دعا إليها المبعوث نهاية الشهر، أو مطلع الشهر المقبل، في دولة السويد.   
 
وبحسب الصحفي السامعي، فإن ذلك سينعكس سلباً على العمليات العسكرية وعلى الحديدة بشكل عام، التي ستبقى مقسمة بين الشرعية والمليشيات، وتكريس واقع الانقسام عبر الاتفاقات المقبلة، مما يقيد العمل العسكري ضد المليشيا وعدم تحرير بقية المدينة.
 
وحذر السامعي من خطورة ذلك التوجه، كون الشرعية واليمنيون والتحالف، سيتجرعون كؤوس المرارة مستقبلا إن لم يتم تحرير المدينة اليوم بشكل كامل، لافتا إلى أن معاناة الشعب هو نتيجة التباطؤ في التحرير الكامل.
 
ويبدو أن الحكومة اليمنية الشرعية لديها تحفظات على هذه المبادرة الجديدة، التي لم تعلن تفاصيلها بعد. حيث طالبت الحكومة فيما سبق بضرورة أن يتزامن تسليم الميناء مع انسحاب ميليشيات الحوثي من بقية الأجزاء التي تسيطر عليها في المدينة والمحافظة. وفقا للتعديلات التي أجرتها الحكومة على مبادرة المبعوث الأممي المقدمة في 31 مايو الماضي بخصوص تسليم الميناء لإشراف أممي.
 
وتعتبر الحكومة في تعديلاتها، أن المبادرة يجب أن تكون حزمة متكاملة "تقوم في الأساس على مبدأ الانسحاب الكامل للحوثيين من ميناء ومدينة الحديدة ودخول قوات من وزارة الداخلية الى المنطقة لضمان الامن فيها واستمرار الاعمال الاغاثية والتجارية الجارية في ميناء الحديدة وحماية المنشآت المدنية والسكان المدنيين وكمدخل لتطبيق القرار 2216 بالانسحاب وتسليم السلاح".
 
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية (سبأ)، في 27 يونيو/ حزيران، عن وزير الخارجية خالد اليماني قوله: "لا يمكن تصور إدارة الميناء وتوفير الأمن فيه بمعزل عن مدينة الحديدة. بل لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل الغربي وحماية الملاحة الدولية دون مغادرة كافة المليشيات الحوثية للمحافظة كاملة بما في ذلك خروجها من مينائي الصليف ورأس عيسى ومؤسسات الدولة".
 
وحاليا، لم يبدر من الحكومة حتى الأن أية تصريحات رسمية على تصريحات المبعوث الأممي الأخيرة (الجمعة)، الذي توجه أمس السبت إلى الرياض لإجراء لقاءات مع الجانب الحكومي والتحالف بهذا الخصوص.  
 
واستبق نائب رئيس البلاد، علي محسن الأحمر، هذه اللقاءات، بتصريحات شدد فيها على ضرورة أن تستند أي خيارات للسلام الدائم "على المرجعيات الثلاث، وبما يؤدي إلى استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب". وفقا لما أوردته وكالة (سبأ) الرسمية من لقاءه بوزير الخارجية اليمني خالد اليماني، ولقاءه بمستشاري رئيس الجمهورية، في لقاءين منفصلين أمس السبت.
 
كما دعت تصريحات غريفيث، يوم الجمعة، وزير الإعلام اليمني، معمر الأرياني، إلى تجديد مطالب الحكومة في تغريده له على صفحته الخاصة بـ"تويتر"، قال فيها إنه "لا يمكن القبول بأي صيغة لإدارة الميناء لا تضمن عودتها للسلطة الشرعية". وأن الأمر ذات "ينطبق على بقاء المليشيا الحوثية الايرانية في المدينة".
 
ولفت إلى أنه قد تم التأكيد في أكثر من مناسبة، على الترحيب بالسلام "على قاعدة المرجعيات الثلاث".
 
وعلى ضوء ذلك، ينظر البعض إلى صعوبة مهمة المبعوث الأممي لإحداث اختراق سريع وعاجل في هذه المسألة، كما كان ينشد. وبالتالي ترجيح إرجائها إلى طاولة المفاوضات المزمعة نهاية الشهر- أو مطلع الشهر القادم- في السويد.
 
في هذه الأثناء، قد تحسم معركة الميناء والحديدة برمتها عسكريا، إذا ما قررت قوات الجيش اليمني ذلك دون الالتفات إلى الضغوط الدولية التي من المرجح أن تتصاعد إذا تواصلت المعارك.  
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر