إلى المفاوضات مرة أخرى: أجندات متعارضة، ونهاية معلومة (تحليل خاص)

[ المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث في مطار صنعاء الدولي (أ ف ب) ]

خطوات متسارعة لاستئناف مفاوضات السلام اليمنية، بين السلطة الشرعية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، يقودها مجددا البريطاني "مارتن غريفيث"، ثاني مبعوث أممي إلى اليمن، بعد الموريتاني "إسماعيل ولد الشيخ"، الذي تسلم مهامه عقب تدخل التحالف العربي في اليمن، في مارس/ آذار 2015، وثالث مبعوث أممي على مستوى الأزمة الممتدة منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011؛ حيث تولى ملف التسوية حينذاك الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر.
 
يثابر "غريفيث"، منذ الوهلة الأولى لتسلمه المهمة في فبراير/ شباط 2018، وبدعم من بلاده، المملكة المتحدة، في دفع فرقاء الحرب إلى هذه المفاوضات، التي من المقرر أن تجرى في السويد، خلال ديسمبر/ كانون الأول القادم.

وذلك بعد إخفاق محاولته الأولى في جمع الطرفين على طاولة المفاوضات بجنيف في سبتمبر/ أيلول الماضي، واقترابه من إتمام عام كامل على توليه هذه المهمة، دون تحقيق أي تقدم يحسب له. ومن المتوقع، كذلك، أن يزور صنعاء هذا الأسبوع للغرض ذاته، والتهيئة للمفاوضات بتهدئة جبهات القتال ومنع إطلاق المزيد من الصواريخ الحوثية.
 
ما الذي دفع إلى هذا التحول؟

عقب إخفاقه في إقناع الحوثيين على التفاوض مع نظرائهم، الذين سبقوهم إلى جنيف، في سبتمبر/ أيلول الماضي، اعترف غريفيث، قائلا: " بكل بساطة، لم ننجح في ذلك". لكن تمتع الرجل بالخبرة الكبيرة في تهدئة الأجواء المشحونة، ودفع المواقف المتصلبة إلى التفكك، مكنه من استغلال بعض مطالب الطرفين المتبادلة، ومطالب دول إقليمية، والمقايضة بها لدى مختلف هذه الأطراف، وتقريبها من طاولة التفاوض.

في العادة، يذعن المتفاوضون حين تصل المواجهة المسلحة بينهم إلى طريق مسدود، وهذا ما يلحظ على طرفي الحرب، إلا أن ثمة تحولات أخيرة بارزة ساهمت في ذلك، وكان للرجل دور فيها. ومنها: الإفراج عن أبناء الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، والسماح بإخراج عدد من الجرحى البارزين، الذين يعتقد بأنهم من عناصر الصف الأول والثاني في الحركة الحوثية، مع ما حصل عليه الحوثيون من فديات كبيرة مقابل ذلك، وتسلمهم معدات ولوازم طبية وأدوية ذات مواصفات خاصة، لا يمكن الحصول عليها، بسهولة، في ظروف الحصار المفروض حاليا. 

تزامنت هذه التحولات مع تحولات أخرى عنيفة في صفوف التحالف، مثل: مقتل الصحافي السعودي،جمال خاشقجي، الذي هز بقوة، ولا يزال كذلك، كيان الأسرة الحاكمة بالمملكة السعودية، التي تعد المحرك الأبرز للحرب الدائرة في اليمن.

فعلى إثر هذا الحدث، واتهام أشخاص بارزين في الأسرة الحاكمة بالضلوع في ذلك، تغيرت اللهجة الدبلوماسية لبعض الحكومات الغربية، ومن ذلك: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وبدت التصريحات والزيارات المتعددة لمسئوليها إلى الرياض وأبوظبي، تشكل ضغطا آخر لاتخاذ مواقف أكثر مرونة مع الحوثيين، ليس حبا فيهم، بل بما يمثله ذلك من عامل ابتزاز سياسي آني، وغاية مستقبلية تستدعي الإبقاء عليهم.

مع اشتداد الضغط الدولي على السعودية في ما يخص مقتل خاشقجي، وجد التحالف نفسه أمام ورقة مربحة يمكن أن تخفف من هذا الضغط؛ ولذلك اشتعلت المواجهات المسلحة، من جديد، على أبواب مدينة الحديدة، وفي مختلف الجبهات.

وعلى نحو مماثل مارست الدول الغربية، إياها، دورا أشد وطأة، للتخفيف من شدة الخناق على الحوثيين، والدفع بالمبعوث الأممي إلى التحرك، بشكل مريح، في اتجاه جمع أطراف الحرب حول طاولة المفاوضات، رغم إدراكها بأن السلام لن يكون في متناول يد الجميع، ما دامت التدخلات قائمة، وأطراف الحرب الداخليين ليسوا سوى متغيرات تابعة لمتغيرات مستقلة.

دور بريطاني متصاعد مع تناغم أمريكي

في يناير/ كانون الثاني 2018، قدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن مشروع قرار لما من شأنه وقف الحرب الدائرة في اليمن، وبما يعزز من مساعي الحل السلمي للأزمة، على حد ما يثيره سياسيوها.

وعلى هذا النحو طرحت في 19 من هذا الشهر، نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مشروع قرار آخر، دعت فيه فرقاء الحرب إلى وقف الأنشطة العدائية بمدينة الحديّدة المشاطئة للبحر الأحمر، وفي جميع الجبهات، والامتناع عن استهداف المناطق الآهلة بالسكان، مع وقف مماثل لهجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة، التي يستهدفون بها مدن المملكة السعودية، وسفن التحالف في البحر الأحمر، علاوة على الدعوة إلى تسهيل العمليات الإغاثية، بغية تدفق المساعدات الغذائية، والأدوية، والوقود، علاوة على تنفيذ إجراءات أخرى، خلال أسبوعين من دخول القرار حيز النفاذ.

حتى الآن، لم يصوت على مشروع القرار، مع ملاحظة ما وجه إليه البعض من نقد وتحفظ، ومن ذلك مندوب الكويت في مجلس الأمن، الذي أشار إلى تجاهل مشروع القرار، قرار مجلس الأمن رقم 2201 لعام 2015.

وكان هذا القرار قد أدان انقلاب الحوثيين واستيلائهم على السلطة بطريقة غير مشروعة، وطالبهم، دون قيد أو شرط، بسحب قواتهم من المؤسسات الحكومية، وإعادتها إلى السلطة الشرعية، والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب، تشكل تقويضا للانتقال السياسي الآمن، وغير ذلك من الإلزامات، التي لم تنفذ حتى اليوم، كالالتزام بالمبادرة الخليجية وآلتها التنفيذية، واتفاق السلم والشراكة، الذي فرضه الحوثيون بالقوة على الرئيس هادي، بعد اجتياحهم العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014،ة وإطلاق سراح المعتقلين، الذين من بينهم شقيق الرئيس هادي، ووزير دفاعه، وكثير من القادة العسكريين والسياسيين.

في ذات السياق، دعا وزير خارجية بريطانيا "جيريمي هانت"، إلى اتباع ما أسماه "وسائل جديدة" لحل الأزمة اليمنية، مركزا على الحل السلمي، ومؤكدا على ذلك في لقاءاته، التي أجراها مع نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن الأحمر، وبعض قادة دول كل من السعودية والإمارات.

وفي كثير من اللقاءات التي يجريها السفير البريطاني مع مسئولي الحكومة الشرعية، عادة ما يشدد على موقف بلاده من إنجاح مهمة مارتين غريفيث في تحقيق السلام، والتأكيد على دعم الحكومة الشرعية، وهو أمر لا يستقيم مطلقا مع تمكين الحوثيين من التمسك بالسلطة وتعزيز موقفهم سياسيا وعسكريا، والرهان على المفاوضات، التي يجدونها طريقا مطاطيا لإرهاق خصومهم.

تصريحات مماثلة أدلى بها، قبل شهر، وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس"؛ حيث دعا إلى إنهاء الحرب خلال 30 يوما، مبديا ثقته بأن السعودية والإمارات لديهما الاستعداد لذلك، من خلال انتهاج السبل السياسية الكفيلة بتحقيق السلام، حد وصفه.

وليس هذا التناغم إلا انتهاج مشترك بين واشنطن ولندن، في سياق المصالح المشتركة، التي يعزز من استمرارها في المنطقة، وجود كيانات سياسية متنافرة، وهذا ما سعت إليه كل منهما في دعم الحوثيين منذ نشوء حركتهم بصعدة وتمردهم على السلطة الحاكمة عام 2004، وليس أدل على ذلك من منع الحكومة اليمنية من استخدام أي سلاح أمريكي ضد الحوثين أثناء ذلك التمرد، وتواطؤهما معهم أثناء تمددهم باتجاه العاصمة صنعاء عام 2014، من خلال نشاط سفيرة بريطانيا والسفير الأمريكي آنذاك.
 
هل ستثمر المفاوضات استعادة الدولة؟

مع ما أثاره المبعوث الأممي "مارتن غريفيث"، حول قبول طرفي الحرب في اليمن، الدخول في المفاوضات الشهر القادم، يمكن أن نسأل السؤال التالي: هل ستثمر هذه المفاوضات استعادة الدولة، أم تبقي على الحوثيين كسلطة أمر واقع، وتلاشي ما يسمى الشرعية مع مرور الوقت؟

في كل الأحوال، تصر الحكومة الشرعية على أن المفاوضات يجب أن تقوم على المرجعيات الثلاث، المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتائج الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن بشأن الأزمة اليمنية.

فيما الحوثيون لا يلقون بالاً إلى مثل هذا الطرح، رغم أن وزير خارجية الحكومة الشرعية، خالد اليماني، بدا أكثر وضوحا ومرونة قبل أشهر؛ حيث كشف عن قبول حكومته التفاوض مع الحوثيين بوصفهم شركاء في السلطة مستقبلا؛ ما يعني أنهم لن يقصوا منها، ولن يسمح لهم، كذلك، الاستفراد بها.

لكن إزاء هذا الموقف، يعي الحوثيون أن قرار السلطة الشرعية مرتهن؛ لأنها لا تملك مساحة سياسية كافية تتحرك فيها، مثلما أنها لا تملك مساحة كافية على الأرض، تدير شئون مناطق سيطرتها منها؛ ذلك أن التحالف يهيمن على القرار والأرض.

ومن هنا يراهنون على الصمود والنفس الطويل؛ ولذلك ستظل استراتيجية هذا النفس في تحوم حول مفاوضات لا منتهية، والوصول إلى طرق مسدودة، وهو الخيار الأمثل للحوثيين، للتعامل مع سلطة الرئيس هادي، إلى أن تحدث أي تحولات أخرى داخلية أو خارجية، تعزز من هذه الاستراتيجية.

الحقيقة أن إطالة أمد المفاوضات والالتفاف على نتائجها، استراتيجية حوثية مجربة، وسر من أسرار قوة الحوثيين؛ حيث مكنتهم، مرارا وتكرارا، من تحقيق الكثير من المكاسب، منذ أن كانوا مجرد عصابة متمردة على النظام الشرعي، بين عامي 2004- 2010، وحتى اجتياح صنعاء، وإبرامهم، عام 2014، ما سمي "اتفاق السلم والشراكة" مع الرئيس هادي وبعض التنظيمات السياسية.

هذه المفاوضات، إن لم يكن وراءها عصاً غليظة، فستخلف آثارا نفسية محبطة لدى مقاتلي السلطة الشرعية، وسيفقدون الثقة في رجالها، الذين يسقطون في الخديعة المرة تلو الأخرى. وهنا، ليس أمام هذه السلطة سوى البدء، سريعا، بالتحرر من هيمنة التحالف، ودون خسارته كذلك، أو انتظار الإطاحة بها، من أي مصدر.


*محلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية
 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2018  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر