"مدندن" فنان تشكيلي منح أشجار "حضرموت" جمالا وأحال شوارعها إلى لوحة فنية (تقرير خاص)

[ الفنان التشكيلي "طالب مدندن"- سيئون عاصمة وادي حضرموت/ يمن شباب نت- خاص ]

  
ما أن يفد الزائر إلى مدينة سيئون-عاصمة وادي حضرموت، شرق اليمن، حتى تسلب أنظاره أشجارها المتراصة في معظم شوارعها الرئيسية الكبيرة، وقد تحولت إلى لوحات فنية إبداعية جميلة تنطق بالحياة والحركة والعبارات المنقوشة على أوراقها وأغصانها بهيئات وأشكال مختلفة.
 
أول ما يتبادر إلى ذهن النظارة، أن تلك اللمسات الفنية الآسرة للألباب، لا بد وأن تكون من عمل فريق فني مبدع ومتكامل. إلا أن السر الحقيقي في كل ذلك الجمال الفني الخلاب، يعود بدرجة رئيسية إلى عقلية وذائقة وموهبة فنان تشكيلي شاب، اسمه "طالب أحمد مدندن".
 


بروفايل فني
 
الفنان التشكيلي "مدندن"؛ من مواليد 1987م، مدينة سيئون- عاصمة وادي حضرموت. يتمتع بموهبة إبداعية عالية في رسم وتنسيق ونقش وتشكيل أشجار الزينة المنتصبة في الشوارع والجولات والحدائق العامة.
 
وذلك هو ميدانه الذي يبرع فيه، فيحيلها من مجرد كومة أشجار عادية، إلى لوحات جمالية تنضح بالحياة؛ فيجعل بعضها تتحدث وتنطق بالكلمات؛ بينما يمنح أخرى أشكالا جمالية مختلفة، مستقاة من الحياة والطبيعة والخيال الفني.
 
اشتهر الفنان "مدندن" بعمله الفني الجمالي المتقن، والجذاب. فقد جمعت موهبته كل ما يمنح الفنانين المبدعين والاستثنائيين من شهرة واسعة، جعلت من أعماله الفنية، آسرة وجاذبة.
 
وأكتسب "مدندن"، شهرته الواسعة في المدينة وخارجها، بما يتميز به- بداية- من أفكار فنية مبدعة، قبل أن يضفي عليها لمساته الفنية المتناسقة والرائعة. فهو غالبا ما يأخذ أفكاره ومفرداته، التي يريد تشكيلها، من المحيط الذي يعيشه، ووفق نهجه الخاص.

أنه- كما يؤكد لـ"يمن شباب نت": يلتمس الأفكار من الواقع المعيشي عبر الجمادات، ويتم تطبيقها بأشكال متعددة ومختلفة في أغصان الأشجار، التي تزين المكان فيما بعد. ما يجعل من الناظر إليها منبهراً بجمالها وروعتها.
 
 وهو، على ذلك النحو المبدع: يستخدم خياله وحسه الفني، قبل أن يشكل- بأدواته البسيطة، ويدَيين خبيرتين- أشكالاً جمالية وفنية، لطالما استقى معظمها من خياله الخصب أو من الطبيعة الزاخرة بكل أنواع الجمال، لتنتهي العملية الفنية إلى إبداع اشكالا جمالية متناسقة بطريقة جذابة، لا يمكنها إلا أن تأسر ألباب الناظرين.
 


بدايات الانطلاق  
 
 هناك التقيته، في مرسمه الكبير، في أحد شوارع مدينة سيئون، يُعمل خياله، ويمنح- بأدواته البسيطة- صورا وهيئات جديدة أخرى لأشجار الزينة المتناثرة. وكالكثير من أبناء المدينة، لفت انتباهي ما يقوم به، بقدراته الفائقة، وفنه الساحر، فقادني فضولي الصحفي إلى رغبة الغوص في تفاصيل فنان استثنائي.
 
وعن البدايات، تحدث الفنان التشكيلي "طالب مدندن" لـ"يمن شباب نت"، قائلا: "كانت بدايتي بسيطة ومتواضعة جداً، حيث كنت أمتلك بستان صغير فقط، وعليه بدأت بصقل موهبتي".
 
بعد فترة، كان قذ ذيع صيته بين الأقارب والمعاريف وأبناء الحي، حتى جاءته الفرصة، التي انطلق من خلالها نحو عالمه الإبداعي الأوسع. كان ذلك في العام 2009م.
 
يقول- بهذا الخصوص لـ"يمن شباب نت": "عرضت عليَّ فرصة عمل من قبل إدارة صندوق النظافة والتحسين بوادي حضرموت، فوافقت عليها من دون تردد، لأنها كانت الفرصة المناسبة التي ستطوّر من مهاراتي وقدراتي في مجال الفن التشكيلي".
 
وفعلا، كان له ما أراد، لينطلق بكل ثقة نحو أفاق المستقبل. فقد أصبح "رئيسا، ومشرفا عاما لقسم التشجير بالصندوق"، ويعمل معه طاقم خاص، يتكون من "24 شخص"، في مجال الفن التشكيلي لأشجار الزينة.
 
وأكد لـ"يمن شباب نت"، على أن ما حققه من إبداعات في هذا المجال "جاء بفضل هذه الفرصة التي مُنحت لي للعمل مع إدارة صندوق النظافة والتحسين بالوادي، من قبل مدير الصندوق، المهندس عمر صالح سليم، الذي سهل أمامي كل المعوقات، ويسر لي تنفيذ كل الأفكار".
 
بعدها، كما يقول، اتسعت شهرته، وتوسعت أعماله التجارية في مجال فن التشجير. فإلى جانب عمله الحكومي في صندوق النظافة والتحسين، أصبح يمتلك مشتلا زراعيا خاصا به، يعمل فيه، بعد الدوام الرسمي، كما أصبح يقاول أعمال فنية في تشكيل أشجار الزينة للدولة ولشركات تجارية خاصة، داخل سيئون وخارجها أيضا.  
 
وفي هذا المقام، لم ينسى أن يدين بالفضل لمعلميه الأوائل: "يعود الفضل في الخبرة التي اكتسبتها في مجال الفن التشكيلي- بعد الله سبحانه وتعالى- إلى الأستاذ عبدالحكيم علي نايف، وشقيقه نايف، من محافظه إب. فقد كان لهما- دوراً كبيراً في تنمية هذا الفن لدي، وأثرا إيجابيا على مسيرتي الفنية".
 
وقد تمكن الفنان التشكيلي الشاب من تعهد موهبته وتنمية قدراته الفنية وتطويرها. وذلك- كما يؤكد لـ"يمن شباب نت"، من خلال اطلاعه- بشكل دائم ومستمر- على كل جديد في هذا الفن، عبر الشبكة العنكبوتية "الإنترنت". كما أنه لم يستغني عن ملازمته أهل الفن ليأخذ ويستفيد من خبراتهم.
 
الميدان والأدوات
 
في إطار عمله الرئيسي في هذا الفن التشكيلي- الذي يتخذ من الطبيعة لوحة للرسم- يعمل "مدندن"، في مدينة سيئون- عاصمة وادي حضرموت.
 
وبشكل خاص، يؤكد لـ"يمن شباب نت"، أن عمله واهتمامه- حاليا- ينصب على شارع الجزائر، الذي يعتبر موقعا هاما في المدينة، ومحضن رئيسي للوافدين والزائرين للمدينة من شتى ومختلف محافظات الجمهورية. لذلك فهو يحظى باهتمام كبير بهذا الفن.
 
وإضافة إلى ذلك، يعتبر شارع الجزائر، الأقرب إلى مطار سيئون الدولي، وهو الشريان الرئيسي والوحيد للمدينة في الرحلات الجوية للخطوط اليمنية الدولية. لذلك، كان من الضروري بأن يكون شارعا مزدهراً على الدوام، حتى يعكس جمالية المدينة أمام الوافدين.
 
وإذا كان الشارع العام، بأرصفته الجانبية وجزره الوسطى، هو لوحته الدائمة، فإن ريشة الرسم لديه، ليست سوى "مقصان"؛ أحدهما بحجم كبير يستخدم للتشكيل، والأخر بحجم صغير ويستخدمه للتقليم اليدوي. بالإضافة إلى لفة ربط (حبل)، إلى جانب مجموعة من الأسياخ الحديدية، أو أعواد النخيل، أو أية مادة أخرى تقوم بتسهيل عملية التشكيل. وكل أداة- حسب توضيحه- لها دور خاص، ومكملة للأداة الأخرى.
 
وبالرغم من تلك الآلات والأدوات المتواضعة والبدائية التي يستخدمها، إلا أن الحس الجمالي، مع حب العمل والإتقان فيه، تحيلانها إلى أدوات فنية بالغة الكفاءة. فثمة يدان خبيرتان، تحملانها وتمضيان بهما بين لوحة الطبيعة (أوراق أشجار الزينة)، بتناسق وإتقان مثيرين للإعجاب.
 
أعمال عابرة للوادي

تميز الفنان "مدندن" بأعماله المختلفة في تشكيل الأشجار، بشكل رائع وفني جميل، في شوارع مدينة سيئون الرئيسية والهامة، كشارع الجزائر، والسوق العام بالمدينة، وشارع وجولة المطار، وشارع الرئاسة والضيافة، وأيضاً جولة ساحة الإمام الشافعي، بالإضافة إلى المرافق الخاصة كالبنوك والفنادق والمسابح والمنتزهات والحدائق العامة.
  

ونظرا للشهرة التي حظي بها في هذا المجال الفني، فقدت تجاوزت أعماله مساحاته الجغرافية المحلية القريبة والمحيطة لمدينة سيئون. وهو ما أكده لـ"يمن شباب نت": "العمل اليوم، لم يعد يقتصر على مدينة سيئون فقط، وإنما توسع بشكل أكبر على مستوى وادي حضرموت، كشارع خط مدينة تريم، وخط مدينة شبام التاريخية، وشارع خط مدينة حريضه".
 
كما أنه، وكنتيجة طبيعية للإبداع والإتقان في العمل، فقد توسعت شهرته أكثر، الأمر الذي بدوره فتح أفاقا أوسع لأعماله التجارية في هذا المجال، مما زاد الطلب أكثر على هذا الفن التشكيلي الجمالي.
 
ومؤخرا، توسعت أعماله خارج الوادي، لتشمل ساحل حضرموت، وعاصمة حضرموت (المكلا). ومن ضمن أعماله الإبداعية، هناك: تنسيق وتشكيل حديقة الجوهرة بالساحل، التي أصبحت بفضل ذلك إحدى التحف الفنية الجميلة في الساحل. كما قام أيضا بتنسيق وتشكيل أشجار مصنع الإسمنت بحضرموت لفترة وجيزة.
 
وفي المكلا، أيضا، تولى مشروع تنسيق وتشجير شارع "الستين" الشهير. إلا أن هذا العمل لم يظهر بالشكل المطلوب. والسبب في ذلك- كما برر "مدندن" لـ"يمن شباب نت"، يعود بدرجة رئيسية إلى ضعف المتابعة من قبل المنسقين المعنيين بهذا العمل. حيث أكد على أن مثل هذه الأعمال الفنية بحاجة إلى متابعة وعناية مستمرة كي تظهر بالشكل المطلوب.  
 
لذلك، ينصح الفنان "مدندن" كل صاحب عمل خاص أو عام، "بأن يتم متابعة أهل الفن في مجال القص والتحسين، حتى تكتمل الصورة بشكل جميل ودائم ومستمر. لأن من سلبيات العمل، أن يتم إهمال العمل الفني أو يتم القص لمرة أو مرتين، لذلك لا يظهر العمل بالشكل المطلوب، المُلفت والجميل".
 


أعمال خيرية مجانية
 
ولا تقتصر إبداعات "مدندن" في مجال فن التشجير التشكيلي، على ما يفرضه عليه عمله الحكومي الرسمي فقط؛ ولا حتى أعماله الخاصة، سواء في مشتله بعد الدوام الحكومي؛ أم مقاولاته التجارية الخاصة في هذا المجال.
 
فهو إلى جانب كل ذلك، يتعهد بعض الاعمال الفنية التشكيلية الأخرى. وهنا نشير- بشكل خاص- إلى تلك الأعمال التطوعية والخيرية، والتي تشمل: حدائق المساجد، أو المقابر، أو حتى المرافق الصحية الخيرية..، وغيرها من الأعمال ذات الطابع التطوعي الخيري. وقد عُرف عنه، أنه لا يأخذ أجرته مقابل هذه الأعمال التطوعية.
 
وتبقى مدينة سيئون دائمة الازدهار، بجمالها ومناظرها الخلابة، التي تزينها وتعتني بها أيادٍ ماهرة بفن تشكيلي جميل، تشكل وترسم الحياة على أشجارها، وتضفي الجمال على شوارعها الرئيسية الهامة.


 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر