أطفال قذفت بهم الحرب إلى القمامة للبحث عن مصدر رزق من المخلفات البلاستيكية (تقرير خاص)

[ طفل يبحث عن أشياء يمكن إعادة تدويرها وبيعها لمساعدة أسرته في العاصمة صنعاء (شينخوا) ]

وراء كل طفل يعمل على تجميع المخلفات البلاستيكية قصة إنسانية موجعة وأسرة تنتظر قوتها اليومي من المبلغ الزهيد الذي يكسبوه خلال عملهم طول النهار في عملية بحث مضنية في الأحياء ومكبات القمامة، قد لا يهتم أحد عندما يراهم لكن في التفاصيل أوجاع وألم قسري لا يحتمله الكبار فكيف ستكون حالة الصغار؟
 
رحلة عناء طويلة يعيشها الطفلان الشقيقان مُنى (11سنة) عمرو (ثمان سنوات) تبدأ من ساعات مبكرة من الصباح حتى المساء في البحث عن عُلب الماء البلاستيكية الفارغة في الأحياء لتوفير مصاريفهم الأسرية بعد ان قذفت بهم الحرب إلى طابور الفقراء والمحتاجين بعد ان كانوا يعيشون بشكل أفضل.
 
تعيش البلاد حالة حرب للعام الرابع على التوالي ومعه توسعت الأزمة الإنسانية وتزايدت حالات الفقر والمجاعة وتجرعت كل فئات اليمنيين الوجع والمأساة، وتبرز معاناة الأطفال كواحدة من المآسي الكبيرة باعتبارهم رجال المستقبل الأفضل الذي يطمح إليه اليمنيون.
 
مسؤولية مُبكرة

فقدا الطفلان والديهما خلال الحرب حيث مات والدهم في إحدى جبهات القتال، وبعد عام وفاته ماتت أمهم بعد معاناة مريرة مع المرض، وبقي الطفلان وحيدين في مواجهة الحياة والتزاماتها ومعهم شقيقهم الذي يعيش سنواته الأولى من المراهقة، وحُمل الطفلين مسؤولية مُبكرة من أجل الحصول على قُوتهم اليومي.
 
التقت "يمن شباب نت" الطفلان في أحد احياء العاصمة صنعاء وكانا يعملان على تجميع العبوات البلاستكية ويتسابقان عليها ببراءة الأطفال، وفي عيونهما حُزن وانكسار وكأن وجع الدنيا تحمّلوه وحيدين في معترك الحرب والمأساة يبحثون عن مصدر رزقهم الذي يحصلون عليه بصعوبة بالغة.
 
يخرج الطفلان من الغرفة التي يسكنون فيها في إحدى المساكن الشعبية في "حي السنينة" عند شروق الشمس يبحثان عن العبوات البلاستكية من مخلفات المنازل الأحياء وأماكن القمامة المكدسة في الشوارع والأسواق المزدحمة، تحت حرارة الشمس والأتربة وروائح القمامة العفنة والتي تعد مصدر للأمراض والأوبئة.
 
وفي الوقت التي تحذر المنظمات الدولية من الاهتمام بالنظافة والابتعاد عن القمامة ضمن حملات التوعية للوقاية من الأوبئة التي اجتاحت البلاد ومنها "الكوليرا"، لا يخشى الطفلان المرض حيث يبحثان عن العبوات البلاستيكية في القمامة وهم يعرفان الخطر الذي يواجههم جراء ذلك، لكن الجوع كافر.
 
حياة قاسية

كانت الطفلة "مُنى" تتحدث بنبرة صوت مكسورة وهي تجلس على رصيف في الشارع في استراحة قصيرة عن البحث وبجوارها أخوها الأصغر "عمرو" ملابسهم كانت مقطعة وفيها عدة خياطات يد، وبيدها قرصين من الخبز قالت إنها "تحتفظ بها لأخووها بسبب ازعاجه لها عندما يجوع".
 
وقال الطفلة في حديث لـ "يمن شباب نت" أنه أثناء ما كان أبويها على قيد الحياة كانت تتسابق مع أخوها الصغير على الألعاب التي كانت معهم أما الأن فأصبحا يتسابقان على العبوات البلاستكية ومن يحصل على كمية أكبر ويأخذها ويملأ كيسة المقرر".
 
رفض الطفلان التصوير وعندما سألناهم عن السبب قالوا إن شقيقهم الأكبر أخبرهم أن يمنعوا أي شخص يصورهم خوفاً من ان تنشر صورهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويراهم أصدقائهم وأبناء قريتهم وهم يعملون على جمع العبوات من الشوارع فيضحكوا عليهم، تحدث الطفلان بكل براءة وصدق.
 
منذ عام انقطع الطفلان عن الدراسة  بسبب عدم مقدرتهم على المواصلة وبدأ مسيرة البحث عن مهنة يستطيعون توفير ايجار غرفتهم التي يسكنون فيها بالإضافة إلى قوتهم اليومي، لا يحلم الطفلان سوى بالعودة إلى المدرسة والعيش الطبيعي، بعد أن فقدوا كل شيء وقذفت بهم الحياة والحرب في الشارع يعملون على تجميع العبوات البلاستكية مقابل 300 إلى 400 ريال يمني في اليوم (أي أقل من دولار).
 
مأساة الطفولة

يعيش الأطفال اليمنيين مأساة مضاعفة جراء الحرب في البلاد والنزوح حيث تزايد اعداد الأيتام في وضع إنساني متردي وغياب الاهتمام من قبل المنظمات الدولية، وأدى تدهور التعليم إلى تسرب الكثير من الأطفال من المدارس، وأيضاً الفقر الذي أجبر الكثير من الأطفال على العمل في مهن شاقة لساعات طويلة.
 
وتكتظ الشوارع في العاصمة صنعاء وغير من المحافظات بالمتسولين من الأطفال والذين يستخدموا أحيانا كعمال تابعين لعصابات تعمل في هذا المجال منذ ما قبل الحرب وتزايدت مع اشتداد الأزمة خلال السنوات الماضية وغياب الرقابة، وتفكك الأسر بسبب حالة الفقر بالإضافة إلى أسباب أخرى متعلقة بوفاة الأب وعائل الأسرة مما يجعل الشارع ملاذ أخير للبحث عن الأكل والشرب.
 
وبحسب إحصائية لمنظمة "اليونيسيف" فإن 11 مليون طفل في اليمن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، فيما تحققت الأمم المتحدة من تجنيد واستخدام 842 فتى، لم يتجاوز أصغرهم سن الحادية عشرة، غالبيتهم من قبل الحوثيين.
 
كما تحققت الأمم المتحدة في آخر تقرير لها من مقتل وتشويه أكثر من 1300 طفل، 51% منهم جراء الغارات الجوية فيما مثّل القتال البري السبب الرئيسي الثاني متبوعا بالمتفجرات ومخلفات الحرب. وكانت غالبية الضحايا من الأطفال في مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) 35 %.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر