انتزاع "الحديدة" من الحوثيين..بأي ثمن لليمن؟ (تحليل)

بعد أكثر من ثلاثة أعوام من بدايتها، يبدو أن الحرب الأهلية في اليمن دخلت منعطفا حاسما مع بدء عملية اقتحام مدينة الحديدة الساحلية، فجر الأربعاء الماضي.
 
وتأمل قوات الشرعية وقوات إماراتية مشتركة أن تصل إلى الساحل الغربي لليمن، عند الحديدة على البحر الأحمر، لانتزاعها من جماعة (الحوثي).
 
ومن شأن انتزاع هذه المدينة حرمان الحوثيين من إيرادات حيوية، وقطع الطريق أمام الدعم الإيراني "المفترض"، والضغط على الجماعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
 
قتال حتى النهاية
 
منذ تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، عام 2015، تكللت جميع عملياته القتالية الكبرى بالنجاح في مدن ومحافظات عدة.
 
وهو ما بدا أنه سياق عام يفرض على الحكماء في الجماعة الاستجابة لدعوات الانسحاب من الحديدة ومينائها الاستراتيجي وفق ضمانات تقدمها الأمم المتحدة، لتجنيب الميناء الدمار، جراء العمليات العسكرية بين الطرفين.
 
من المحتمل أن معركة الحديدة لا تتمتع بترتيبات تفضي إلى انسحاب سلس للحوثيين والقوى المتحالفة معهم.
 
والتمسك بخيار القتال حتى النهاية سيفضي إلى معركة طويلة الأمد ذات تداعيات "مؤلمة" على المدنيين، ودمار عام يشمل المدينة والميناء.
 
وأعلنت قيادات الجماعة القتال دفاعا عن الحديدة، وسبق لهم أن هددوا بتعطيل الملاحة في البحر الأحمر إذا هاجمت قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، المدينة.
 
أهمية استراتيجية
 
لمدينة الحديدة ومينائها على البحر الأحمر أهمية استراتيجية.
 
يمثل الميناء، الذي يسيطر عليه الحوثيون منذ عام أكتوبر/ تشرين أول 2014، المنفذ البحري الأخير للجماعة.
 
ويقول التحالف إن الجماعة تستغل الميناء في استلام الدعم التسليحي المهرب من إيران، ووجود الجماعة في الميناء يعرقل دخول المساعدات الإغاثية الهادفة إلى تخفيف معاناة نحو 11 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات عاجلة.
 
وعسكريا، يكتسب موقع الحديدة أهمية مضاعفة لوقوع المدينة في منتصف المسافة تقريبا بين المحافظات الشمالية، وعلى مسافة 226 كم غربا من العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 2014.
 
ويشكل ميناؤها حلقة وصل بين الحوثيين وإيران، التي تقدم للجماعة دعما ماليا وعسكريا واستشاريا يصل غالبا عبر الميناء.
 
كما أن سيطرة الجماعة على الميناء أكسبتها أوراق ضغط على الدول الإقليمية والأطراف الدولية المهتمة بحماية حرية الملاحة البحرية ونقل الطاقة إلى الأسواق العالمية عبر مضيق باب المندب.
 
وسبق أن اتخذ الحوثيون من الميناء قاعدة لشن هجمات استهدفت سفنا بحرية حربية تمر في البحر الأحمر من وإلى البحر الأبيض المتوسط، عبر قناة السويس ومضيق باب المندب.
 
وسبق أن تعرضت سفن تابعة للبحرية السعودية، في البحر الأحمر، لهجمات شنتها الجماعة بقوارب مفخخة.
 
طلب التحالف، في أكثر من مناسبة، وضع الميناء تحت إشراف دولي، لضمان وصول المساعدات الإغاثية بعيدا عن سلطة الجماعة، التي تستأثر بالمساعدات للسكان في مناطق سيطرتها.
 
وستحرم سيطرة قوات الشرعية على الميناء الجماعة من ورقة التحكم بالمساعدات الإغاثية، ما من شأنه ضمان تدفقها إلى جميع المناطق اليمنية، لتخفيف المعاناة الإنسانية لجميع اليمنيين.
 
 أكبر معركة
 
وضعت الإمارات، ثاني أكبر دول التحالف، الحوثيين أمام خيارين، فإما مواجهة هجوم من قوات التحالف أو الانسحاب من الحديدة ومينائها في موعد انتهى ليل الثلاثاء 12 يونيو/ حزيران الجاري.
 
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية مؤخرا، إن بلاده أمهلت مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن، مارتين جريفيث، 48 ساعة لإقناع الحوثيين بالانسحاب من المدينة ومينائها.
 
بعد انتهاء المهلة باشرت قوات التحالف دعم عملية "النصر الذهبي"، للسيطرة على الحديدة ومينائها ومطارها.
 
وسيكون لمثل هذه العملية أهمية بالغة في إرغام الجماعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
 
وهو الهدف الأهم لقيادة التحالف، الراغبة في تسريع التوصل إلى حل سياسي للنزاع في اليمن، حيث تدرك تماما أن الحل العسكري ليس هو الطريق الأمثل، وأنه قد لا يتحقق خلال سنوات طويلة من الخسائر وزيادة المعاناة.
 
منذ الساعات الأولى من فجر الأربعاء الماضي، بدأت قوات محلية، تدعمها قوات التحالف، هجوما على الحديدة هو الأوسع في معركة هي الأكبر منذ بدء الحرب في اليمن، قبل أكثر من ثلاث سنوات.
 
معاناة المدنيين
 
حذر مراقبون من تحول المعركة إلى حرب شوارع يروح ضحيتها عشرات الآلاف من السكان العالقين وسط قتال.
 
وحذروا أيضا من احتمال اتساع رقعة الخراب الناجمة عن القتال، لتشمل البنى التحتية للميناء، الذي يعتمد عليه اليمن بنسبة لا تقل عن 70 بالمائة في إمدادات الغذاء والوقود وغيرها.
 
كما حذرت الأمم المتحدة، مؤخرا، من أن الهجوم قد يتسبب بمقتل 250 ألف شخص، ووصفت الأوضاع في اليمن بأنها أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ.
 
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا، الإثنين الماضي، لمناقشة "المخاوف الإنسانية" المتعلقة بالهجوم على الحديدة، بقيادة القوات الإماراتية.
 
والتقى المبعوث الأممي مسؤولين إماراتيين، في محاولة لمنع هجوم وشيك على الميناء.
 
من دون منفذ بحري
 
يمكن لنجاح قوات التحالف في السيطرة على الحديدة أن يفتح آفاقا لتسوية سياسية أساسها هو تقاسم السلطة بين الفرقاء.
 
ومن بين هؤلاء الفرقاء جماعة الحوثي، التي يمكن أن تحصل على دور سياسي غير عسكري، إذا نجحت الأطراف الدولية في إرغامها على تسليم أسلحتها الثقيلة.
 
ستكون سيطرة قوات التحالف على ميناء الحديدة إيذانا بفقدان الجماعة المنفذ البحري الوحيد، الذي كانت تتزود منه صنعاء باحتياجاتها الأساسية.
 
وهو ما سيزيد من شدة وأثر الحصار على العاصمة، التي تعد بالنسبة للجماعة المعقل الأهم بثقلها السكاني وموقعها الجغرافي ورمزيتها السياسية ومكانتها الاعتبارية.
 
كما تشكل استعادة الحديدة خطوة نحو تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي يطالب المجتمع الدولي بمنع تدفق الأسلحة إلى الحوثيين ومراقبة ذلك.
 
وستؤدي أيضا إلى إلغاء كافة القيود المفروضة حاليا على حركة التجارة.
 
بعد خسارتها ميناء الحديدة، ستجد الجماعة نفسها محاصرة في الداخل دون منفذ بحري، بعد خسارتها مينائي المخا وميدي الاستراتيجيين.
 
وقد يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى تبني الجماعة موقفا أقل تشددا في مسألة الحل السياسي، تحت وطأة زيادة حدة الضائقة الاقتصادية.
 
وكذلك تحت وطأة زيادة صعوبات توفير مستلزمات الحياة الأساسية للسكان في مناطق سيطرة الجماعة، بعد فقدانها المنفذ البحري الأخير، وتعذر توفير تلك المستلزمات إلا في نطاق ضيق، ومنها الأسلحة والذخيرة اللازمة لإدامة الحرب.
 
لكن انتزاع قوات التحالف للحديدة لا يعني بالضرورة نهاية الصراع الدموي المسلح، الذي اندلع في مارس/ آذار 2015 بين قوات التحالف والحوثيين، التي سيطرت على صنعاء، في 2014، وواصلت زحفها باتجاه مدينة عدن كبرى مدن الجنوب.
 
قبل أيام، اتهم وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، دولا لم يسمها في مجلس الأمن الدولي بمحاولة "وقف تقدم الجيش اليمني نحو الحديدة، لتحريرها من الميليشيات الحوثية".
 
ولا ترغب الحكومة اليمنية في تطورات ميدانية تؤدي إلى حرب شوارع في المدينة، وتفضل زيادة الضغط على الحوثيين من أجل تسليم المدينة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر