تعز.. الحملة الأمنية.. أسباب الفشل واستمرار الاختلالات.. والعودة لاستعادة السيطرة (تقرير خاص)

[ جندي من القوات الخاصة (الأمن) بتعز (أرشيف خاص) ]

 قبل شهر ونصف انطلقت بمدينة تعز حملة أمنية موسعة لاستعادة مؤسسات الدولة من قبضة مجاميع مسلحة، وإيقاف مسلسل الاغتيالات وضبط العناصر المتورطة فيها، وإنهاء الاختلالات الأمنية تمهيدا لتطبيع الأوضاع بالمدينة.
 
لم تمضي سواء أيام قليلة حتى توقفت هذه الحملة بشكل مفاجئ. وتفيد المعلومات أن إيقافها جاء بناء على توجيهات عليا من المحافظ، بموجب اتفاق سعت له شخصيات في السلطة المحلية مع كتائب أبو العباس بقيادة عادل عبده فارع (أبو العباس)، التي تتبع اللواء 35 مدرع. حيث قضى الاتفاق بوقف إطلاق النار والانسحاب من المؤسسات الحكومية وتسليمها للقوات الخاصة والشرطة العسكرية.
 
وعقب التوقيع على الاتفاق المذكور، تزايدت عمليات الاغتيالات والاختطافات لجنود في الجيش، فضلاً عن استهداف أحد خطباء المساجد، بالإضافة إلى انفجار العديد من العبوات الناسفة في صورة تعكس إصرار الجماعات الخارجة عن القانون جر تعز إلى مربع الفوضى.
 
ويعزو بعض المراقبين عودة الاغتيالات والاختطافات لأفراد من الجيش الوطني إلى أن معظمها جاءت كردة فعل على خلفية تلك الحملة. الأمر الذي يضع تساؤلات عدة بشأن أسباب توقفها؟ وما إذا كانت قد فشلت في تحقيق أهدافها؟ وتأثير ذلك على عملية تطبيع الحياة في المدينة المحررة منذ أواخر 2016؟ (حيث انتقلت المعارك إلى خارجها، في مديريات ريف المحافظة الغربية والشرقية).  


 
اغتيالات وإعدامات

بحسب إحصائيات رسمية حصل عليها "يمن شباب نت"، فأن حالات الاغتيالات منذ توقف الحملة الأمنية بالمدينة، أواخر أبريل الماضي، بلغت قرابة 15 حالة، وانفجار أربع عبوات ناسفة واختطاف وإعدام ستة جنود.
 
وفي صبيحة يوم الـ 31 من مايو/ آيار الفائت، عُثر على خمس جثث لأفراد من قوات الجيش تم دفنهم سراً في منطقة الجمهوري، بعد أن تم اختطافهم وتعذيبهم وإعدامهم من قبل مجاميع مسلحة تُوصف بأنها "خارجة عن القانون"، وتتمتع بحماية من كتائب أبو العباس.
 
وكانت مصادر عسكرية قد أبلغت "يمن شباب نت" في وقت سابق من أواخر مايو، أنه تم العثور على أربع جثث لجنود في كتيبة الدبابات باللواء 22 ميكا، دفنت جوار مبنى الاستخبارات بحي الجمهوري شرقي المدينة.
 
لم تقتصر جرائم الجماعات الخارجة عن القانون بالقتل والإعدامات فحسب، بل عمدت إلى زرع العبوات الناسفة ضد قيادات في الجيش ومقرات حكومية بالمدينة. حيث انفجرت عبوتين ناسفتين يتحكم بتفجيرها عن بُعد، مساء الجمعة 25 مايو/آيار، جوار إحدى بوابات مقر الشرطة العسكرية، دون سقوط أي إصابات.
 
وفي اليوم التالي استهدفت عبوة ناسفة أخرى طقم عسكري تابع للقائد الميداني في القطاع السادس للواء 22 ميكا العقيد يوسف هائل، بجوار منزله خلف سوق عبدة سيف بمنطقه بئر باشا بمدينة تعز، وأسفر التفجير عن إصابة مدنيين بينهم امرأة بالإضافة إلى تدمير الطقم بشكل جزئي.
 
وفي الثالث من شهر يونيو/ حزيران الجاري، تعرض مدير عام مكتب التخطيط والتنمية الدولية بمحافظة تعز، نبيل جامل، لمحاولة اغتيال في منطقة سوق الصميل، شرق المدينة، أصيب على إثرها مع سائقه إصابات بليغة.


 
إنقاذ الخارجين عن القانون

وأرجع النقيب حمزة شداد، وهو قائد عسكري مشارك في الحملة الأمنية، ما تمر به مدينة تعز اليوم من اختلالات أمنية على رأسها الاغتيالات العسكرية، إلى أنها "نتاج لتلك التداخلات، ولجان الوساطة واللجان المشكلة، والتي ساهمت في شرعنة تلك الجماعات، مما ازدادت في انتقامها في استهداف أفراد الجيش والأمن ونشر الفوضى والعنف والخوف، خصوصاً في المربع الشرقي للمدينة".
 
وعن أسباب توقف الحملة الأمنية الأخيرة بعد أيام قليلة رغم تحقيقها إنجازات كبيرة، قال النقيب شداد لـ"يمن شباب نت" إن "الحملة الأمنية توقفت بناءً على توجيه من محافظ تعز أمين محمود بوقف إطلاق النار، دون أن يذكر أو يوضح الأسباب"، مشيرا إلى أن المحافظ "شكل لجان وساطة للتهدئة، والتي عملت على إيقاف الحملة الأمنية وعرقلة مهامها في استكمال كل أهدافها، وإنقاذ الخارجين عن القانون".
 
وكانت الحملة الأمنية تعرضت، مع إنطلاقها، لمقاومة مسلحة استمرت خمسة أيام من قبل مجاميع مسلحة خارجة عن القانون، مسنودة بكتائب أبي العباس. حيث برر أبو العباس، حينها، مواجهة الحملة، بعدم قيام السلطة الأمنية بالتنسيق معه، رغم أن قيادة الحملة الأمنية تؤكد على أن تلك المقار الحكومية التي استهدفتها كانت ملاذا للخارجين عن القانون ومتورطين بالاغتيالات.

وأنتشر تسجيل صوتي لأبو العباس، يؤكد فيه أن محافظ تعز أبلغه أن السلطة المحلية بحاجة لترميم بعض مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرة مجاميعه المسلحة شرق المدينة، وأعترض على عدم وجود أي تنسيق مسبق معه من قبل الحملة الأمنية لاستلام تلك المؤسسات الحكومية.
 
وتتخذ العناصر الخارجة عن القانون كلاً من أحياء: الجحملية والجمهوري والمدينة القديمة، مقرات لها. وهي مناطق شبه معزولة لها، تنطلق منها لتنفيذ عمليات الاغتيالات التي طالت العشرات من ضباط وجنود الجيش والأمن طوال السنتين الأخيرتين.


 
ضعف الإمكانيات

وتشكو إدارة الأمن بالمحافظة، والمعنية بتطبيع الأوضاع الامنية بالمدينة، من ضعف في إمكانياتها وافتقارها للمقومات الاساسية التي تمكنها من ضبط الاختلالات وبسط الاستقرار. بما في ذلك الأليات العسكرية والدوريات الأمنية. الأمر الذي يجعلها غير قادرة على تنفيذ مهامها على أكمل وجه. بحسب ما أفاد مصدر أمني "يمن شباب نت"،
 
وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله الحديث للصحافة حول هذه الأمور، أن محافظ تعز الجديد كان قد وعد برفد الإدارة بعدد من الأطقم العسكرية "إلا أنها لم تصل حتى الأن".
 
وكانت رئاسة الجمهورية قد وعدت في الأشهر الماضية برفد أمن تعز بعدد من الاليات العسكرية بهدف تفعيل دور الأجهزة الأمنية وتطبيع الأوضاع.
 
وكشف المصدر عن وصول عدد 20 طقما عسكريا الأسبوع الماضي إلى تعز، مقدمة من الرئاسة، وكان يتوقع أن تسلم ولو بعض منها إلى إدارة الأمن، بحسب الوعد، إلا أنهم فوجئوا بتسليمها لعدد من الشخصيات في المدينة. دون أن يسميها.
 
وبحسب المصدر أيضا، فإن "الاطقم العسكرية وبعض أنواع الأسلحة والذخائر التي يستلمها بعض القادة لا تُقيد في سجل الواردات ولا تسجل عهده عليهم وعند تغيير المدير يأخذ كل شيء معه ولا يمكن لأي جهة متابعته بتسليم العهد".
 


استنساخ تجربة عدن
 
ويعتقد المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن الحملة الأمنية بتعز، فشلت في تحقيق أهدافها لأنها انطلقت "دون وجود إرادة سياسية كاملة في أن تحقق تلك الأهداف"، لافتا إلى وجود رغبة لدى البعض في إفشال محاولات تطبيع الحياة في هذه المدينة.
 
وأضاف التميمي لـ"يمن شباب نت"، أن ايقاف الحملة، وبالتالي استمرار عمليات الاغتيالات، تقف ورائها تلك الرغبة التي أصبحت واضحة في "استنساخ تجربة عدن السيئة، بشكل حرفي، والتي حولت العاصمة السياسية إلى أكثر مدن البلاد عنفا واضطرابا".
 
وقال إن الحملة الأمنية "وقعت في مأزق الخلط المقصود بين الأهداف والوسائل. فتم إشراك فصائل في الحملة هي في الواقع من تورطت في تحويل تعز إلى مربعات أمنية، وعقدت صفقات مع العناصر المتورطة بالإرهاب التي تناسلت من أجهزة المخلوع صالح ومن الأجندات الخارجية المشبوهة". حسب تعبيره.
 
وبالرغم من ذلك، بدى هناك بصيص من الأمل فيما أقرته اللجنة الأمنية العليا بالمحافظة، مساء أمس الأحد في اجتماعها الاستثنائي الذي ناقش ترتيبات استئناف الحملة خلال الأيام القادمة، لاستكمال بقية أهدافها.

وقد أكدت مصادر مطلعة لـ"يمن شباب نت"، عقب الاجتماع، أن الحملة الأمنية- هذه المرة- لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها في القبض على المطلوبين الخارجين عن القانون، والمتسببين بالاختلالات الأمنية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر