الإمارات وحزب "الإصلاح" .. المرونة في مواجهة الاجتثاث (تقرير)

[ الإمارات وحزب "الإصلاح" .. المرونة في مواجهة الاجتثاث ]

لم تُجدِ المرونة التي يبديها حزب "التجمع اليمني للإصلاح" في التعامل مع الإمارات، والتنازلات المتلاحقة التي يقدمها، نفعاً في تغيير سياسة أبوظبي باليمن، القائمةِ على محاربة الحزب صاحب المرجعية الإسلامية، كجزء من مشروعها المعادي لجماعة "الإخوان المسلمين" الذي تجلى بوضوح عقب ثورات الربيع العربي.

آخر تلك التنازلات كان إعلان "الإصلاح" تجميد عضوية الناشطة توكل كرمان، الحائزة جائزة نوبل للسلام، بسبب تعبيرها في مواقع التواصل عن وجهة نظرها المناهضة للسياسة الإماراتية في المنطقة.

وكان الحزب- المصنف فكرياً على "الإخوان المسلمين"- الهدف الرئيس لتحالف الانقلاب في اليمن المتمثل بمليشيا الحوثي المدعومة من إيران، والرئيس المخلوع علي صالح، حيث استهدف كل ما له علاقة بالحزب وأسقطت الدولة اليمنية تحت لافتة محاربة الإصلاح الذي شكل أنصاره الركيزة الأساسية لثورة الشباب السلمية (فبراير 2011)، التي أطاحت بصالح.

- تضحيات الإصلاح

ما يؤكد أن الانقلاب استهدف "الإصلاح" قبل أن يلتهم الدولة اليمنية، هو ما كشفه محمد عبد السلام، المتحدث باسم مليشيا الحوثي، لبرنامج "لقاء اليوم" على قناة "الجزيرة"، في أكتوبر 2014، من أن اجتياحهم صنعاء كان بناء على اتصالات مع مسؤولين حكوميين وسفارات أجنبية في العاصمة اليمنية، يرجح مراقبون أن من ضمنها سفارات خليجية.

قُتل الإصلاحيون واعتقلوا واختطفوا وفجرت منازلهم واقتحمت مؤسساتهم ونهبت مقارهم وأحرقت، كما توضح سجلات الأحداث في اليمن منذ العام 2014 حتى اليوم. والآن يقفون في مقدمة صفوف المقاومة الشعبية الداعمة للشرعية التي يقول التحالف (الإمارات عضو فاعل فيه) إنه تدخل عسكرياً لإعادتها وإنهاء الانقلاب.

الحزب أعلن رسمياً تأييده لعملية عاصفة الحزم العسكرية التي انطلقت في أواخر مارس 2015، ووقف جهوده وأفراده لاستعادة مؤسسات الدولة من منطلق "الهدف الأوحد" الذي يجمع اليمنيين بالتحالف، وهو إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة وبسط نفوذ الشرعية.

- مسلسل إماراتي

لكن الإمارات فاجأت الجميع بعد تحرير عدن منتصف 2015، بالضغط لإقالة المحافظ والقيادي في المقاومة نايف البكري، الذي ينتمي لحزب "الإصلاح"، وبدأت مسلسل استبدال كل من ينتمي أو يشتبه في انتمائه للحزب من المناصب في المحافظات الجنوبية، وهي عملية تصاعدت حتى وصلت إلى إعلان الحرب عليه في محافظات الجنوب وإحراق مقاره واعتقال قياداته المعروفة بدورها في تحرير العاصمة المؤقتة (عدن) من مليشيا الانقلاب.

توجهات الإمارات نحو الحزب لم تكن طي الكتمان؛ فوسائلها الإعلامية وتلك التي تمولها في اليمن لم تتوقف عن التحريض على الحزب وعناصره، لذلك حاول "الإصلاح" إسقاط المخاوف الإماراتية حينما أكد في بيان أنه "يمني بهويته ومبادئه، ولا يرتبط تنظيمياً بالإخوان المسلمين".

وظلت وسائل الإعلام التابعة للحزب تشيد بدعم الإمارات وتضحياتها ضمن التحالف الداعم للشرعية في اليمن، ثم جاء لقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بقيادة الحزب في أكتوبر الماضي، قبل أن يتبعه لقاء بقيادة الحزب جمع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عقب مقتل الرئيس المخلوع صالح على يد حلفائه الحوثيين مطلع ديسمبر، حيث إنه كان يمثل الورقة المهمة للإمارات للتخلص من الحوثيين وضرب "الإصلاح" في الوقت نفسه.

- تغييرات خطابية

لقاء قيادة الإصلاح مع بن سلمان وبن زايد بشر بتسوية ستحرك المياه الراكدة في بعض الجبهات وتسريع الحسم العسكري، خصوصاً في محافظات مثل تعز، التي ترى الإمارات أن تحريرها يمثل انتصاراً للإصلاح الذي يمثل أغلبية في المحافظة، إذ حرصت أبوظبي على إيجاد قوات موازية للجيش الوطني تحت اسم "الحزام الأمني" في المحافظات المحررة، وهي- كما يراها مراقبون- بمنزلة قوات لمعركة مرتقبة مع الإصلاح بعد دحر الحوثيين.

بعد لقاء "الإصلاح" بن زايد تغيرت اللهجة الإماراتية، حيث قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، منتصف ديسمبر الماضي، إن الحزب اليمني أعلن فك ارتباطه بـ"الإخوان"، مطالباً باختبار النوايا وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي لتحقيق أمن المنطقة.

وتابع قرقاش في تغريدة على "تويتر": "نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها"، مؤكداً أن "القيادة السعودية هي بوصلة عملنا ضمن التحالف العربي في مواجهة الإرهاب والأطماع الإيرانية".

ورغم أن تصريحات الوزير الإماراتي كشفت عن ملامح اتفاق، فإن قيادياً في حزب التجمع اليمني للإصلاح (اشترط عدم الكشف عن هويته) أكد لـ"الخليج أونلاين" أن لقاءات قيادة الحزب بولي عهد السعودية والإمارات لم ينتج عنها أي اتفاق يذكر، لكنه لم يستبعد أن تكون تأسيسية للقاءات أخرى.

- النهج العدائي

ومع إفلات طارق، نجل شقيق المخلوع صالح، من قبضة الحوثيين ووصوله إلى عدن، يبدو أن النهج الإماراتي العدائي للإصلاح عاد مجدداً، خصوصاً أن أبوظبي تجهز قوة عسكرية له خارج نطاق الشرعية، فضلاً عن دعمها مؤخراً للمحاولة الانقلابية للمجلس الانتقالي الانفصالي على الحكومة الشرعية في عدن، قبل أن تتدخل السعودية لتهدئة الأوضاع.

ووفقاً لقيادي في حزب "الإصلاح" فإنه لم يطرح من قبل الإمارات أي طلبات واضحة أو رسمية من الحزب.

لكن المحلل السياسي اليمني عبد الرقيب الهدياني، يرى أن حساسية أبوظبي المفرطة من الربيع العربي جعلها تحاول إخراج الحزب من المعادلة اليمنية، "وهو أمر غير ممكن؛ نظراً لأنه الحزب الأكبر حالياً في اليمن، ومتجذر اجتماعياً وثقافياً وشعبياً، وخالٍ من عقد الانفصال والمذهبية والسلالية وغيرها من الأمراض، والقضاء عليه يعني القضاء على الشرعية، لكونه الرافد الأول لها".

- مشاريع الإمارات

وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يؤكد الهدياني أن استهداف الإصلاح سينعكس على أمن اليمن بل واستقرار جيرانه، قائلاً: إن "على الإمارات أن تعي أن ما فعلته في مصر بدعم الانقلاب وإسقاط الشرعية، وما عملته في ليبيا من صناعة حفتر، لا يمكن له أن يجد أرضاً خصبة في اليمن".

ودعا الهدياني الإمارات أن "تُسلم وتعمل مع جميع فئات الشعب اليمني المعني باختيار من يمثله"، معتبراً أنه "عندما تتحرك أدوات السياسة كالانتخابات والتنافس السلمي على السلطة، فالشعب اليمني سيفرز الحاكم والمتصدر للقيادة عبر صناديق الاقتراع، وليس عبر الوصاية والرغبة الإماراتية أو أي إرادة خارجية".

وتابع: "للأسف الإمارات ترى أن انتصار الشرعية يصب في مصلحة حزب الإصلاح باعتباره الحزب الوحيد المتماسك والقوي والحاضر خلال المقاومة الشعبية، ولذلك تعمل على تعطيل الجبهات وإضعاف الشرعية في المحافظات المحررة".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر