المجلس الانتقالي في اليمن… إطاحة بالحكومة أم تقسيم للبلاد؟ (تقرير)

[ المجلس الانتقالي في اليمن… إطاحة بالحكومة أم تقسيم للبلاد؟ ]

بات المجلس الانتقالي هو صاحب الكلمة العليا في محافظات جنوبي وشرقي اليمن المحررة من قوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، المتهمة بتلقي دعم من إيران، غير أنه سيواجه تحديات جمة في حال انفرد بالسلطة، منها توفير الخدمات للمواطنين.

وبعد إحكام سيطرته، قبل أيام، على العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، يطمح المجلس، الذي يضم خليطا من المعزولين من وظائفهم الرسمية، إلى انفصال جنوب البلد العربي عن شماله، وتزعم دولة كانت قائمة قبل عام 1990.

المجلس يضع إعادة «دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، التي كانت قائمة قبل توحد شمال اليمن وجنوبه في 22 مايو/ أيار 1990، على رأس أهدافه، ويقول إنه ليس حزبا ولا مكونا سياسيا، بل إطار قيادي جنوبي يهدف إلى بناء دولته الوطنية الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة».

وتشكل الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال قبل أكثر من عشر سنوات.

إلا أن الكيان الطارئ، الذي تم تشكيله مطلع مايو/ أيار 2017، كردة فعل على إقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، لمحافظ عدن، عيدروس الزُبيدي، بدأ يفرض نفسه كلاعب رئيسي في الساحة اليمنية، مستفيدا من دعم لا محدود تقدمه دول التحالف العربي، وعلى رأسها الإمارات، وفقا لاتهامات حكومية غير رسمية. ويردد المجلس الانتقالي أنه الممثل الوحيد لسكان المحافظات الجنوبية، ويحظى بالتأييد المطلق فيها، لكن المعارك التي شهدتها عدن بين قوات جنوبية جنوبية خالصة، الأيام الماضية، تبرهن أن هناك انقساما حادا في الشارع الجنوبي إزاء المجلس، المتهم بتبني أجندات خارجية صرفة.

معزولون وقيادات سياسية وقبلية

وخلافا للتيارات الجنوبية، التي كانت تنادي بالانفصال منذ عشر سنوات، وتضم شخصيات لها خبرات متراكمة في العمل السياسي، أمثال الرئيس الأسبق لدولة الجنوب، علي ناصر محمد، ونائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، يضم المجلس الانتقالي خليطا ممن عزلهم الرئيس هادي من مناصبهم الحكومية، إضافة إلى قيادات سياسية وقبلية».

ويتزعم المجلس محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، وينوبه وزير الدولة المقال، هاني بن بُريك، وهما من أبرز رجالات الإمارات في جنوبي اليمن، وسبق لهما الظهور بالزي التقليدي الإماراتي في صورة جماعية مع قادة إماراتيين، أواخر العام الماضي».

المجلس، المكون من 26 عضوا، يضم أيضا خمسة محافظين مقالين، وهم: أحمد بن بريك (حضرموت ـ شمال شرق)، وأحمد لملس (شبوة ـ جنوب شرق) وناصر الخبجي (لحج ـ جنوب)، وفضل الجعدي (الضالع ـ جنوب) وسالم السقطري (سقطرى ـ أقصى جنوب شرقي اليمن)، إضافة إلى وزير مقال، هو مراد الحالمي».

ويفتقر المجلس، وفق منتقدين، للحكمة التي كان يتمتع بها سياسيون جنوبيون سابقون في التعامل مع القضية الجنوبية، كون أغلب قيادته ينحدرون من السلك العسكري.

فبعد أيام من رفع السقف عبر المطالبة بإسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر، التي تحظى باعتراف المجتمع الدولين، ومنح الرئيس مهلة ومعارك لمدة ثلاثة أيام، تراجع المجلس، وطالب بإقالة قادة ألوية الحماية الرئاسية، التي خاضت معارك ضدهم، وأعلنت موافقتها أن تستمر حكومة «بن دغر» في مهامها حتى تشكيل «حكومة كفاءات» دون تحديد موعد زمني لذلك.

توفير الخدمات وفرض الاستقرار

ويمتلك عدد من أعضاء المجلس الانتقالي خبرات سابقة في العمل الإداري والعسكري، وهو ما سيمكنهم من تحمل بعض المسؤوليات، وخاصة العسكرية، لكن قبول الشارع الجنوبي للمجلس قد يتحول إلى عقدة تحول دون فرض الاستقرار في مدن الجنوب، وجعلها رهينة للفوضى».

وإضافة إلى الاحتقان المتراكم منذ ثمانينات القرن الماضي، التي شهدت صراعات جنوبية جنوبية دموية، ينظر البعض في الشارع الجنوبي إلى المجلس بأنه يعمل على أساس مناطقي في تكوينات القوات الخاصة به، وهو ما يجعلهم يفتقرون لأبسط مقومات إدارة الدولة، حسب تعبيرهم».

ومع بسط سيطرته عسكريا على كامل محافظة عدن، وغالبية مدن الجنوب، ومطالبته بنقل الألوية الرئاسية إلى خارج العاصمة المؤقتة، سيكون المجلس هو المسؤول الأول عن استقرار مدن الجنوب، والتصدي لخطر تنظيم القاعدة، إضافة إلى توفير خدمات كال المجلس للحكومة الشرعية سيلا من الاتهامات بالفساد، بعد أن عجزت عن توفيرها.

وفق الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، فإن «المجلس الانتقالي لا يمتلك أي قدرة على تأمين الجنوب أو تحقيق الاستقرار، لكونه فصيلا مسلاحا يستقوي بالسلاح وبالموقف الإماراتي، ويسعى إلى فرض رؤيته ومشروعه». 

ورأى الزرقة، في حديث للأناضول، أن «المجلس لا يمتلك تمثيلا شعبيا واسعا، ولا يعبر عن رأي الشارع الجنوبي، وهو تيار ما قبل وطني لديه مواقف عنصرية وإقصائية للآخر».

ورغم مطالبته بإسقاط الحكومة، لا يزال المجلس يفتقر إلى الشجاعة بتحمل ملف الخدمات في المحافظات الجنوبية التي يقول إنه يمثلها.

وكشفت تسريبات أن تفاهمات دارت بين المجلس والتحالف العربي أفضت إلى قبول المجلس باستمرار الحكومة في عملها بـ«توفير الخدمات فقط»، والابتعاد عن الخطاب السياسي، الذي يريد المجلس تصدره بجانب القوة العسكرية.

ويفاقم الصراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي من معاناة الشعب اليمني من الحرب الدائرة بين القوات الحكومية والحوثيين، حتى بات معظم اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق الأمم المتحدة.

واتهم الزرقة المجلس السياسي بأنه «فشل في التعايش مع فكرة الدولة، وفشل في العمل من داخل الدولة عندما اُسندت إلى قياداته إدارة المحافظات الجنوبية، واُسندت إليه حقائب وزارية: «لم يستطع تقديم أي حلول على أرض الواقع لتحسين ظروف الناس في المحافظات التي كان يديرها».

وشدد المحلل السياسي اليمني على أن «ولاء المجلس الانتقالي بالكامل لدولة الإمارات (..) يسعى إلى تنفيذ أهدافها وأجنداتها، ولديه استعداد للتضحية وخوض معارك الإمارات بالمجان».

سيناريوهات مستقبلية

وخلال معارك عدن بين قوات المجلس الانتقالي والقوات الحكومية كانت المواقف الإقليمية ضبابية، فالتحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، لم يتحدث عن «شرعية (الحكومة) وكيان آخر (المجلس)» في بياناته الداعية إلى التهدئة.

إذ تحدث التحالف، المفروض أنه داعم للرئيس هادي منذ 26 مارس/ آذار 2015، عن «أطراف»، فيما كانت الكويت أكثر وضوحا برفضها، على لسان نائب وزير الخارجية، خالد الجار الله، الأربعاء الماضي، «التطاول على المؤسسات من قبل القوى الخارجة عن الشرعية».

وفي المواقف الدولية كانت تركيا هي الدولة الوحيدة التي أعلنت وقوفها مع الشرعية ووحدة اليمن، خلافا للموقف الروسي، الذي تحدث عن» اشتباكات بين القوات الحكومية وأنصار المجلس الانتقالي تدعم توسيع الحكم الذاتي، وقد تصل إلى إقامة دولة مستقلة».

وجاء الموقف الأمريكي مطابقا إلى حد كبير للموقف الروسي من معارك عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة منذ أواخر 2015».

ويحذر مراقبون من خطورة ما يجري دوليا بشأن الملف اليمني والمباركة لخطوات المجلس الانتقالي.

وقال المحلل السياسي، أحمد الزرقة، إن «امتلاك المجلس الانتقالي لمليشيا مسلحة غير منضبطة هي قضية خطيرة، وتستدعي إعادة التفكير في طريقة التعاطي معها كمليشيا تمثل خطرا على وجود الدولة».

وحذر الزرقة من أن «سكوت العالم على سلوك هذه المليشيا من شأنه أن يفتح المجال أمام ظهور مليشيات أخرى تتبع أطرافا خارجية، على غرار تلك التابعة لطهران (الحوثيين) وأبو ظبي وفرض شروطها وأجنداتها على أرض الواقع بالسلاح، وهو ما ينذر بتمزيق اليمن وصعوبة وجود حل توافقي على قاعدة الشراكة والمواطنة المتساوية».

ولم يتضح بعد تأثير المعارك بين الحليفين، الحكومة والمجلس، على قتالهما لقوات الحوثيين.

ومن المرجح أن المجلس الانتقالي سيعتمد على السعودية والإمارات للتسويق دوليا لمشروع انفصال الجنوب، من خلال ما يسمى باللجنة الرباعية، التي ستقرر مصير اليمن، وهي تضم: الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات».

ومحاولا تفسير موقف الرياض قال مصدر دبلوماسي عربي واسع الاطلاع، للأناضول، قبل يومين، إنه «يبدو أن السعودية صارت توافق الإمارات على مبدأ تقسيم اليمن إلى اقليمين فيدراليين، الأول في الشمال برئاسة نجل (لرئيس اليمني الراحل علي عبد الله) صالح، أحمد علي عبد الله صالح، لحماية حدودها الجنوبية من الحوثيين، والإقليم الآخر برئاسة عيدروس الزبيدي، على أن يبقى منصور هادي رئيسا صوريا لهذه الفدرالية، ولا يبدو الأمر انه انفصال واضح».

وبشكل رئيسي، يعلن المجلس الانتقالي إخلاصه للتحالف العربي».

عقب انتهاء معارك عدن، وفي ما يشبه خطاب النصر، ظهر نائب رئيس المجلس، هاني بن بريك، على موقع «تويتر» قائلا إن «الجنوب القادم الذي يقاتل رجاله جنبا لجنب مع التحالف العربي للقضاء على المشروع الإيراني لن يكون إلا بلدا محافظا على مصالح دول الجوار، وفي مقدمة تلك الدول اليمن، ومحافظا على كل المواثيق والمعاهدات، ولن يكون نظام الجنوب مشاكسا معاكسا لدول المنطقة، بل توأمة ممزوجة بالروح والدم». 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر