أحداث عدن.. "تقليم أظافر الشرعية" لمصلحة من؟ (تقرير خاص)

[ دبابة تتوسط حي سكني بعدن أثناء المواجهات المسلحة التي اندلعت في 28 يناير 2018 ]

 
لم تكد الحكومة اليمنية، وبعد ثلاث سنوات من حربها المتواصلة مع الانقلابيين الحوثيين، أن تستعيد أنفاسها المتلاحقة بغية التفرغ لإعادة الاستقرار إلى المناطق المحررة، حتى طرأ إلى الواجهة ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" بعدن، في محاولة انقلاب أخرى؛ ظاهرها الفشل والفساد، وباطنها تقويض قدراتها تمهيدا لتحقيق هدف تقسيم البلاد.
 
 مطلع الأسبوع الجاري، شهدت عدن مواجهات مسلحة دامية، بين ألوية الحماية الرئاسية التابعة للحكومة الشرعية من جهة؛ وقوات الحزام الأمني إلى جانب ميليشيات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعومين من الإمارات، من جهة أخرى؛ على إثر دعوة الأخير أنصاره النزول إلى الشارع لإسقاط الحكومة، بعد انتهاء مهلة الأسبوع التي منحها للرئيس.
 
وكشفت المنظمة الدولية للصليب الأحمر، في آخر تحديث لها يوم أمس الأربعاء، أن عدد الضحايا بلغوا: 38 قتيلا، و 222 جريحا، خلال الثلاثة أيام من المواجهات.

مسار المواجهات والتهدئة



 لأسبوع كامل، قبل اندلاع المواجهات، سيطر التوتر بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، إثر دعوة الأخير، يوم الاثنين قبل الماضي (22 يناير)، إلى التصعيد ضد حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، التي يتهمها مجلس عيدروس الزبيدي بالفشل والعجز والفساد، مطالبا رئيس البلاد، عبد ربه منصور هادي، بإقالتها وتغييرها خلال مهلة أسبوع واحد، قبل أن يبدأ بإجراءات اسقاطها عبر القوة.
 
 ومع الساعات الأولى من صبيحة يوم الأحد، الموافق 28 يناير، اليوم الذي انتهت فيه المهلة، انتشرت قوات الحزام الأمني والمجلس الانتقالي في شوارع المدينة، وشرعت مباشرة باقتحام عدد من المؤسسات والمقار الحكومية، لتندلع على إثر ذلك مواجهات مسلحة مع قوات الحماية الرئاسية التي انتشرت بدورها في مناطق تواجدها وفرضت سيطرتها على عدد من المديريات والشوارع، ودخلت في اشتباكات عنيفة معها، استخدمت فيها مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة.   
 
وبعد ثلاثة أيام دامية، هدأت الاشتباكات، مساء يوم الثلاثاء 30 يناير، بموجب اتفاق هدنة وتهدئة، تم توقيعه بين الطرفين خلال الساعات الأولى من صباح اليوم نفسه تحت رعاية قيادة التحالف بعدن. حيث يفرض الاتفاق وقفا لإطلاق النار، كخطوة أولى، يتلوها مباشرة عملية سحب القوات المنتشرة من الطرفين وعودتها إلى مقارها وثكناتها.
 
 وبموجب الاتفاق، كان يفترض أن يبدأ سريان وقف إطلاق النار، الساعة السادسة من صبيحة يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن القوات التابعة للمجلس الانتقالي والمساندة لها واصلت تحركاتها العسكرية لتفرض سيطرتها على اللواء الرابع (حماية رئاسية)، الذي كان قد شرع في سحب قواته عملا بالاتفاق. حسب ما صرح به الناطق الرسمي للحكومة، راجح بادي، لقناة الحدث، مساء ذلك اليوم.  
 
كما أشار بادي، إلى أنه وبالتزامن تحركت، أيضا، قوات أخرى تابعة للمجلس الانتقالي صوب المجمع الرئاسي، "قصر معاشيق"، بمديرية كريتر، حيث تتواجد الحكومة هناك، لكن قوات اللواء الأول حماية رئاسية تصدى لها ومنعها من اقتحام القصر.
 
وحاليا، حتى ساعة كتابة هذا التقرير يومنا هذا الخميس، تفيد الأنباء أن قوات الحزام والانتقالي تفرضان حصارا على القصر والمنطقة المحيطة، الأمر الذي جعل مصادر حكومية تؤكد أن التوتر ما يزال قائما، محذرا من انفجار الوضع في أي لحظة، ما لم تسارع لجنة التهدئة إلى إنهاء مسبباته وإعادة تلك القوات إلى أماكنها السابقة قبل المواجهات.   



موقف التحالف.. تحذيرات


 

 كان من اللافت في هذه الأحداث، غموض مواقف أهم دولتين رئيسيتين في التحالف العربي، سواء فيما يتعلق بصمت المملكة العربية السعودية التي تتزعم القيادة؛ أم تهاون دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدير العاصمة المؤقتة (عدن)، عبر قوات الحزام الأمني التابعة لها خارج إطار أجهزة الدولة، في الوقت الذي تدعم فيه المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال، والذي يتولى هو قيادة محاولة الانقلاب تلك على الحكومة اليمنية الشرعية..؛ 
 
وبنظرة عامة على الأحداث الأخيرة، نجد أنه وفي الوقت الذي كانت فيه ميليشيات ما تسمى بالمجلس الانتقالي تقتحم المؤسسات الحكومية وتعبث بمحتوياتها- كما أظهرت فيديوهات تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، كان طرف الحكومة الشرعية، والموالون لها، بما في ذلك قادة قوات الجيش النظامي، ينتظرون ويراهنون على موقف سعودي يوقف العبث الحاصل الذي يخالف أهداف التحالف التي تدخل من أجلها.
 
ويرى مراقبون أن رجحان كفة المجلس الانتقالي على أرض المعركة، واهتزاز كيان الشرعية، إنما هو نتاج الدعم الذي يحظى به المجلس الانتقالي الجنوبي من قبل الإمارات، مع غموض الموقف السعودي. وهو أمر يعتقد البعض أنه يراد من خلاله "تقليم أظافر الحكومة الشرعية وتقويض أهم أدواتها" الفاعلة. بحسب المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي.
 
ويرى التميمي، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، أن ما يحدث في عدن يهدف إلى "إعادة رسم مناطق النفوذ في العاصمة المؤقتة، ومحافظات الجنوب بما يؤدي في النهاية إلى تقليم أظافر الشرعية وتحطيم أدواتها العسكرية والأمنية وتمكين المجلس الانتقالي سياسيا وعسكرية وتثبيت الوضع في اليمن في منطقتي نفوذ سمارة الجنوبية يتحكم بهما التحالف".
 
ولا يستبعد مراقبون إمكانية حدوث تغيير في الموقف السعودي بما يتوافق وينسجم مع مواقف حليفتها الكبرى في المنطقة (الإمارات)، بشأن كيفية التعامل مع شرعية الرئيس هادي خلال المرحلة القادمة، بعد ثلاث سنوات من الحرب، لم تحقق النتائج المرجوة منها.
 
 وقريبا من هذا التوجه، أطلق الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، تصريحات مثيرة للجدل، يرى فيها أن الحل في اليمن يمكن أن يكون في دولتين، أو حكومتين: "حكومة في الشمال برئاسة زعيم من الشمال، وليكن احمد علي صالح، وحكومة في الجنوب ولتكن بقيادة عيدروس الزبيدي، في ظل قيادة فيدرالية برئاسة عبد ربه منصور هادي". حسب إحدى تغريداته على صفحته بـ"تويتر"، تعليقا على الأحداث الأخيرة في عدن.
 
وفي هذا السياق، يعتقد المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن الأمور يبدو أنها "تؤسس للتقسيم في اليمن، وفي حدها الأدنى دولة مركبة وهشة و متصارعة يسهل السيطرة عليها"، محذرا من أن "الواقع الجديد اليوم، يتشكل من خارج مرجعيات الحل الثلاث، بل يتناقض معها كلية".
 
وقد حذر مفكرون وكتاب سعوديون بلادهم من مغبة مواصلة هذا الدور دون اتخاذ إجراءات حاسمة إزاء ما يحدث في عدن.
 
حيث حذر الكاتب السعودي سليمان العقيلي، بلاده من التفرج على ما يجري في عدن بجنوب اليمن من انقلاب على السلطة الشرعية. ونوه في تغريدات على حسابه بتويتر، تعليقا على الأحداث الأخيرة، إلى أن "المؤامرة في عدن تخلط الأوراق وتقلبها رأسا على عقب وتجعل المخاطر على الأمن السعودي أكثر من أي وقت مضى".
 
ودعا العقيلي بلاده السعودية إلى قيادة الأحداث أو مغادرة اليمن وترك الآخرين (في إشارة إلى الإمارات)، يتحملون المسئولية أمام الشعب اليمني والعالم، بدلا من أن تتحمل هي مسئولية أخطائهم.
 


[للمزيد أقرأ: كاتب سعودي ناصحا بلاده: انقلاب عدن خطر علينا ولابد من التصدي له]
 
 

وفي حين أكد الكاتب الصحفي السعودي المعروف، جمال خاشقجي- في تصريحات على قناة الجزيرة- على أن الرياض لا تستطيع التصرف في اليمن وكأنها دولة محايدة، لا يعنيها ما يجري في اليمن، حذر بلاده من أنها ستتحمل تبعات ما يجري في اليمن مستقبلا..
 


[للمزيد أقرأ: كاتب سعودي: المملكة ستتحمل تبعات ما يجري في اليمن على مختلف الأصعدة]


اجراءات وتدابير



وفي مقابل ذلك، يتحدث الخبير اليمني في الشئون الاستراتيجية، على الذهب، عن مسئولية الجانب اليمني في تلك الأحداث، والاجراءات والتدابير التي يتوجب على الرئيس والحكومة الشرعية اتخاذها ازاء تلك الأحداث، لتجاوزها دون مضاعفات إضافية.
 
ويعتقد الذهب، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن المسئولية الكاملة حول ما جرى تقع أولا على عاتق "الرئيس هادي، ولا يمكن أن يلتمس له أي عذر، فهذه مرحلة حساسة وتتطلب التعامل معها بجدية ونشاط".
 
وعليه، طالب الرئيس هادي "بالعودة إلى عدن وممارس مهامه منها، وأن يكاشف الشعب بالحقائق"، مضيفا: "على الرئيس تغيير سياسته تجاه بعض المسائل التي فاقمت الأوضاع، وإعادة النظر في المحيطين به، ممن يعتمد علبهم في دراسة واتخاذ القرارات".
 
وبخصوص الحكومة اليمنية، يرى الذهب، أنه ينبغي عليها، أيضا "إعادة النظر في سياساتها، وتفعيل الدور الرقابي، فضلا عن التخفيف من تداعيات الحرب على المواطن في أي محافظة وليس في محافظات بعينها، كما ورد في الميزانية المعلنة لعام 2018".
 
ولا يقصر الخبير اليمني تلك الإجراءات والتدابير اللازم اتخاذها، على الرئيس اليمني وحكومته "بل، وعلى التحالف بشكل رئيس".
 
وبالتالي- يضيف: "فإن ما يتفق عليه الجانيان، هو ما سيحدد ملامح المستقبل، سواء كان المعني بالالتزام الحكومة أو ما يسمى المجلس الانتقالي".
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر