الحكومة الشرعية.. إقرار الموازنة.. المتواجدون في عدن.. تصعيد الحراك.. وتحديات البقاء (تقرير خاص)

[ صورة للإجتماع الذي عقده رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر مع عدد من الوزراء في عدن لإعلان موازنة 2018 (21 يناير 2018) ]

  أثار إعلان حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر عن الموازنة الحكومية للعام الجديد 2018، ردود فعل داخلية وخارجية، معظمها كانت إيجابية كونها أول موازنة مالية تعلنها الحكومة منذ ثلاث سنوات، عقب الانقلاب على السلطة الشرعية وما نجم عنها من حرب داخلية في 2015.
 
يأتي ذلك، في حين علم "يمن شباب نت" أن هناك تغييرا حكوميا واسعا، اقترب الرئيس وحلفاؤه من الانتهاء منه، وسيتم إعلانه في الوقت المناسب، في سياق إصلاح الاختلالات الحكومية السابقة واستعادة دور الحكومة خلال المرحلة القادمة بشكل مؤثر وفعال على مختلف جوانب الحياة، لا سيما منها الاقتصادية والسياسية.
 
وضمن إعلانه عن الموازنة، خلال اجتماعه يوم الأحد 21 يناير بأعضاء مجلس الوزراء بمقر الحكومة بعدن، أكد رئيس الحكومة بن دغر، أن مجلس النواب اليمني سينعقد الشهر القادم في العاصمة المؤقتة عدن لإقرار الموازنة. الخطوة التي طالما انتظرها المؤيدون للشرعية منذ وقت طويل، حيث سيكون لها ما بعدها.
 
ومن زاوية إيجابية، اعتبرت الخطوتان: الإعلان عن الموازنة المالية للحكومة؛ والتجهيز والاعداد لدعوة مجلس النواب للانعقاد في عدن من أجل إقرارها، أنهما بمثابة بداية حقيقية للحكومة تصب في الاتجاه الصحيح لإدارة شئون الدولة بشفافية، فضلا عن ذلك يمثل إيعازا لبداية الانتقال من دائرة إدارة شئون الحرب، التي غرقت فيها الحكومة طوال السنوات الثلاث الماضية، إلى دائرة إدارة شئون الدولة، اقتصاديا وسياسيا.   
 
إلا أن ثمة تحديات تواجه الحكومة في تحقيق أهدافها تلك على النحو المطلوب والفعال، وأبرزها: ضرورة تواجد أعضائها (الوزراء)، وطواقم العمل في الوزارات، داخل البلاد، وتحديدا في العاصمة المؤقتة عدن، حيث يفترض أن يتسلموا موازنات وزاراتهم للعمل وفقا للخطة والبرنامج الحكومي الذي وضعت الموازنة لتنفيذه على مدى العام.
 
أعضاء الحكومة بين الرياض وعدن



 لأكثر من مرة، على مدى السنوات الثلاث الماضية حاولت الحكومة اليمنية، المتواجدة في العاصمة السعودية (الرياض) منذ بداية الحرب، العودة إلى الداخل لممارسة مهامها من العاصمة المؤقتة عدن، عقب تحريرها في أواخر يوليو ومطلع أغسطس 2015، غير أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، تقريبا. فيما عدى رئيس الوزراء الحالي أحمد عبيد بن دغر، ونائبه وزير الداخلية (السابق والجديد)، الذين صمدوا معظم أوقاتهم في عدن.
 
  
 ومنذ عدة أشهر، فقط، لوحظ تواجد عدد من الوزراء والوكلاء ومسؤولي المؤسسات الحكومية المركزية، وذلك في إطار سعي الحكومة لتعزيز سيطرتها وتأكيد حضورها الفاعل في المحافظات المحررة عامة والعاصمة المؤقتة عدن على وجه الخصوص.
 
غير أن عددا من الوزراء، وتبعا لظروف متعلقة بمواقعهم، يظل وجودهم في عدن ضئيلا، إذا ما قورن بآخرين يسجلون حضورا شبه دائم، خصوصا وأن بعض الوزارات كانت قد افتتحت لها مكاتب رئيسية لممارسة أعمالها، فيما أكتفت بعض الوزارات بممارسة أعمالها عبر مكاتبها السابقة في عدن، أو من خلال مكاتب مصغرة في محيط مجمع القصور الرئاسية بمنطقة معاشيق.
 
وإن ظل التنقل داخليا وخارجيا سمة بارزة للحكومة وكبار المسؤولين فيها، فإن عددا من المسؤولين يعد حضورهم ملحوظا في عدن لا سيما في الآونة الأخيرة.
 
وحاول "يمن شباب نت"، البحث عن أسماء الوزراء الذين يتواجدون حاليا داخل البلاد، لممارسة أعمالهم بشكل خاص في العاصمة المؤقتة عدن.
 
ومن بين قرابة 40 وزيرا، لم نحصل سوى على أسماء عشرة وزراء- بينهم رئيس الحكومة- يتواجدون حاليا في عدن، أكثر من نصفهم يتواجدون بشكل دائم أو شبه دائم، والبقية بشكل غير دائم (استثنائي)، إما لمهمة طارئة، أو بما تمليه عليهم أعمالهم للحضور بين الحين والأخر. (أنظر الجدول المرفق أدناه)  
 

 
ومع ذلك، فأن عددا من نواب الوزراء ووكلائهم ومساعديهم حاضرون في العاصمة المؤقتة عدن، ومعهم مسؤولين في الأجهزة والمؤسسات الحكومية المختلفة.
 
كما شهدت الفترة الأخيرة وجودا ملحوظا لمسؤولي السلطة القضائية بعد افتتاح مبنى المحكمة العليا وعدد من المحاكم وإجراء تغييرات قضائية في عدن وعدد من المحافظات.
 
 
 
العودة إلى الداخل.. تسوية التحديات
 
ودائما ما كانت الاختلالات الأمنية هي الأكثر تداولا كمبرر لعدم استقرار الحكومة في عدن. تأتي بعدها حجتي: عدم وجود مقرات حكومية، وموازنة مالية لتسيير الأعمال اليومية.
 
فأمّا الحجتين الأخيرتين، فيمكن القول إنهما أصبحتا من الماضي، بعد أن افتتح رئيس الحكومة المقر الرسمي الجديد والضخم لمجلس الوزراء في مديرية خور مكسر، وتدشينه العمل فيه رسميا قبل أيام؛ ومن ثم إعلانه الموازنة العامة للدولة، الأحد الماضي.
 
وقد سبق هاتين الخطوتين بأسابيع قليلة، حملة الكترونية دشنها ناشطون يمنيون، انتشرت على نطاق واسع في صفحات التواصل الاجتماعي، تدعوا إلى عودة المسئولين الحكوميين إلى الداخل لممارسة مهامهم، تحت وسم: #لالبقاء_الدولة_في_الخارج.     
 
ومؤخرا، مع تدهور العملة المحلية وهبوط قيمتها إلى مستويات دنيا غير مسبوقة، تجاوزت الـ(500) ريال للدولار الواحد، اضطر رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي إلى استدعاء كل من: وزير المالية أحمد عبيد الفضلي، ومحافظ البنك المركزي منصر القعيطي، ونائبه عباس الباشا، للحضور إلى الرياض، وثلاثتهم ظلوا يمارسون مهامهم اليومية من العاصمة الأردنية منذ تعيينهم في 18 سبتمبر 2016.
 


وفي الاجتماع الخاص الذي عقده معهم في 14 يناير الجاري، بمقر اقامته بالرياض، دعاهم رئيس الجمهورية إلى العودة إلى اليمن، مؤكدا لهم على "أهمية تعزيز العمل الميداني.."، وتوجيههم "بالإشراف المباشر على العمل المالي والمصرفي من العاصمة المؤقتة عدن بالتنسيق مع الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة...". حسبما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الحكومية (سبأ) عن اللقاء.
 
كما علم "يمن شباب نت"، من مصادر حكومية خاصة، أن ثمة تعديلا حكوميا يجرى الاعداد له على قدم وساق، وقد أصبح شبه جاهز، إلا أن توقيت إعلانه غير معلوم لتلك المصادر، لكنها رجحت أن يكون خلال أسابيع قليلة. وقد يطال التعديل رئيس الوزراء بن دغر نفسه. بحسب تلك المصادر التي تحدثت مع "يمن شباب نت" تحت شرط السرية.   
 
وضع العصي في عجلة الحكومة

ومع كل ما سبق من تمهيدات وإشارات تؤكد وجود رغبة في التغيير وإصلاح الاختلالات الحكومية السابقة، إلا أن التحدي الأمني الذي أطل مجددا بقرنية يبقى هو المحك القادم والقاتم أمام تلك الرغبة في استكمال حضور الدولة بشكل عملي ودائم في العاصمة المؤقتة عدن؛ برغم أن تعيين أحمد الميسري وزيرا للداخلية، منتصف هذا الشهر، يصب في اتجاه عزم الرئيس على فرض استتباب الأمن بعدن تمهيدا لعودة الحكومة إليها بحلة جديدة مؤثرة.  
 
ففي اليوم نفسه الذي احتفى فيه اليمنيون المناصرون للشرعية بإعلان حكومتهم أول موازنة لها للعام 2018، في 21 يناير الجاري، والكشف عن استعدادات لعقد أول جلسة لمجلس النواب في العاصمة المؤقتة عدن خلال الشهر القادم لمناقشة وإقرار تلك الموازنة، عقد "المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسة عيدروس الزبيدي اجتماعا في عدن تحت مسمى "قوات المقاومة الجنوبية"، صدر عنه بيانا تصعيديا ضد الحكومة الشرعية.
 
وطالب البيان من الرئيس هادي إسقاط حكومة بن دغر خلال مهلة حددها بأسبوع واحد مع إحالتها للمحاكمة، قبل أن تبدأ تلك القوات، طبقا للبيان، بتنفيذ إجراءاتها الميدانية لإسقاطها بالقوة واستبدالها بحكومة أخرى، معلنا في الوقت ذاته ما قال إنها "حالة طوارئ" في عدن.
 
والمح البيان إلى أن هذا المسمى الجديد (قوات المقاومة الجنوبية)، تعد بمثابة الذراع العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، حين أشار إلى أنها (أي تلك القوات)، ستكون "نواة الأساس لإعادة تأسيس المؤسستين الامنية والعسكرية الجنوبية".


 
ووصف مراقبون البيان بأنه دعوة للاقتتال الداخلي المسلح مع الحكومة الشرعية، من خلال دعوة ما تسمى "قوات المقاومة الجنوبية"، لـ"قواتها في عموم مناطق ومدن الجنوب الى الاستنفار التام والاستعداد لأي طارئ وتعزيز الجبهات الحدودية للدفاع عن الجنوب، وتأمين الأماكن الحيوية". كما جاء في البيان.
 
وفي السياق، صدر بيان آخر تحت اسم مكونات "المقاومة الجنوبية" أيضا، انتقد وهاجم بيان الزبيدي السابق، وأعتبره "تصعيد خطير قد يؤدي إلى تفجير الأوضاع وجر العاصمة عدن إلى دوامة صراع داخلي لن يستفيد منه إلا الانقلابيون الحوثيون في صنعاء"، محذرا- باسم المقاومة الجنوبية الواسعة: "من خطورة انزلاق الجنوب إلى صراع داخلي سيتحمل مسئوليته المجلس الانتقالي". حسب البيان الصادر في 22 يناير تحت توقيع قرابة 60 شخصية قيادية في المقاومة الجنوبية.
 
كما أن البيان الأخير، في الوقت الذي لفت فيه إلى أن "تزامن صدور هذا التصعيد من قبل قيادة المجلس الانتقالي ومكون (قوات المقاومة الجنوبية) بعد زيارة سفير المملكة العربية السعودية إلى العاصمة عدن مباشرة وتقديم الوديعة مِن قبل الأشقاء في المملكة لإيقاف تدهور العملة، يعد تصرفا غير حكيم ويرسل رسائل سلبية للتحالف العربي عن المقاومة الجنوبية"، فقد حذر من أن هذا "يفتح مجالا للإرهاب وعودة إنتاجه من جديد..."
 
 

وعلى نحو مشابهة، لكن أكثر توضيحا، يفسر البعض هذا التصعيد الذي يقوم به مجلس الزبيدي، في مثل هذا التوقيت عقب زيارة السفير السعودي الأخيرة إلى عدن، على أنه يستهدف توجه السعودية نحو إصلاح الاختلالات الحكومية حفاظا على وديعتها المالية من الانصراف لغير محلها، غير أن الإمارات، شريكتها الرئيسية في التحالف العربي، نظرت إلى  تلك الاصلاحات على أنها ستطال بالضرورة مصالحها الحيوية التي ظلت تخلقها وترعاها على مُكث طوال السنوات الثلاث الماضية من الحرب في المحافظات الجنوبية.
 
مخاوف التصعيد ومساراته القاتلة

وتفتح هذه البيانات والمواقف المتباينة وردود الفعل المتعارضة بين قوى المقاومة الجنوبية، الباب على مصراعيه أمام المخاوف المتصاعدة بشأن فرص انفجار الاقتتال الداخلي في الجنوب، بشكل حرب توكيلية جديدة، ستكون هذه المرة بين الوكلاء المحليين، في اليمن، لشريكي الحرب الرئيسيين من دول الخليج، بدلا من الحرب التوكيلية المستعرة في اليمن بين السعودية وإيران.
 
وتتعزز تلك المخاوف من خلال دعوة قوات المقاومة التابعة لعيدروس الزبيدي، القوات التابعة لها، إلى "الاستنفار التام، والاستعداد لأي طارئ وتعزيز الجبهات الحدودية للدفاع عن الجنوب، وتأمين الأماكن الحيوية"، وكذا دعوتها لـ"ضباط وجنود وقيادات جميع الوحدات العسكرية والأمنية الجنوبيين"..."لعدم الانصياع لأي أوامر من شأنها تفريق اللحمة الجنوبية أو مواجهة شعبنا أو سفك أي قطرة دم على أرض الجنوب". في إشارة إلى الأوامر التي قد تصدرها الحكومة الشرعية إلى الضباط وقادة الوحدات العسكرية والأمنية الجنوبية التابعة والمؤيدة لها.
 
في حين قابلتها قيادات المقاومة الجنوبية المناهضة للمجلس الانتقالي، بتأكيد "حرصها على تعزيز دور الدولة في حماية المنشآت والمؤسسات الحيوية لحفظ مصالح الشعب من أي اعتداء أو تخريب"، وهي إشارة واضحة إلى وقوفها إلى جانب الشرعية في مواجهة أي تحركات تخريبية واعتداءات على المنشآت والمؤسسات الحيوية الحكومية.
 
وحتى هذه اللحظة، فإن هذا الوضع التصعيدي المستحدث من شأنه أن يُعقد من قدرات الحكومة الشرعية في مواجهة التحدي الأمني، في الوقت الذي يضع التحالف العربي، وبشكل أكثر تحديدا المملكة السعودية، منكشفة على نحو أكبر وأكثر وضوحا، أمام إشكالية حقيقة لطالما ظلت تتجنب حلحلتها بحزم، فتضاعفت تكلفتها.  
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر