عائلة "صالح" والشرعية.. ضبابية تنقلهم لمعسكر ثالث

الظهور المفاجئ للعميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل، علي عبدالله صالح، وقائد حرسه، وإعلانه التمسّك بوصايا عمّه، فاقم من ضبابية موقف عائلة صالح حيال أزمة الشرعية بالبلاد.
 
ضبابية تتأتى من عدم توضيح طارق لموقفه لدى ظهوره، الخميس الماضي، بمدينة عتق بمحافظة شبوة (جنوب شرق)، ليؤدي واجب العزاء لأسرة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام، عارف الزوكا، الذي اغتيل مطلع ديسمبر/كانون أول الماضي، خلال انتفاضة صنعاء.
 
واكتفى طارق بالإعلان، في كلمة مقتضبة لدى وصوله المدينة، التزامه بـ"وصايا عمه بحذافيرها"، في إشارة إلى الخطاب الأخير لصالح الذي دعا فيه إلى الانتفاض ضد الحوثيين، و"فتح صفحة جديدة" مع دول الجوار والتحالف العربي.
 
** الحكومة اليمنية تطالب بـ"موقف واضح"

قبل ظهور طارق، لم يكن موضوع موقف عائلة الرئيس الراحل من أزمة الشرعية مطروحا، على الأقل بشكل سافر على طاولة نقاش الحكومة اليمنية.
 
استبعاد يجد تفسيره، وفق محللين، في انتشار أخبار تفيد بمقتل طارق مع عمه بمنزله، مطلع ديسمبر/كانون أول الماضي، علاوة على حملة التنكيل والقتل التي قادها الحوثيون، إثر ذلك، ضد كوادر حزب المؤتمر الذي كان يترأسه صالح؛ ما جعل ما تبقى من الحزب تقريبا خاضعا لسيطرة الحوثيين، أو فارا منهم خارج البلاد.
 
وبتعيين صادق أمين أبو رأس، خلفا لصالح، على رأس الحزب، في اجتماع يبدو أنه جرى تحت تهديد السلاح، وفق تقارير إعلامية، بدا من الواضح أن الحوثيين حسموا موقف شق من الحزب المنهك جراء تصفية قياداته ومطاردة ما تبقى منهم.
 
غير أن ظهور طارق صالح مع ما حمله من قراءات تلتقي جميعها عند طرح قائل بأن الرجل يسعى لتوحيد صفوف الحزب والموالين له من العسكريين، تمهيدا لعودة الاشتباكات من جديد مع الحوثيين، رسم البعض من ملامح المشهد المستقبلي القريب لصنعاء، وقد يكون الدافع الكامن وراء غضب الحكومة من عدم تحديد عائلة صالح لموقفها.
 
غير أن عدم الإفصاح بشكل مباشر عن ذلك، جعل التفسيرات والتأويلات لتصريحات طارق المقتضبة، تتخذ أكثى من معنى، وأكثر من تأويل.
وبخلاف طارق، لم يحدد العميد أحمد علي عبدالله صالح (النجل الأكبر للرئيس الراحل) وبقية أشقائه بعد موقفهم من شرعية الرئيس هادي، وما إذا كانوا سيواجهون الحوثيين تحت لواء القوات الحكومية أم لا.
 
واكتفى أحمد، في بيان نعي والده، بالحديث عن مناقبه فقط والتأكيد على الأخذ بثأره دون التطرق إلى مستقبلهم السياسي، رغم غزل رئيس الحكومة به والإعلان بأن "أحمد صالح مننا وفينا وعفى الله عما سلف"، في إشارة لطي خلافات الماضي.
 
وفي تصريحات لاحقة على تصريح طارق صالح، دعا رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، ووزير الخارجية عبدالملك المخلافي، السبت الماضي، عائلة صالح وأنصارهم في حزب المؤتمر، بتحديد مواقعهم، بين الوقوف ضد الحوثيين والانضواء تحت لواء "الشرعية" المدعومة من التحالف العربي، أو البقاء مع الحوثيين.
 
بن دغر، قال في تغريدات عبر "تويتر"، إن "الالتحاق بصفوف الشرعية الدستورية المنتخبة من الشعب والمسنودة بالتحالف العربي والقرارات الدولية، هو المسار الصحيح لاستعادة الدولة، والحفاظ على الجمهورية والوحدة"، في دعوة ضمنية لعائلة صالح وما تبقى من أنصار صالح.
 
وأشار إلى أن قتال الحوثيين تحت لواء الشرعية "هو التوجه الوطني الحقيقي لمواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران"، لافتا أن "غير ذلك هو تكرار للخطأ، بل الوقوع في الخطيئة".
 
وتابع أنه "لا توجد منطقة وسطى بين أن تكون جمهوريا وحدويا من ناحية، وبين أن تكون إمامياً (في إشارة للحوثيين) من ناحية أخرى؛ فالمبادئ ليست قابلة للتقسيم"، في تلميح إلى تصريحات طارق صالح الذي حدد "تحيا الجمهورية اليمنية"، شعارا للانتفاضة ضد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو الشعار الذي كرره المحتفلون بظهوره في شبوة، حسب فيديو قصير نشره نشطاء حزب المؤتمر.
 
وخاطب بن دغر عائلة صالح بقوله: "إما أن تكونوا ضد الحوثيين أو معهم (..) و إذا قلتم ضد الحوثيين، فما الذي يمنعكم أن تنضموا للشعب المقاتل، خاصة وقد قتل الحوثيين أفضلكم (في إشارة إلى الرئيس السابق صالح)؟".
 
** ضد الحوثيين دون الاعتراف بالشرعية
 
يرجح مراقبون أن تكون عائلة صالح وقيادات حزب المؤتمر المتواجدة في القاهرة وأبوظبي، تسعى للإبقاء على نهج الرئيس السابق، وذلك بقتال الحوثيين، لكن دون الاعتراف بشرعية هادي، وهو الشق الذي يلتقون فيه حتى الآن، مع جماعة الحوثي.
 
نهج يضع العائلة والحزب ضمن معسكر ثالث رافض، في الآن نفسه، للحوثيين، دون الانخراط في صفوف الحكومة الشرعية بقيادة عبدربه منصور، في قتال الميليشيا المدعومة من إيران.
 
تموقع اعتقد المطّلعون على الشأن اليمني أن أحداث ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومقتل صالح بتلك الطريقة البشعة، والتنكيل بقيادات الحزب من بعده، سيدفع بالأخير -آليا- نحو صفّ الشرعية، وهو ما لم يحدث حتى عقب الظهور اللافت لطارق صالح.
 
غموض لم يستفز رئيس الحكومة اليمنية لوحده، وإنما انضم إليه أيضا وزير الخارجية، عبدالملك المخلافي، الذي دعا أنصار حزب المؤتمر، إلى التخلص من إرث الرئيس السابق، والاعتراف بشرعية هادي.
 
واعتبر المخلافي، في سلسلة تغريدات على تويتر، أن الشرعية "هي الطريق الوحيد لاستعادة الدولة، والقضاء على سلطات الأمر الواقع التي تمزق اليمن، والحفاظ على البلد موحدا".
 
كما رأى أن الشرعية التي يدعمها التحالف العربي منذ 3 سنوات، "هي الطريق الأوحد لسلام حقيقي على أساس المرجعيات الثلاث التي تنص جميعها على الشرعيّة"، مشيرا أن "من يقول إنه ضد الحوثي ولا يعترف بالشرعية ويعمل في إطارها، فهو يخدم الانقلاب مهما ادّعى".
 
وتطرق المخلافي إلى حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه صالح، وذكر أنه بعد ثورة 2011 (ثورة الشباب اليمنية)، حصل الموتمر على فرصة لم يحصل عليها أي حزب حاكم في بلدان الربيع العربي"، في إشارة إلى موجة الثورات التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية قبل 7 سنوات، بينهم نظام صالح.
 
** المؤتمر.. استقطاب ثلاثي يفاقم انقسامه
 
المخلافي أشار إلى أن حزب المؤتمر "لم يخسر من سلطته سوى نصف الوزراء وبقي الرئيس الجديد منه (هادي) والمحافظون وجميع مفاصل السلطة وقدراتها بيده، لكن تمسكه بصالح (الذي) حمّله ثّقالة أوصلته وأوصلت البلاد إلى ما وصل إليه".
 
وتابع: "بعد مقتل صالح من قبل الحوثيين، شركاؤه السابقون، تخلص المؤتمر من ثقّالة صالح وولدت أمامه فرصة جديدة؛ إذ فتحت الشرعية ذراعيها له رغم كل ماقام به"، في إشارة إلى تحالف صالح مع الحوثيين في الانقلاب على السلطة واجتياح العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية.
 
تغريدات لم تخرج في مضمونها، عن مساعي الرئيس هادي لاحتواء قيادات من المؤتمر في صف الشرعية بحيث يكون هو رئيسا للحزب؛ ما قد يمهد لتوحيد صفوف الحزب المنقسم لأكثر من شق.
 
فمنذ مقتل صالح على أيدي الحوثيين، انقسم الجزب الذي أسسه في 1982، لأكثر من شق؛ حيث شكل عدد من قياداته نسخة مقرّبة للحوثيين في العاصمة صنعاء، واختارت صادق أمين أبو رأس، رئيسا للحزب.
 
وبالتوازي مع ذلك، تسعى قيادات أخرى من الحزب، بينها نجل صالح، أحمد علي عبدالله صالح، وأنجال أشقاء صالح، لتأسيس جناح ثالث يناهض الحوثيين، لكنه لا يوالي الشرعية، وتتواجد أغلب قيادات هذا الطرف في القاهرة وأبوظبي.
 
انقسام يفتح المشهد اليمني المقبل على أكثر من سيناريو، غير أن كلمة الفصل في تحديد معسكرات القتال، ستكون، بديهيا، بين أيدي التحالف العربي، وفق مراقبين ممن يرجحون أن موقف الأخير سيكون المحدد للأزمة اليمنية بالأيام المقبلة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر