مجزرة تعز.. "وحيد" طفل السادسة عاش بلا أب.. ورحلَ بنصف رأس ورفيقين ممزقين مثله

[ مجزرة مروعة أخرى ارتكبتها ميليشيات الانقلاب في حق الطفولة بمدينة تعز (15 سبتمبر/أيلول) ]

 وحيد مختار (6 أعوام)، كان له من أسمه الثنائي نصيب وافر؛ فهو (وحيد) إذ عاش يتيما بلا أب، وأم بعيدة تركته لمصيره بعد رحيل أبيه؛ وعصر الجمعة الفائتة فقط (اختارته) قذيفة مجنونة، مع أثنين من رفاقه، فيما أبقت على عشرة أخرين يكابدون جراحهم.

  الجمعة الماضية، 15 سبتمبر/أيلول، كان "وحيد" – كعادته -يحاول قتل وحدته وأحزانه باللعب مع رفاقه وسط حيهم في "شعب الدباء" بحوض الأشراف - شرقي مدينة تعز. وعلى غير موعد - كالعادة أيضا - أرسلت ميليشيا الانقلاب هديتها القاتلة لتحيل نشوة ومرح الطفولة إلى حزن ومأساة أليمة.

وربما قرر وحيد ذات يوم اللحاق بأبيه الذي افتقد حنانه باكرا، لكنه بالتأكيد لم يكن ليفكر أن يأتيه على هذه الهيئة المأساوية، هكذا بنصف رأس وبقايا جسد طفولي مزقته الشظايا إلى أشلاء.

 مجزرة مروعة
 "محمد خالد"، شاب من الحي، روى لـ"يمن شباب نت" بعض تفاصيل تلك المجزرة المروعة، التي وصفها بالمشهد "البشع والوحشي والإجرامي"، ضمن مسلسل الجرائم التي ترتكبها المليشيات الانقلابية بحق الابرياء والاطفال من المدنيين.

 يقول محمد: "كان الأطفال يلعبون كعادتهم جوار المنزل الذي سقطت عليه القذيفة، وعند الساعة الخامسة مساءً سقطت قذيفة على ركن المنزل فتناثرت الشظايا، مع أحجار الرخام، على رؤوس الأطفال، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهم على الفور، أحدهم كان "وحيد"، فيما أصيب البقية بجروح في الأرجل والأقدام والرأس والبطن نتيجة شظايا القذيفة".

 المنزل الذي سقطت عليه القذيفة تعرض لأضرار مادية فقط ولم يتعرض أحد من سكانه لأي أذى. بحسب محمد الذي يواصل روايته تلك اللحظات المأساوية لـ"يمن شباب نت"، قائلا: "وعندما ذهبنا على الفور إلى المكان لإنقاذ وإسعاف الأطفال، وجدنا أولئك الذي فارقوا الحياة بنصف رأس والدماغ والمخ قد اختلطت بالتراب".

"أم نائل": سجلته هذا العام في أول إبتدائي 
كانت الدموع هي التعبير القسري الذي يسبق حديث "أم نائل"، التي ما أن يُذكر لها اسم "وحيد"، حتى تجهش بالبكاء لشدة وجعها ولوعتها على حفيدها الصغير الذي فقدته لتوها.

بعد أن توفي والده، وتزوجت والدته، أنتقل الطفل "وحيد" للحياة في كنف جدته لأبيه، "أم نائل"، التي تكفلت بتربيته منذ الصغر. وهذا العام، كان وحيد على وشك أن ينتقل إلى تجربة جديدة من حياته بالانخراط في أول سنة دراسية.

تحدثك الجدة عن حفيدها بوجع الأم الثكلى، وبين الحين والأخر ترفع كفا مرتعشة إلى خديها لتكفكف دموعها الحارة.

"سجلته هذا العام في صف أول ابتدائي"، تتوقف هنيهة، تجول بذاكرتها إلى الأيام الخوالي، تشرد عن السياق وتقول بحرقة: "كان لي ضوء وحياة في البيت".

 كان "وحيد"، المعروف لدى أبناء الحي بأخلاقه الرائعة رغم صغر سنه، يستعد بفرحة وشوق كبيرين لاستقبال أول عام دراسي، حيث يبدأ الطفل بشق طريقه نحو المستقبل، ذلك الذي لم تمهله قذيفة ميليشيات الانقلاب من ولوج أول عتباته لتحرمه من أحلامه وطموحاته.

ترفع "أم نائل" مجددا كفها المرتعشة لتكفكف دموعها، قبل أن تطلق تساؤلاتها الموجعة: "ما ذنبنا نحن وأطفالنا كي نُقصف ونتعرض للقنص يومياً وليس ثمة مجيب أو رادع..!!"..وبإيمان راسخ تستدرك سريعا: "لكن ليس معنا سوى الله، هو من سينتقم لنا منهم، وهو وحده من سينصرنا على مثل هؤلاء المجرمين".
 
عين الإنسانية عمياء في "تعز"
  استقبل مستشفى الثورة بتعز، مساء الجمعة جثث متفحمة وممزقة بطريقه وحشية لأطفال بعمر الزهور تعرضوا للقصف من قبل المليشيات الانقلابية. حسب ما أكد لنا الدكتور ياسر مارش، رئيس قسم الباطنية بالمستشفى، متحدثا لـ"يمن شباب نت" عن ضحايا المجزرة التي استقبلها المستشفى.

"كان يوما داميا شهدته مدينة تعز، بكل معاني الكلمة"، أضاف الدكتور مارش، ثم استدرك بحرقة شديدة: "لا ينبغي السكوت أو الصمت عن تلك الجرائم البشعة بحق الطفولة والمدنيين التي استمرأت تلك الميليشيات إرتكابها".

وحيث أعرب عن استغرابه "من هذا الصمت الدولي والأممي، وأيضا الحكومي ازاء كل تلك الجرائم التي ترتكبها الميليشيات بتعز"، عاد وشدد على ضرورة "معاقبة ومحاسبة مرتكبيها وردعهم، انتصاراً لحقوق الأبرياء من المدنيين، وللمدينة التي تغاضى عن نصرتها الأخرون". 

ودأبت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح، الانقلابية، طول الفترة الماضية من بداية حربها على محافظة تعز، على استخدام أسلوب القصف المدفعي على الأحياء السكنية بصورة شبه مستمرة وبطريقة ممنهجة بهدف إرعاب سكان المدينة لإبقائهم في خوف دائم، انتقاما منهم على رفضهم لها منذ وطأة قدميها الموغلتين بالدماء هذه المحافظة، قبل أكثر من عامين ونصف.

وتشير إحصائيات حقوقية إلى أن حصيلة الضحايا من الأطفال وصل إلى (670) قتيلاً، و (1300) جريحا، نتيجة القصف الممنهج لمليشيا الحوثي والمخلوع على تعز خلال العامين ونصف الماضية.

  لكن المفارقة هنا تكمن في أن "وحيد"، الذي عاش خريف طفولته وحيدا، بلا والدين، لم يكن وحيدا حين غادر هذه الحياة القاسية – بحربها الظالمة - على الطفولة، إذ كان هذه المرة مع أثنين من أصدقائه الأوفياء، هما: "حمود مراد الصلوي (7 سنوات)؛ وصارم سمير الجبل (8 سنوات)، اللذين رافقاه إلى السماء، أيضا، بجسدين ممزقين مثله..

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر