كيف تدفعنا الخرافات للإيمان بها رغم عدم منطقيتها؟

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1896، قالت مجلة Popular Science عن "خرافة غريبة يتداولها الشباب" إنها سخافات.

 

تقول الخرافة: "إذا وضع شخص لسان ثعبان على كف يده -تحت القفاز- فإنه سيجعل أي فتاة، بغض النظر عن لا مبالاتها السابقة، تبادله الحب، فقط إذا تمكن هو من الإمساك بيدها".

 

يشرح موقع موسوعة الخرافات Encyclopedia of Superstitions، أنه على مر التاريخ كان الناس منغمسون في الخرافات الغريبة. مثل خرافة إخبار النحل بحدوث وفاة داخل الأسرة، "أو بأنهم سيموتون أو سيرحلون".

 

في عام 1888، أعادت الـ"واشنطن بوست" نشر خبر عن "خرافة غريبة" انتشرت في لندن، وهي أنه "لن يكون الزواج سعيداً إلا إذا أخذت العروس شعرة من كل فرد من أفراد أسرتها وخاطته في بطانة ثوب زفافها"، كما يقول الخبر.

 

هذه الأمثلة عتيقة بالطبع، ولكن هل هم حقاً أكثر غرابة من مشجعي فريق Cubs الذين يؤدون اليوم استعراضات مع فريقهم في بطولة العالم للمرة الأولى منذ الأربعينات؟ اقرأ هذه القصة:

 

ذكرت صحيفة شيكاغو صن تايمز The Chicago Sun-Times، أن أحد المشجعين -يبلغ من العمر 29 عاماً- يرفض أحياناً أن يحك جسده في أثناء المباريات، خوفاً من أن يتسبب هذا في خسارة فريق Cubs.

 

في حين تحدثت صحيفة The Aurora Beacon-News بولاية إلينوي عن إحدى العائلات التي "لا تغسل قمصان الفريق المتسخة في أثناء المباريات حتى يخسر الفريق، وعندها فقط يغسلون سوء الحظ".

 

تحدثت مجلة ساينتفيك أميركان Scientific American إلى أحد المشجعين ويبلغ من العمر 66 عاماً، يقوم بتحريك يديه بشكل طقوسي مع زوجته والمشجعين الآخرين قبل بدء المباريات.

 

يذكر أيضاً أن عدداً كبيراً من المشجعين يعتقدون أن سبب عدم فوز فريقهم خلال كل تلك العقود هو خرافة، تقول بأنه عندما طُردت عنزة من ملعبهم عام 1945، قام صاحبها بلعن الفريق.

 

 

الخرافات عالمية ولا يوجد أحد بمأمن منها

تقول جين رايزن، عالمة النفس من مدرسة إدارة الأعمال في شيكاغو والتي درست الخرافات والإيمان بالسحر: "حتى الأشخاص الأذكياء والمتعلمون والمستقرون عاطفياً يؤمنون بالخرافات التي يُدركون أنها ليست عقلانية".

 

يبدو الأمر متناقضاً مع كوننا أشخاصاً أذكياء ومع ذلك نستسلم للخرافات. لكن هذا ليس صحيحاً، في الواقع يكشف هذا عن صراع أساسي بين طريقتين تفكر بهما عقولنا.

 

 

لماذا يقع البشر عرضة للأفكار الخرافية؟

عام 2013، نشر دانييل كانيمان، عالم النفس، كتاباً بعنوان "التفكير السريع والبطيء"، زاد من شعبية إحدى النظريات التي تزداد نمواً في علم النفس. تُحدد النظرية قناتين أو نظامين رئيسيين نفكر بهما، وكيف أن طريقة تفاعلهما معاً يمكن أن تفسر نشأة الأفكار الخرافية وبقاءها معنا.

 

الطريقة الأولى، وتُدعى النظام 1، تُمثل ردود فعلنا الغريزية الفورية للعالم، وهي الجزء من دماغنا الذي يفكر بصورة نمطية ويصدر أحكاماً سريعة. في حالة الخرافات، يقوم النظام 1 بـ:

 

A) محاولة العثور على مسببات ونتائج بسيطة لفهم العالم.

يجعلنا نفكر في أشياء مثل: كنت أرتدي هذا القميص عندما فاز فريق Cubs آخر مرة، لذا عليّ ارتداؤه مجدداً.

 

B) يتوسل لنا ألا نتحدى القدر.

يجيد النظام 1 التوصل لأسوأ سيناريو محتمل لأفعالنا، وهو حساس جداً للسخرية. تشرح رايزن في بحثها: "يذكر الناس أن الشخص يكون أكثر عرضة لعدم القبول في جامعته المُفضلة إذا كان يرتدي قميص هذه الجامعة التي ينتظر ردها".

 

في حالة فريق Cubs، سيفكر الشخص الذي يؤمن بالخرافات هكذا: المرة التي لن أرتدي فيها القميص سيخسر الفريق بالتأكيد.

 

C) يتغذى على التأكيدات المتحيزة.

تقول رايزن: "عندما يتأمل الناس أفكارهم الخرافية، فعلى الأرجح يقومون بشكل تلقائي باسترجاع أمثلة من ذاكرتهم تدعم هذه الأفكار".

تؤدي التأكيدات المتحيزة إلى تشغيل دورة تُقوي تلك الخرافات: فاز فريق Cubs لأنني ارتديت القميص. إنه سحر.

النظام 2 هو الدماغ العقلاني الأكثر بطئاً والذي يستند أكثر إلى الحقائق المطلقة.

يتدخل النظام 2 ليخبرنا: لا تكن غبياً، القمصان القديمة المهلهلة لا تُسبب الفوز؛ بل اللاعبون هم من يفعلون ذلك. وأنت لست لاعباً. لست حتى قريباً من أن تكون لاعباً.

 

 

تقول رايزن في ورقة مراجعة أكاديمية، إن الأمر هو أننا كثيراً ما نتعمد تجاهل النظام 2، وهكذا، نستسلم للخرافات حتى ونحن نعلم أنها غير منطقية. وهناك أبحاث -ومنطق عام- يدعم هذه النظرية.

إليك مثال واضح: في إحدى الدراسات كان المشاركون يرمون السهام على لوحة، ويكافَئون على دقتهم في إصابة نقطة المنتصف.

 

وجد الباحثون أنه حتى مع وجود مكافأة، كان المشاركون أقل دقة في رمي السهام عندما كانت هناك صورة طفل على لوحة الرمي، بالمقارنة مع دقتهم عندما كانت هناك صورة لأدولف هتلر. بالطبع، لم تكن السهام لتسبب ضرراً لأي منهم. ولكن من الصعب ألا نكون خرافيين في هذا الموضوع.

 

 

نستسلم للنظام 1 وننغمس في الخرافات

في بحث رايزن، غالباً ما "نرضخ" -أو نستسلم للتفكير بالنظام 1- حتى ونحن نعلم أن الأمر غير عقلاني، لأسباب بسيطة، ألا وهي:

عادة ما يكون الانغماس في الخرافات غير مُكلف (ربما يكون عدم غسل القميص أمراً مقززاً، ولكنه غير مكلف)، بينما تكلفة خسارة المباراة مروعة. لذا، لماذا لا نُبقي هذا القميص دون غسله؟ ماذا سنخسر؟

كتبت رايزن: "حتى الأشخاص الذين يقولون إنه لا يمكن لتعويذة سحرية أن تسبب ضرراً ما، يكونون أقل استعداداً للسماح للمجربين بإلقاء تعويذة سحرية إذا كانوا معرضين للخطر مما لو كان آخر أقل قيمة هو المُعرض للخطر".

الأمر الآخر هو أنه إذا كان من السهل حقاً أن نتصور حدوث شيء سيئ، من الصعب تجاهل الخرافات. ينطبق هذا بشكل خاص في حالة فريق Cubs: لم يصل الفريق أبداً لبطولة العالم، ولم يفز منذ أكثر من 100 سنة، من السهل حقاً تصوره يخسر. وهذا يجعل من الصعب ألا نستسلم للخرافات.

هناك نظرية أخرى عن سبب دوام الخرافات على الرغم من كوننا نعرف أفضل: إنها تريحنا. وتجعلنا نشعر بأن لدينا بعض السيطرة على هذا العالم الفوضوي، حتى لو كانت أفعالنا بلا معنى. عندما يكون عدد الأشياء التي يُمكن التنبؤ بها في العالم قليلاً جداً، فهي راحة لا تقاوم. الخرافات لا تجعلنا أغبياء، ولكنها تجعلنا بشراً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر