الإحساس بالمتغيرات


هناء ذيبان

في المتغيرات القوية، التي تكسر حاجز كل الثوابت والأشياء الهادئة والمعتادة، تشعر أنك أبطأ كثيراً من متابعة ما يجري، وملاحقة هذا التفوق السريع للأحداث المتغيرة.
 
ربما هي سمة الحياة، التي اعتادت دون أن تتوقف أمامها على قص وانتزاع جميع الإشارات، بحدود طاقة نمتلكها، ونبتهج من أجلها إن استطعنا حصر بعض هذه المتغيرات، أو الوقوف أمامها...
 
لكن؛ دائماً تظل كما هي، تركيبة الإحساس الداخلي، متواطئاً مع أطر الاطمئنان في كل ما يقال لك، أو تحاول أن تفعله، أو سيصل إليك...
 
في الحياة اليومية، تتحرك داخل ما يتراءى لك كل يوم أنه المفترض عند البعض، والأصوب عند البعض الآخر، والطبيعي لدى آخرين...
 
تتغير الأشياء، نعم، ولكن يظل الواقع قائماً، نحاصر المتغيرات، وتبدو هي مصدر التنكيد ونهر الألم. ومع ذلك يحاول من اعتاد على البلادة أن يسمي كثيراً من الأمور بغير مسمياتها! بل وقد يعتبر ما يجري تقاطعا عابرا فقط، لا ينبغي الاهتمام به، أو التوقف أمامه، أو إعطاؤه الحجم المطلوب...
 
وهناك الطرف الأخر، الذي يرى أن هذه المتغيرات تدفعنا إلى الزوايا البعيدة، والنائية أحياناً؛ تفتح أمامنا المواجهات المفتوحة مع الآخر؛ تكرس كلّ ما مضى، وما كنا نعتقد أنه ثابت وحقيقي سيظل وسيسجل في منطق الوهم، وسيقفل بامتياز حدود تلك المناطق الآمنة التي لم تغير ذاتها منذ سنوات، والتي تبلور معها، من فيها، واعتادوا داخلها على برودة طقسها، وأحياناً غرابة ما يجري داخلها، وشدة ميله إلى ما ينبغي التعامل معه...
 
تتغير الملامح، فتشعر أنك عاجز تماماً عن معايشة ما استجد حولك، ربما قسرياً...! وربما لأنك لم تتهيأ لذلك...! أو تنخرط في فهم قواعده وأصوله...!
 
لا تعتقد أن المتغيرات هي كارثة بكل الأحوال، أو بؤس، أو ورطة لا يمكن الخروج منها، أو التحرك في نفق يدفع للهروب بعيداً عنها...!
 وفي المقابل أيضا؛ لا تعتقد أن المتغيرات هي التحرك نحو الأفضل، وهي الواقع الجديد الذي لم تعشه ذات يوم، وهي العالم الحقيقي الذي لابد أن تتوائم معه كحاجة مستجدة لتضمن إحساسك بأنك سويّ وإيجابي وبإمكانك أن تطوي الصفحات القديمة، وتستفيق على صفحات جديدة يعانقها الضوء وتنكسر عليها الكثير من فرص الحياة...!
 
في الإحساس بالمتغيرات؛ تظل الأمور أعقد مما يمكن استيعابه آنياً، وتظل الأمور غير خاضعة لمسألة: أن تقبل، أو ترفض، أو تغادر أو تبقى...، لأن ما يفد فجأة، دون تهيؤ، لا يقتصر مداه على لحظتك، بل قد يمتد إلى أزمنة قادمة، يرتبط فيها الفهم بقدرتك على الاستيعاب أولاً، ومن ثم الوعي الذي قد يساعد على الوقوف وليس المشي!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر