ثلاثة أعوام مضت على انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي، في 26 مارس 2015، لتحقيق جملة من الأهداف أبرزها: دعم الحكومة الشرعية لاستعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء الانقلاب الذي قام به الحوثيون، إضافة لأهداف أخرى تتعلق بتدمير الصواريخ الباليستية، وتأمين الحدود السعودية، لكن وبعد ثلاث سنوات يتساءل اليمنيون عما أنجزه التحالف من أهداف خلال هذه الفترة.
 
من الملاحظ وجود بون شاسع، بين ما أعلنه التحالف العربي من أهداف قبل ثلاث سنوات، تنص على إعادة السلطة الشرعية وإنهاء الانقلاب، وبين مايقوم به التحالف على أرض الواقع اليوم، من تقويض ممنهج للشرعية، ودعم كيانات عسكرية وسياسية ذات نزعة انفصالية، فضلا عن ممارسة الوصاية على معظم المناطق المحررة من قبضة الحوثيين، وهذه المعادلة المتناقضة تقودنا للحديث عن الهدف الحقيقي من إطلاق التحالف العربي لعملياته العسكرية في اليمن، واستخدام ورقة الشرعية كغطاء شرعي لتحقيق مآرب أخرى.
 
في 12 مارس 2015، أي قبل 14 يوما من بدء عاصفة الحزم، قام الحوثيون بمناورة عسكرية كبيرة في منطقة البقع قرب الحدود السعودية، في مناورة هي الأولى من نوعها، وكانت رسالة إيرانية واضحة كان الحوثيون فيها مجرد أداة تنفيذ لا أكثر، وهذه المناورة شكّلت هاجسا مؤرقا للسعودية، وكان لابد من التصدي لها باستخدام طرق قانونية، لاتضعها تحت طائلة المساءلة والضغوطات الدولية، ووجدت السعودية في الشرعية المنهكة، ورقة رابحة للتدخل لحماية حدودها، وهو الهدف الرئيس، مستخدمة في ذلك أهداف معلنة، كإعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.
 
وكان من البديهي أن يرحب الكثير من اليمنيين بهذا التدخل العسكري الذي جاء لتخليصهم من بطش عصابة إجرامية بلغت ذروتها في القمع والإرهاب، خاصة وأن هذا التدخل جاء بطلب من السلطة الشرعية، ولتحقيق أهداف لطالما تطلع اليمنيون كثيرا لتحقيقها، كان الترحيب حاضرا أكثر من مسألة الغوص في النوايا، التي لم تصمد أمام أكثر من موقف، وأكبر من الحديث عن بناء الثقة، التي تتهاوى يوما بعد آخر.
 
خلال ثلاث سنوات، نجح الجيش الوطني في تحرير عدة محافظات من قبضة الحوثيين، بإسناد جوي ودعم كبير من التحالف العربي، لكن هذه المناطق المحررة تعرضت لوصاية من نوع آخر، ولم تعد إلى حضن الشرعية، لتمارس مهامها من داخلها، بل أصبحت خاضعة لتشكيلات عسكرية تتلقى أوامرها من دول التحالف العربي، دولة الإمارات تحديدا، وعملت الإمارات من خلال هذه التشكيلات على مضايقة السلطة الشرعية والتحريض عليها، ومنعت الرئيس اليمني من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، لممارسة مهامه، وهو ما يعني أن المناطق المحررة، أضحت في قبضة ميليشيات لا تختلف عن ميليشيا الحوثي في نزعتها الانقلابية، وعرقلتها لمؤسسات الدولة.
 
خلال ثلاث سنوات من الحرب، تعرضت الشرعية للتقويض والمحاربة بدلا من إعادتها، لترتفع بذلك أسهم صمود الحوثيين كقوة فرضت نفسها في الملعب السياسي والميداني، بسبب فشل التحالف في إدارة المعركة، وتوجهه لتحقيق أهداف لاتخدم إنهاء الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية، فبدلا من تحرير المدن، أصبح التحالف يمنع تحررها تحت حجج واهية، وكمثال على ذلك مدينة تعز، التي تتعرض لحرب وحصار من الانقلابيين، ولمؤامرة خارجية يقودها التحالف العربي، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، من أجل استنزاف الجيش الوطني من جهة، واستخدام معاناة المدينة كورقة رابحة في أروقة المنظمات الحقوقية.
 
لقد أخفق التحالف العربي، وفشل فشلا ذريعا في إدارة المعركة، بعد انحرافه عن الأهداف الرئيسية التي أعلنها، وهي إعادة شرعية الدولة وإنهاء الانقلاب، إلى أهداف قديمة تتلخص في محاربة التيار الإسلامي، ووأد الثورة اليمنية، وإعادة إنتاج النظام القديم من خلال الثورة المضادة، وهذه الأهداف المدعومة من السعودية والإمارات، جرى تحقيق بعضها، من خلال الانقلاب الحوثي، وتشجيعه لمواجهة حزب الإصلاح المحسوب على التيار الإسلامي، إذ كان الهدف من انقلاب 2014، هو ضرب الحوثيين بالإصلاحيين للتخلص من الطرفين، لكن سياسة حزب الإصلاح التي قررت الانسحاب وعدم المواجهة أفشلت المخطط، واليوم يتم إحياء هذا المخطط بطريقة أكثر تلائما مع واقع الحرب.
 
إن من يدقق النظر بعين مجردة من الأحكام المسبقة، يجد أن التحالف أخفق كثيرا خلال الحرب، وأطلق النار على قدميه كثيرا، ففي الملف العسكري نجد أن المناطق المحررة تخضع لتشكيلات مسلحة تتبع الإمارات، وتعادي الشرعية، كما تبرز مسألة الغارات المتعمدة ضد المدنيين وتكررها، وعدم محاسبة المتورطين فيها، كمؤشر خطير يعكس استهتار التحالف بدماء اليمنيين، وعدم جديته في صيانتها كما يدعي.
 
أما سياسيا فنجد أن القرار السياسي يخضع بصورة كبيرة للتوافقات والضغوطات الخارجية، وغير مستقل كما يجب، أمنياً، نجد أن الانفلات الأمني أصبح أمرا اعتياديا في المناطق المحررة، مع تنامي حملة الاغتيالات الممنهجة بحق الشخصيات الدينية، والسياسية، وفي الجانب الاقتصادي، نجد أيضا أن التدهور الاقتصادي يتزايد يوما بعد آخر، في ظل الهيمنة الإماراتية، التي منعت الدولة من تفعيل المنشآت الحيوية والنفطية، وتحريك عجلة الاقتصاد، وهو ما ينذر بمستقبل أكثر قتامة حال تواصلت هذه الاستراتيجية التي تهدف لإطالة الحرب بدلا من حسمها.
 
ختاما، كيف يمكن للتحالف العربي أن يخاطب اليمنيين، بعد ثلاث سنوات، بصورة متكررة عن دعمه لتطلعاتهم ووقوفه إلى جانبهم، فيما هو يمارس الوصاية على الأرض، ويقوض شرعية الشعب، بصورة تتماهى مع سياسة الحوثيين في فرض لغة القوة على حساب شرعية الدولة ومؤسساتها؟

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر