بغياب الدولة تنشأ العصبيات كملاذ أخير للحماية، هذا ما نعيشه اليوم، وجبل عليه اليمن: اللادولة، والعصبيات ضامنة المصالح والحماية.
 
كثيرا ما تفاخر اليمنيون بحضاراتهم ودويلاتهم القديمة، وإن كان هذا التفاخر لم يتعدى الاطناب الخطابي شبه الرسمي والأناشيد الوطنية، سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. لكن أحدا لم يشرح لنا، بالتفصيل، نمط الحكم في الدول اليمنية قديما؟ ومدى توفر إرث بيروقراطي حاكم ينسجم مع أساطيرنا الرومانسية عن حضاراتنا القديمة؟
 
ما أعرفه، واقترح على الضالعين في التاريخ مراجعتنا فيه وإثراءه بما لديهم، أن الدويلات اليمنية القديمة هي محض أحلاف قبلية عصبية، كانت تنشأ، بين حين وآخر بغرض التظافر للحماية. وهي حالة شبيهة بما يعرف بـ"النكف" القبلي، الذي ما زال قائماً إلى اليوم، مع فارق أن القبائل المتحالفة قديما، كانت تختار ملكا تتوافق عليه لقيادتها.
 
وبناءا عليه، فالدولة مشروع قبلي للغزو، أو لصد الغزو، والملك، هو حامي مصالح القبائل، راعي التوفيقات، والمحكم في النزاعات، ورمز السيادة والقوة.
 
وهذه الطبيعة ربما جعلت بلدنا مقسماً في غالب الحقب. فالنزاعات البينية لم تسمح بنشوء دولة يمنية موحدة إلا فيما ندر، وعلى هذا ظلّت القبيلة هي القاعدة، والدولة بنت الحاجة الآنية، والاستثناء الشاذ!.
 
على أن القياس ليس حكرا على تاريخنا القديم الغامض والمجهول. فتاريخنا المعاصر والمنظور شاهد على تجارب السلطات اليمنية المتعاقبة القائمة على العصبيات منذ الستينيات والى اليوم شمالاً وجنوباً.
 
لذا، ونحن نشهد ازدهار العصبيات الجهوية والمناطقية والقبلية والحزبية في اليمن، علينا ألا نستغرب هذا الاعتساف النخبوي القاسي لشروط انتصار الدولة والمجتمع؛ بل وحتى لشروط انتصار الكيانات والمشاريع، أيً كانت، ما دامت الثقة مقدمة على الكفاءة، وصناعة الأنصار أهم من الانتصار للدولة.
 
وتعز اليوم، المتخمة بمفردات التميز والريادة، ليست استثناءاً في لجوء ساستها ونخبها وغالب ابنائها للعصبيات، ملاذاً للمصالح والحماية، بدلا من لجوئها للدولة. تعز التي لا تمتلك إرثا لإدارة هذا النوع من التناقضات، تعيش حالة مسرحية ودرامية في آن، فتعز التي تهتف للدولة، ذاتها التي تنقاد للعصب واللوبيات والشلل.
 
إن النفاق أضر بصاحبه من غيره. وليست "كبر مقتاً" بأثقل من "كبر عجزاً وفشلاً".
وما دامت الهويات الصغيرة، والولاءات الخاصة، هي من تصنع القادة وتمنح الفرص، وتمكن الأشخاص، فإن الفشل ليس حظنا من الدولة والحرب التي تخوضها باسم بنائها أو استعادتها، فحسب؛ بل حظنا من الحياة والأمل الذي عقرته مؤامراتنا على عقولنا وأخلاقنا وشعاراتنا النبيلة.


*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

اقراء أيضاً

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر