دعوةٌ لإحياء تعز


محمد علي محروس

ليس من الضروري أن نخوض في مخاضات التحرير العسيرة لمحافظة ذات أبعاد استراتيجية على مستوى الخارطة اليمنية، ما جعلها محل أطماع المد الحوثي منذ البداية، وموقع اهتمام للتحالف العربي الداعم للشرعية؛ الذي يراهن عليها كمستنقع استنزاف لمليشيا الحوثي مع علامات استفهام كبيرة ومثيرة للجدل، يمكن التوصل إليها ضمنياً فيما يثار إعلامياً، وفيما يدار في الأروقة المغلقة عن آليات غامضة لاستعادة محافظة تعز برمتها.
 
محافظٌ جديد، يتمتع بدعم واسع، وتنظيمٌ عسكري مشهود، يبرق بآمال عريضة لإنهاء القبضة الحوثية المستفردة بأكثر محافظات اليمن كثافة وثقافة.. عاملان إيجابيان يفتحان الباب أمام تعز بوجه آخر، ويشدان من عزم ساستها لطي صفحات الماضي السوداء وإخلاص النيّة لبدء رص الصفوف بما تستوجبه المرحلة بعيداً عن التناقضات السياسية والمناكفات العسكرية التي عانت منها المحافظة ولا تزال.
 
فيما مضى من الوقت، لم تكن تعز حاضرة بذلك الرونق المعهود، حيث طغى المشهد العسكري على جوانب الحياة فيها، حوّلها إلى مساحة جغرافية مشتعلة بالصراعات الداخلية، ومشحونة بالخلافات التي تحافظ على هوّة الصراع البيني كما هي، وبشكل أو بآخر، هناك من عمل على تسويق ما يجري فيها بصورة مألوفة تجعل من المحافظة بؤرة لتنظيمات تكفيرية متطرفة.
 
لكن تعز العلم والثقافة، لا تستسلم للاتهامات المغرضة، ولا تتعامل مع عملية التحريض الواسعة التي اتهمت أطرافاً دون أخرى بعرقلة إتمام التحرير العسكري، ولعل ذلك من وجهة نظري سبب أوحد لتصوير أنقى محافظات اليمن على أنها خارجة عن السياق الوطني العام الناشد للتحرير والولوج في اليمن الاتحادي، رغم أنها كانت ولاتزال حاملة للمشاريع الوطنية منذ انفتاق الدولة اليمنية.
إن تعز بتفاصيلها الدقيقة على كافة المستويات قدّمت نموذجاً حضارياً لمواجهة العدوان المفروض عليها من مليشيا سلالية استغلت موارد الدولة للانقضاض على مؤسساتها، واستمرت تعز على مدى السنوات الثلاث الماضية تقدم أدلة البر باليمن، ووقوفها إلى جانب الجمهورية، وتطلعها لدولة الأقاليم ورؤية اليمن الاتحادي كما تضمنته مخرجات الحوار الوطني دون تحريف.
 
لكنها وبالرغم من حالة الشلل المفروضة عليها واصلت مسيرتها المناهضة برجال تقدموا الصفوف في الجبهات رادعين ومساندين وآخرين وقفوا إلى جانب المدنيين المحاصرين، ومدوهم بالماء والغذاء والدواء، شقوا الطرقات، وطوّعوا الجهود، وعملوا بإمكانياتهم المتاحة لإنقاذ الحياة في المدينة مقدّمين أنصع صور التضحية والفداء.
إن ما قدمته تعز وتقدمه لا يمكن أن يكون محل جحود، بل يدعو للمزيد من التفاني من أجل إتمام عمليتها العسكرية ورفدها بكل ما تحتاجه لإعادة الحياة إلى مؤسساتها المدنية حتى تصبح كاملة في تقديم خدماتها واستشعار مسؤوليتها تجاه الناس الذين يعانون ظروفاً قاسية منذ عهد صالح وزادهم الانقلاب الحوثي إلى مأساتهم مآسٍ لا تعد ولا تحصى.
 
إن عودة الحياة بطبيعتها، ومحاولة تطبيع  الجهود بما يقدم المحافظة كنموذج حقيقي للدولة المأمولة، يقع على عاتق الحكومة الشرعية على نحو أولي من الأهمية وبشكل مشترك مع دول التحالف التي لم تثبت حتى اللحظة حقيقة نواياها في تعز، بالإضافة إلى محافظها الجديد أمين محمود الذي يتوجب عليه ملء رزنامة أعماله اليومية في سبيل معالجة اختلالات الحرب، وإعادة الحياة بشكل تدريجي يبعث الطمأنينة بين أوساط المجتمع ويعمل جاهداً على تحديث رزنامته بتلبية المتطلبات اليومية بأسعار مقبولة كالماء والغاز المنزلي والسلع الأساسية ،سواء بالتسويق الإغاثي أو بالتنسيق الحكومي وهذه مسؤولية تقع على عاتقه كرجل قبل مهمة جسيمة في ظروف استثنائية ولا يُعفى أيضاً من مساعي استكمال تحرير المحافظة والعمل على استتباب الأمن والاستقرار في كافة مديرياتها، وضمان صرف مرتبات كافة موظفي الدولة في القطاعين العسكري والمدني.
 
على المنظمات الدولية والإقليمية أن تعمل بوتيرة إنسانية بعيداً عن التهم المزيفة التي تكال لتعز، والأوهام المصروفة لصرف النظر عن حقيقة المعاناة فيها، والحسابات الضيقة لتجار الحروب المحليين والدوليين الذين لا يدخرون جهداً لبقاء تعز في حالة استنزاف مستمرة لمآرب لا يدركونها إلا هم، ومن يقف ورائهم.. إن أبرز نقاط القوة لإعادة الحياة في تعز بعد تلبية المطالب المعيشية، تتمثل في إعادة إعمارها ومدها بمتطلبات تجديدية تنفث فيها الروح المدنية وتزيل عنها غبار الحرب ومخلفاتها الكارثية.
 
على أبناء تعز أن يبدوا تماسكاً أكثر، وتوحداً حقيقياً وراء تحقيق آمالهم وطموحاتهم دون ارتهان لأطراف على أخرى، وأن يصطفوا وراء الحكومة الشرعية حتى تكتمل مرحلة التحرير وما يواكبها من عمل دؤوب لتطبيع الحياة بشكل ملموس.
 
على الجميع أن يظهر روح المحبة، ويقدم التضحيات بما يستطيع حتى تصبح تعز قبلة للحياة كما عرفناها قبلة للنضال والوطنية والمقاومة، وفي ذلك دعوة لإحياء تعز، فهلمّوا بنا لنلبي.
 
 
المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر