فوبيا قطر...!!


غمدان اليوسفي

 منذ الأيام الأولى لأزمة قطر كان اليمني أول المتضررين من الأزمة، بدءا من الحكومة التي أجبرت على إيقاف العلاقات مع قطر، مبررة ذلك بأن "قطر تدعم الحوثيين" كما جاء في بيان المقاطعة.
 
تضرر اليمنيون من أزمة قطر بشكل مباشر أو غير مباشر، ومع ذلك لم يجرؤ أحد على الكلام على اعتبار الحديث عن قطر كنوع من أنواع معاداة السامية الخليجية!!
 
تغيرت معايير التعاملات سواء في داخل الدولة اليمنية، أم في التعامل الخليجي تجاه اليمن، أم حتى في وسائل الإعلام الخليجية؛ فاليمني الذي يتحدث على شاشة الجزيرة عن قضيته وآلامه وأوجاعه- بعيدا عن قضية قطر- يصبح محرما عليه الظهور في معظم وسائل إعلام الخليج..!
 
معايير الحكومة اليمنية في التعيينات، وبرغم كوارثها أيضا، أضيف إلى تلك المعايير بند مستوى القرب من قطر، وأصبحت اللجنة الثلاثية اليمنية السعودية الإماراتية المختصة بقرارات التعيين، واليد الطولى فيها للإمارات، هي من تقرر من يتم تعيينه ومن يُرفض..!
 
أُقحمت قطر في كل تفاصيل حياتنا، حتى التغريدة التي نفكر بنشرها أو المنشور الذي نحاول كتابته، نحاول أن لا نزعزع التحالف الذي سيحررنا من الحوثي، لذلك نتجنب أن نفعل شيئا يوحي بالقرب من قطر..!
 
ذات يوم وجدت رسالة في بريد التويتر في بدايات الأزمة مع قطر من شخص عزيز ينصحني بعدم الوقوف مع قطر، فرديت عليه إني لم اتدخل بأي رأي حيال الأزمة، فقال رأيت إعجابا منك على منشور لـ"عثمان آي فرح" المذيع في الجزيرة، قلت له المنشور اجتماعي ولا يخص قطر، قال حتى لو، كفاية إنه يشتغل في الجزيرة..!
 
نعم.. إلى هذا الحد بلغت بنا الفوبيا من قطر..!!
لم يكتف هؤلاء بتركك حُراً في اتخاذ قرارك من تصديق مبررات مقاطعة أو حصار قطر. فبرغم أن الكثيرين لم يقتنعوا حتى اللحظة بمبررات الأزمة، حتى في داخل الخليج نفسه، إلا أن اختيار الصمت حيال الأزمة أصبح أيضا جريمة.
 
نعم.. صار الصمت جريمة.
عشت تجربة شخصية حين كنت أبحث عن عمل في إحدى الجهات الحكومية، وهي وظيفة عادية، لكن الرد كان أنني أعمل مع قطر..! واكتشفت أن تقريرا استخباراتيا خصص لهذا الأمر تلقته الحكومة اليمنية من الاشقاء في المملكة، وكُتب بأيادي يمنية، وحين سألت أحد المسؤولين السعوديين أكد لي ذلك، وقال "لا تقلق، لقد دافعت عنك"..!
 
للأسف؛ انساقت الدولة اليمنية بعمى غير مسبوق في هذه الأزمة، وأصبح كل ما تقوله الإمارات يتم الموافقة عليه، دون أي مقابل على اعتبار أن الدول تدار بالمصالح..!
 
قامت السعودية بتغييرات فيما يتعلق بالعمالة، ورفعت رسوم الإقامة إلى أرقام مرعبة، وسكت معظم إعلاميي اليمن بحجة عدم شق صف التحالف وخشية من اتهامهم بالوقوف مع قطر..!
 
تم سعودة معظم الوظائف وطرد مئات الآلاف من أعمالهم ومنهم من لم يكمل دفع قيمة فيزته التي اشتراها، ومع ذلك تصمت الحكومة اليمنية، ويصمت الناس والإعلام كي لا يُتّهموا بأنهم مع قطر..!
 
فعلت الإمارات بالبلد، تقريبا، نفس الأعمال التي ارتكبها الحوثي، ومع ذلك يصمت الناس خشية أن يُتّهموا بالوقوف مع قطر..!
 
يرتكب طيران التحالف عشرات الغارات التي تقتل مئات الأبرياء، وحين نتحدث عن الأمر تقفز كل الألسن والكتابات بأننا مدسوسين ونعمل مع قطر..!
 
وللتذكير؛ خرجت قطر من المبادرة الخليجية، لكنها عادت في 2013 أثناء مؤتمر الحوار، وكانت قطر هي من تكفلت بتسوية أوضاع العسكريين الجنوبيين الذين طردهم صالح من وظائفهم، ثم شاركت بسخاء كمانحة بدون شروط، وقدمت مستشفى السرطان الذي وضع حجر الأساس له في تعز، بعد سنوات من إصرار أحمد علي عبدالله صالح على إقامته في نقم بصنعاء، ومازال المشروع قائما حتى اللحظة وينتظر إعادة الدولة لكي يتم استكماله.
 
لم يكن الحصار على قطر وحدها، بل كان الحصار يلف عنق كل يمني يريد أن يتنفس أو يصرخ بأن قطر لم تفعل شيء بنا، وانتم من يقوم بكل هذا الخراب..!
 
 
على المستوى السياسي؛ ندرك أن الإصلاح ذاته سأل الإماراتيين ماذا يريدون بالضبط لكي يتم النقاش حوله؟ لكن الجواب لم يأتهم، لأنه لا يوجد جواب مقنع..!
 
اليوم يتحدث الكتاب والمقربون السعوديون في العلن ويكتبون مقالاتهم أن اليمن لن تحل أزماتها إلا بالتقسيم والتشطير والتجزيئ، ولا يجرؤ أحد على الرد عليهم لأنه سيتهم أيضا بالوقوف مع قطر..!
 
من يشاهد مقالات الذايدي والراشد وأنور عشقي، فإنه يدرك حجم قنابل الاختبار التي تلقى لنا اليوم..!
 
لماذا أقنعونا أن قطر هي مشكلتنا؟ نعم قطر قد تكون لديها علاقات مع أطياف سياسية، لكن من يتهمون قطر بذلك نجدهم يدعمون أعمال مسلحة وجماعات تقوض وجود الدولة، وشاهدنا ما فعل مجلس عيدروس وبن بريك..!!
بينما لم يكن حزب الإصلاح الذي تُتهم قطر بدعمه، مقوضا لوجود الدولة، بل كان جزءا منها على مدى عقود.
 
وللأسف الشديد؛ حتى قطر ذاتها لم تساعدنا من الخروج من فخ "الفوبيا" الذي وقعنا فيه، فعزز الأداء الإعلامي الأخير والسيء لقناة (الجزيرة)، فيما يتعلق بالملف اليمني، الضغط علينا لنصمت أو لنخجل على الأقل حيال ما يرتكب في حقنا..!
 
ومع ذلك، في نهاية المطاف، يجب علينا أن لا نخجل من القول أن مشكلتنا الرئيسية ليست مع قطر، وأن قطر كان لها يد خير في كل أرجاء اليمن، مثلما كان للسعودية، وحتى للإمارات، في مرحلة ما قبل جنون الجيل الجديد من أصحاب (فوبيا الإخوان).
 
نعم.. يجب علينا أن نتحدث بإشكالياتنا دون خوف من كل تلك الحساسيات التي دمرتنا ونحن نخاف من أن نقول لأولئك: "يا هؤلاء توقفوا لقد دمرتمونا".
 
ومن الآن، يجب القول إن الخوف الحقيقي مِن مَنْ مدرعاته على الأرض تقسم البلد كما تريد.. هذا هو خوفنا !.


المقال خاص بـ "يمن شباب نت"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر