(لا يمكن أن يكون هناك عمل لا أخلاقي ولا إنساني ومدمر لحياة الشعوب ومستقبلها أكثر من إعادة تأهيل قتلة وتنصيبهم من جديد على رأس البلدان والدول التي قاموا بتدميرها). تشكل هذه العبارة لبرهان غليون مدخلا للتساؤل حول موقف الإصلاح مما يجري الآن، خاصة وأنه ملتزم بسياسة الشرعية وهو لا يشكل أي قيمة حقيقية في صناعة القرار فيها، بينما يشكل الرافد الأول والأقوى للجيش والمقاومة بنفس الوقت هو الأكثر التزاما بالشرعية الدستورية.
 
 وبين هذين الواقعين دوره في المقاومة والشرعية وموقفه من إعادة إنتاج القتلة. بعد مرور أربعين يوما على مقتل صالح ومحاولة أتباعه الانقلابيين وأنجاله بدعم من الإمارات إعادة إنشاء قوتهم من جديد، تتوالى الأسئلة من قبل الشعب وأفراد الجيش من أنصار الحزب أو من دفع بهم الحزب: هل كان يجب أن نقاتل؟ ولماذا نقاتل؟ هل نهدر تضحيات قتلانا؟ ما قيمة الصمود حتى الموت تحت التعذيب لمختطف إن كان المعذّب سيعود للحكم من جديد؟ ماذا عن ضحايا الدروع البشرية؟
 
في وقت تستمر فيه المعارك ضد الانقلاب، تخلى مدبّر الانقلاب ومدمّر الدولة الرئيس المخلوع على عبدالله صالح عن حليفه الحوثي، لكنه لم يتخل عن انقلابه. قتله الحوثي على إثر ذلك، فر قادة انقلابه إلى مأرب ،أي إلى المعسكرات التي استقبلت آلاف الأفراد عبر الإصلاح أحياء والآن صاروا قبورا هناك.
 
الحقيقة أن الإصلاح لا يتحكم بالجيش وليس له سلطة عليه وإن كان الإصلاح أكبر حاشد للأفراد للانضمام إلى الجيش الذي يخضع لمؤسسات الدولة التي يسيطر عليها أركان نظام علي عبدالله صالح، وتكفي أن تعرف أنهم أركان صالح لتعرف أخلاقهم. والإصلاح ليس له أي سلطة قانونية وإجرائية تجاه أي جهة فهو مقيد بالشرعية المكبلة من قبل التحالف العربي .
 
في 2011م حين وقعت الأحزاب المبادرة الخليجية التي نصت على رحيل علي صالح مقابل الحصانة واعتزال العمل السياسي، كانت الأحزاب الموقعة تبرر، منح الحصانة جزء أساسي من الاتفاق وكي نحافظ على الدولة، ثم إن القتلى والجرحى لم يتعدوا المئات وهو ثمن -رأته تلك الأحزاب التي لم تكن تجبر الناس على الخروج للتظاهر-، يناسب رحيل صالح واعتزاله، لكن صالح مارس العمل السياسي وعطل العملية الانتقالية ثم هدم الدولة ومزق المجتمع وأنتج حربا مستمرة منذ أربع سنوات ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا، صنفت اليمن على أثرها بأسوأ كارثة إنسانية في العالم.
 
يتساءل الآن أفراد الجيش الوطني الأحياء عن جدوى تضحيات زملائهم القتلى وعشرات آلاف الجرحى وعشرات آلاف المختطفين، يتساءلون بخذلان وانكسار، ما أهمية المعارك التي يخوضونها وأعداءهم صاروا الآن بحماية الشرعية؟ هم لا يجدون جوابا من شرعية تمكث في المنفى. يسألون مجددا: ماذا عن موقف الإصلاح تجاه دمائنا التي سفكت ودولتنا التي دمرت ومستقبلنا الذي يجري تدميره قبل أن ننتقل إليه؟ .
 
بالتأكيد أن الدوافع الأخلاقية التي حضرت حين حث الإصلاح الناس على القتال ضد الإمامة يجب أن تحضر الآن بعد الانتصار على جزء من الانقلاب. ويطالب الناس أن يروا ثمن انتصارهم في المعارك التي انتصروا فيها حتى الآن، يريدون هزيمة خصمهم أي أسرة صالح وأركان نظامه كي يستمروا في القتال لهزيمة الإمامة، يريدون موقفا خاصا من الإصلاح ملتزما بالدستور الذي يمنحهم الأساس القانوني والأخلاقي للقتال، بالنهاية يقاتل الجيش تحت راية الشرعية الدستورية وعلى هذا الدستور أن يحضر الآن أيضا.
 
هل سيصدر  الإصلاح عبر أي طريق  كان موقفا يطالب بالقبض على قادة الانقلاب واستبدالهم بأسرى أو محاكمتهم لتدميرهم الدولة، هل سيساعد الإصلاح في فكرة كهذه؟ أم سيهدر تضحيات آلاف الناس الذين انضموا للقتال بدافع وتشجيع من الحزب؟
 
ليس هناك وقت لأن يفكر الإصلاح كثيرا، فالأخلاق والقيم مواقف،( والبلد خسر كل شيء ولم يعد هناك ما يمكن الحفاظ عليه سوى  هؤلاء المقاتلين وروحهم التي تصنع الغد)، وهو قد أهدر عشرات المرات تضحيات أعضائه وأنصاره الذين قتلوا تحت التعذيب أو قتلوا كدروع بشرية أو في جبهات المعارك. وعليه أن يقول شيئا تجاه هذه التضحيات وهو يرى القتلة تحت حماية الشرعية الذي يشكل الإصلاح جزءا مهما منها. خاصة وأن كبار مجرمي الانقلاب قد جردهم حليفهم الحوثي من كل قوة ولم يستطيعوا حتى الحفاظ على حياتهم. 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر