‏"تعز".. المهر الدامي..


نور ناجي

 ‏تخطت الحرب الألف يوم وتعز تدفع الثمن.. المدينة الوحيدة التي لم يتوقف القصف على رأسها بشكل يومي تقريباً.. الجبهة المشتعلة منذ بدء الحصار عليها. لست أعني بذلك أن غيرها بأفضل حال، فالمدن التي اختارت لف نفسها بأوراق القصدير وانحنت حفاظاً على عبثية أوهام أمن، لم تسلم هي الاخرى من تبعات الحرب وتحولت لقبور ترف بأشباحها الجائعة في الشوارع، لا تستطيع تمييزها عن الاكياس البلاستيكية المتطايرة..

‏مدينة جريحة تأنّ، وسط تجاهل وتأمر وخيانة مدفوعة الثمن للمجازر التي تقام موائدها من دماء الأبرياء.. تصرخ من خلف المتارس التي طبع عليها جنود المقاومة أكفهم الممهورة بدماء الشهداء.

‏أسقطت الأوراق عن الجميع، كما يُسقِط الخريف أوراقه المصفرة الباهتة. وقد أدرك الجميع بأن عصابات الحوثي لم تكن هي المُحاصِرة الوحيدة لها، فقوات التحالف كانت تلتقي أهدافها مع أهداف المقاومة في بداية الحرب، اختلفت باختلاف المصالح والنتائج المرجوة منها، فحاصرها التحالف بخططه التي بدت ملامحه جلية واضحة بعد رفض اهلها القبول بالحزام الأمني...! ضَيَّقَ عليها الخناق بعقاب ومقايضة- مرفوضة- للأمن مقابل الحرية..

‏ حكومة الشرعية هي الأخرى حاصرتها بعجزها وضعفها؛ تستمع للمناشدات المنطلقة منها دون أن تصغي لحروف واحد منها، او تنبس ببنت شفة..! لعل الوقت قد آن لنعترف لأنفسنا ونصارحها بأننا استندنا على حكومة عاجزة أسيرة، مرتهنة لا تملك حرية الحركة واتخاذ القرار...!

‏وتُحاصر المدينة برغبة مستميتة للراغبين بانفصال الجنوب، أولئك الذين لم يكتفوا بالتصريحات بل رفعوا السلاح لفرض ارادتهم، ووجدوا أن العقبة الوحيدة لتلك الرغبة هي تعز ومقاومتها، فنصرها انهزام تام لرغبة الانفصال المتأججة.

‏لم تسلم المدينة من تلاعب الاحزاب بقضيتها بخلافات ساذجة...! وقد اختارت وقت بائس لمعركة انتخابات وسيطرة وهمية، متناسية بأن لا صناديق انتخابية في زمن الحرب...!

‏تعاني الحالمة من رغبة انتقام من رئيس مخلوع فقد كل خيوط اللعبة التي ظن أنه سيبقى ممسك بزمامها، وحين فوجئ بأن خيوطه تقطعت، تشبث بهزيمة تعز كورقة رابحة يقايض عليها لعله يستفيد منها للبقاء والحصول على قطعة صغيرة من الحلوى إن تخطى الحرب سالماً.

‏وبرغم كل ما تعانيه هذه المدينة، حاصرها – أيضا- بعض أبناؤها من الداخل، وقد استهوتهم عمليات النهب والسطو، وأغراهم فراغ السلطة ليتنكروا بثياب العصابات، يثيرون الفوضى والرعب بين السكان..

‏تقف تعز أمام كل هذه الضجة صامدة كجبل صبر الحارس الامين عليها، وتدفع بأقساط غالية ثمن حربها على كل ما سبق، مهرٌ غال ثقيل الحمل تشتري به حريتها وحرية اليمن رغماً عن أنوف الجميع.
 يراهن البعض على سقوطها، ويوقن الغالبية بنصر اليمن على يدها وعلى اصطخاب التمرد الحر داخلها.. 

  حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"  ©2017  
[الكتابات والآراء تعبر عن رأي أصحابها فقط] 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر