يترقب الجميع بخليطٍ من مشاعر الحماسة المفرطة والقلق العميق، لحظة تحرير صنعاء من سطوة الانقلابيين الذين دخلوها بقوة المليشيات وسطوة الدولة العميقة، وانتشروا في طول البلادِ وعرضها في الواحد والعشرين من سبتمبر ???? مبشرين باللعنة والموت وبجمهورية صورية يتبوأ فيها السيدُ صفة القداسة حاكماً بأمرِ الله ومميزاً بالسلالة والطائفة النقية المزعومة.
 
أما الحماسة المفرطة فهي لأولئك الذين رأوا حُلمهم اليمني يتداعى بفعل الأفكار والأجندة التي حملها تحالف الحوثي/صالح ليمن ما بعد الانقلاب، حيث الغلبة لمنطق الجهل والخرافة ودولة الفقيه، وحيث الفصل الجديدُ من فصول الدكتاتورية والاستبداد وخيانة كل ما قامت عليه الجمهورية من مبادئ وأسس.
 
راح الحوثيون يرفعون العلم الجمهوري خلف كل تجمع يلقون فيه خطاباً،  أملاً في إيصال رسائل إيجابية للشارع، بعد أن كانوا يكتفون برفع صرختهم المليئة باللعنات والموت، غير أن الكثيرين كانوا يدركون أن العلم ليس مجرد قماشٍ يُرفع خلف رأس رجلٍ ما، العلم مبادئ جمهورية وأسس مدنية، لا يكفي لأن تكون جمهورياً أن ترفع العلم وحسب، تحتاج إلى ما هو أعمق من ذلك،  تحتاج إلى الإيمان بالجمهورية فعلاً لا قولا ويكفيك في البدء أن ترفع أذاك وسلاحك عن اليمنيين،  وأن تدعهم ومصيرهم أحراراً.
 
 وبعد سيطرة الحوثيين على السلطة رأينا كيف أبرق مسؤول محلي خطاباً لسلطة صنعاء الجديدة وذيله أولاً بنسخة لرئيس اللجنة الثورية العليا وهي لجنة شكلها الحوثيون لتكون سلطة أولى قبل أي سلطة مدنية أخرى، ثم يذيلها ثانياً بعد رئيس اللجنة الثورية متبعاً بقية السلطات من (مكتب رئاسة الجمهورية) حتى أدنى سلطة، رئيس اللجنة الثورية قبل رئاسة الجمهورية، وهذا استنساخ واضح للتجربة الإيرانية وتمهيدٌ حقيقي للقضاء على الجمهورية والديمقراطية.
 
 أنهى الحوثيون أخيراً لجنتهم الثورية العليا واستبدلوها بمجلس سياسي لإدارة البلاد، -كما قالوا- ولا ندري نحن اليمنيين أي بلادٍ هذه التي سيديرونها وأكثر من نصفها يرفضهم والبقية خائفون وجلون من بطشهم وسلطتهم.
 
 أما أولئك النفر من الناس المقهورين والمغلوبين بفعل التصرفات العدوانية البشعة التي مورست ضد كل معارض للانقلاب، فهم أكثر حماسة لتحرير صنعاء، إذ يرون أن ذلك هو الفصل الأخير من فصول هذا الخراب الكبير الذي امتد في كل الجسد اليمني، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على تقريرٍ أصدره التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان يبين فيه حجم الانتهاكات التي ارتكبها تحالف الحوثي صالح لندرك حجم المأساة وعمقها.
 
خلال عام واحد من ديسمبر ???? حتى ديسمبر ???? وحسب التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان بلغ إجمالي انتهاكات مليشيات الحوثي وصالح في اليمن أكثر من ????? حالة موزعة على حوالي تسعة آلاف معتقل وأكثر من ثمانية آلاف قتيل وعشرين ألف مصاب، ناهيك عن الاعتداءات الممنهجة ضد الصحافة والإعلام.
 
فحسب التقرير الحقوقي نفسه تم احتجاز حوالي ??? إعلامي بشكل تعسفي وحالات اختفاء قسري بالمئات وحالات اعتداء بالعشرات، وحجبٌ وإغلاق لكل وسيلة معارضة، إذ تم حجب 86 موقعا إلكترونيا وإغلاق 38 صحيفة و13 منظمة مجتمع مدني وحظر تسع قنوات وإغلاق ثماني إذاعات، ناهيك عن تفجير بيوت المعارضين وهي جريمة لم يشهدها اليمن في تاريخه، إذ وبحسب اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان تم تفجير 143 منزلا لمعارضي الانقلاب في عدد من المحافظات.
 
 ولقد نالت تعز وحدها نصيباً كبيراً من كل هذا الخراب والأذى. هذا عن الحماسة المفرطة للآملين في تحرير صنعاء، إنهاءً للظلم، وطياً لصفحة سوداء من تاريخ اليمن الحزين.
 
أما عن القلق المتنامي، فمرده للتفكير في مرحلة ما بعد تحرير صنعاء، في ظل كل هذه التصرفات العدوانية التي ولدت كمية كبيرة من الكراهية والرغبة في الانتقام، إضافة إلى المشكلة الأهم وهي تضعضع سلطات الدولة وانحسار قدراتها بفعل الضربات المتلاحقة التي وُجهت لها منذ ما قبل وأثناء وبعد انقلاب الحوثي وحتى الآن.
 
 يكمن القلق العميق في الإجابة على السؤال الأهم: أي برنامجٍ على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي يمكن تحقيقه بعد اقتحام صنعاء؟
 
على أن إجابة هذا السؤال تستدعي الرجوع قليلاً لما قبل انقلاب تحالف الحوثي/صالح، إلى مرحلة ما بعد ثورة فبراير ???? قليلاً، هناك حيث مؤتمر الحوار الوطني الذي اجتمع حوله كل اليمنيين، بمن فيهم الحوثيون وأعوان صالح. هذا المؤتمر الذي حدد خارطة طريق واضحة يمكن التعويل عليها في الوصول باليمن إلى بر الأمان.
 
 خرج المؤتمِرون في النهاية بمسودة دستور هو أفضل ما أنتجه اليمنيون يوزع السلطة في الأقاليم ولا يحتكرها في المركز، يعالج الآثارالمترتبة على كل الحروب شمالاً وجنوباً ويعيد الاعتبار لكل منطقة يمنية همشت أو ظلمت خلال الفترات السابقة.
 
 في مرحلة ما بعد التحرير، سواء أكان هذا التحرير بالقوة العسكرية أم بالحوار السياسي، سيبني اليمنيون مستقبلهم بناء على ما تقرر في مؤتمر الحوار الوطني من إعلاء للديمقراطية واحترام للتعددية السياسية، وما دون ذلك فليس تحريراً.
 
سيكون فرض الأمن في العاصمة بعد تحريرها تحدٍ حقيقي وصعب،  خاصة إذا كان تحريرها بالقوة العسكرية، لكنه هدف غير مستحيل وقابل للتحقق، من دون الأمن ستكون جهود الإصلاح السياسي في مهب الريح.
 
 على أن جهود الإصلاح السياسي الرامية لجعل مخرجات الحوار الوطني واقعاً سياسياً معاشاً ستصطدم بالحاجات الاقتصادية الملحة والتي ينبغي توافرها في مرحلة ما بعد تحرير صنعاء.
 
واجه الحوثي حكومة باسندوه وحكومة بحاح بالمسألة الاقتصادية كحجة استخدمت لتجميل الإنقلاب في أعين اليمنيين.
 
كانت أحوال اليمنيين الاقتصادية حينها بالغة السوء كنتيجة طبيعية لحالة الاضطراب السياسي، وكان للحكومة حينها هدف واحد، هو إخراج اليمنيين من حالة اللادولة إلى حالة الدولة. لم يكن الاقتصاد من أولوياتها، كان الأمن واستكمال عملية الانتقال السياسي في قائمة أهم الأولويات، وحين قررت حكومة ما قبل الانقلاب تمرير إصلاحات اقتصادية تتعلق برفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية تفادياً للدخول في حالة شلل اقتصادي، ما إن فعلت ذلك حتى دخلنا في طور المرحلة الأخيرة من المؤامرة الحوثية التي استغلت هكذا حدث للإطاحة بكل الحكومة والمؤسسات الجمهورية واقتحام صنعاء.
 
 ملت صنعاء كل الأكاذيب، ومعها كل اليمن، أكاذيب الحوثيين وصالح، ومن الجيد أن نصل بالسلم أو بالحرب إلى اتفاق يضمن إجماع الجميع على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإعادة الاعتبار للسياسة بعد أن أعلى الحوثيون وصالح قيمة السلاح والبارود.
 
 ستكون صنعاء جميلة بالإجماع الوطني، بالتحرير، سترى المستقبل مشرقاً وسيلعب الأطفال فرحين في كل شارع وسنصفق للديمقراطية والجمهورية واليمن الاتحادي.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر