ذكريات أسئلة علاو


سلمان الحميدي

 لا بد من تحليل برنامج فرسان الميدان، ودراسة تجربة يحيى علاو جيداً، لمعرفة لماذا يتذكره الناس كلما جاء رمضان؟ ولماذا يحظى بهذه الشعبية رغم مرور أكثر من عقد على رحيله؟ أعتقد أن العاملين في القنوات اليمنية معنيين بالتجربة كي يتسنى لهم إطلاق برامج مماثلة أو الوصول ببرامجهم، التي تقلد علاو، إلى مستوى النجاح الذي وصل إليه المذيع الأشهر في تاريخ التلفزيون اليمني.
 
واعتماداً على ما بقي في ذاكرتي من برنامج فرسان الميدان، أدون هذه الملاحظات السريعة حول البرنامج:
 
ـ الإعداد المدروس، وقدرة المعدين على الخروج بأسئلة ملغزة وقيمتها المعرفية ذات فائدة، ما يتطلب الانكباب بين الكتب والمراجع لفترة طويلة، وأنا طفل أتذكر فتى أذهل علاو بالإجابة على سؤال، سأله علاو: كيف عرفت الإجابة؟ فأجاب الفتى بأنه قرأها في كتاب "صفوة التفاسير" لمحمد علي الصابوني"، كان الكتاب موجودا في مسجد قريتنا بشكل أجزاء، فحاولت أن أقرأه في تلك الأيام على خطى ذلك الفتى وتحسباً لمصادفة علاو.
 
ـ كان علاو يطرح الأسئلة البسيطة بطريقة ملغزة، ففي فقرة السؤال الديني، يظهر ذكاء المعدين في استخراج السؤال من بين آيات القرآن أو أحاديث النبي أو حتى من مسألة فقهية، كنا نخرج بفائدة لغوية أو موعظة أو مقصد في حكم. على سبيل المثال، أتذكر ذات حلقة كان سؤاله يدور حول المطر، أغزره وأخفه، لن أنسى الإجابة أبداً: الغزير: الوابل، الخفيف: الطل؟ ورُبطت الإجابة بآية الإنفاق التي قال الله فيها: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم، كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل...).
 
ومن ألغازه الجميلة من الأسئلة الدينية: صلاة سرية بين فرضين جهريين، ماهي؟ يظن المسؤول أن الإجابة سهلة فيفكر بالفروض في الأيام العادية فلا يجد الإجابة، أحدهم يقول الجنازة وآخر الكسوف وآخر الخسوف، وهكذا. كانت الإجابة: صلاة العصر في يوم الجمعة.
 
ومن الأسئلة أيضاً، التي أذكرها، سؤالاً صياغته قريبة من هذه الصياغة: من هم القوم الذين يتركون أمر الله خوفاً من الله؟ وضع كلمة القوم في السؤال تجعل الناس يذهبون بعيداً بالتفكير في الإجابة غير المتوقعة، بينما الإجابة كانت: الحائض.
 
ـ ومن أسباب نجاح البرنامج، هو استضافته للمشاهير من المشايخ والعلماء اليمنيين وغير اليمنيين، فعقب إجابة سؤال الفقرة الدينية، يأتي الشيخ لإلقاء خاطرة قصيرة حول السؤال، فترى العريفي وترى بن حفيظ وترى غيرهم، ثلاث دقائق تقريباً تزيد قليلاً ربما، كنا كأطفال أو مراهقين نصاب بالملل من هذه الفقرة، ولكنها تحظى بالقبول عند الكبار من الرجال والنساء.
 
ـ كان المعدون يبحثون عن مناطق البلاد منطقة منطقة، ويفتشون عن اسمائها اسماً اسماً، وبأسلوب التلغيز يطرح علاو سؤاله الذي يشد المشاهدين، قد تكون هناك منطقة يمنية مغمورة تتطابق اسمها مع مدينة عربية معروفة، فيكون السؤال على سبيل المثال: ما هي الرباط في صنعاء؟ وبما أن هناك منطقة شمال تعز، في مديرية التعزية، اسمها الجوف، يمكن أن نصيغ سؤالاً مشابهاً: ما هي الجوف في تعز؟ وهكذا.
 
ـ إثر ذلك يأتي التقرير/ الريبورتاج عن المنطقة وجمالها. كان علاو، يتنقل باليمنيين في ربوع بلادهم، كان فرسان الميدان نزهة لنا في الجبل والسهل والصحراء والبحر.
 
ـ عندما كنا نشاهد فرسان الميدان، في الطفولة والمراهقة، كانت المسابقة الشعبية لب البرنامج وجائزته التي يؤخرها علاو إلى ختام الحلقة، كنا نرى ألعاباً شعبية جديدة فيها البساطة والتحدي، المتعة والتشويق، والفكاهة التي تأسرنا، ومن كل منطقة يستخرج منها علاو لعبة تُظهر تفوق أبنائها، أتذكر قفزة الزرنوقي على خمسة جمال في مسابقة فرسان الميدان.
 
ـ لغة علاو القريبة من الناس، لم يكن متقعرا بالفصحى ولا مسفاً بالعامية، بالإضافة إلى تواضعه ولطفه معهم، وحسن تصرفه السريع عندما يلقى شخصاً من بين الجماهير يتفرد بشيء ما، كأن تجد شخصاً يقلد أصوات الحيوانات..
 
ـ قيمة الجائرة العالية، مقارنة بقيمتها في هذا الفترة.
ـ تشجيع المواهب وإبرازها في فقرة كانت مخصصة لذلك، فنسمع شئياً عن تفاصيل الموهبة ومجالها وعملها وفي الختام تكريمها بدرع البرنامج، أتذكر الطفل الذي يحفظ عواصم دول العالم، واليمني الذي اخترع شاشة قراءة الأخبار..
ـ وسمعت عن علاو، بأنه كان يجلس إلى الناس في المقاهي وغيرها من الأماكن العامة، الناس الذين لا يعرفونه على المستوى الشخصي ولكنهم يعرفون برنامجه، فيسألهم عن برنامج فرسان الميدان، وما يريدونه،  دراسة رجع الصدى والاستفادة من ذلك في تطوير البرنامج.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر