عندما أذّن عنتر


سلمان الحميدي

 دخل صاحبي عنتر المسجد في أوج طيش رفقائه وانحراف لداته، وكان حضوره لمسجد القرية مبهجاً للشيوبة "كبار السن" العاجزين عن تسوية الصف بسبب حدبات ظهورهم، أو اجتهاداتهم الفقهية وقناعة كل مصلٍّ باجتهاده وعمله به بما يتعلق بمحاذاة المنكب والعقب أو اصبع القدم الصغيرة، أو التساهل مع صناعة فرجة للشيطان بسبب ضغائن وحزازات لم تمنعهم الحضور إلى المسجد والتغلب عليها!.
 
جاء عنتر إلى المسجد وفرح الشيوبة، كانوا بحاجة إلى رفيق مفعم بالنشاط والحيوية ويتسلم زمام الإمامة ليخلصهم من عثرات الألسن عند قراءة القرآن أثناء الصلاة، ويضع حداً لسخرية بعضهم على بعض وتهكمهم حين يخطئ أحدهم بقراءة سورة التين والزيتون، مع أن تصحيحهم قد يكون خطأ صريحاً على اللسان ولكنه في القلب وعند الله عين الصواب.
 
كان كبار السن، يتحدثون عن هداية عنتر في غيابه، وحين يأتي يدعون له بالحفظ والثبات وحسن الخاتمة، ومع أن حسن الخاتمة هذا كان يخيف عنتر وقتئذ، إذ ينقله من أوج اليفاعة إلى أرذل العمر، إلا أنه كان يصغي لأصحابه كبار السن بخشوع، ولا يرفع رأسه لمراجعتهم روحانية وتأدباً، وأسفاً على انحراف الشباب وطيشهم المتفشي.
 
بعد أول ثلاثة أيام من الصلاة في المسجد، عزم الشيوبة على سحب عنتر للانخراط في بعض متطلبات الإقامة على المسجد، ليشعروه بأنهم صحبة ويكسروا حواجز العمر من جهة، ومن جهة أخرى لكسب الشباب الطائشين بتصدير عنتر كقدوة.
 
وهكذا كان إجماع الشيوبة لتسليم عنتر مسؤولية أذان المغرب وإصرارهم عليه.
 
استلم عنتر  المايك وقرر أن يكافئ المصليين بصوت شجي يدفعه مقابل الثقة الممنوحة له من قبل الشيوبة، ليبدأ برفع الأذان مجوداً وبالترتيل.
 
وما أدراكم بتجويد عنتر وترتيله للأذان في ذلك اليوم..
 
في أول الأذان، وتحديداً، عند "أشهد أن لا إله إلا الله"، قام عنتر بمد لفظ الجلالة مستعرضاً عرى صوته، وفي منتصف المد نسى أي جملة من الآذان هذه التي يرتلها، فانتقل بعدها إلى: حي على الفلاح!.
 
راجعه الشيوبة: أشهد أن محمداً رسول الله.. فرتلها، وكرر المد، ولم يعرف ماهي هذه الجملة التي يصدح بها، وبدلاً من إنهاء المد بالهاء، أنهاه بالحاء ظناً منه أنه في جملة "حي على الفلااااااااااااااااح" ليختم الآذان، ولكنهم راجعوه: حي على الصلاة.. فمد عنتر ألف الصلاااااااة، وضيع بعدها، وهكذا مضى عنتر بالأذان، ومع كل جملة زاد عدد الشيوبة الذين يراجعونه أو يلقنونه ما يقول.
 
المدود التي رتلها عنتر، كانت تلتوي عليه فيزداد حمرة ولكنه يغمض عينيه ليصل إلى النهاية بأي ثمن..
 
انتهى عنتر من الأذان واتجه نحو دوح ماء في آخر المسجد.. وأثناء الإقامة لم يكن موجوداً، تبادل الشيوبة النظرات فيما بينهم واجتهدوا وأقاموا الصلاة.
 
يؤكد عنتر أنه صلى في المسجد، ولكن الشيوبة أقاموا الصلاة لدرء حرج المؤذن المتواري في آخر الصف حيث الجهة المظلمة التي لا يصل إليها ضوء الفانوس وهناك من يقول أنه غادر المسجد.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر