قوة الحب


صلاح الواسعي

 سألت امرأةٌ شيخا عجوزا: كيف يستطيع الإنسان أن يصل الي اليقين؟ أجاب الشيخ: "حاولي ان تحبي الأقربين حبا فعالا بلا كلل.. فكلما ازددت حبا ازددت اقتناعا بوجود الله، وازددت اقتناعا بخلود نفسك. ومتى وصلت إلى نسيان نفسك في حب الآخرين نسيانا تاما، أصبح يقينك كاملا، فلم يساور نفسك بعد ذلك أي شك. تلك حقيقة مجربة مؤكدة".
 
يوجد في الحب تعويضا وجدانيا وإرواءً للظمأ الانطولوجي في الإنسان، وعلاجا ناجعاً لأي قلق وجودي في الحياة.
 
تشهد الحياة المعاصرة، في العصر الحديث، طغيانا للمادة. تحتل الماديات مركزية في حياة الأفراد والجماعات. والروح البشرية هي المتضرر من طغيان تلك الماديات، وتكتسب الأشياء مكانتها العالية فوق الإنسان. فالروح البشرية أمام هذا الاعصار العاتي هشة، تحتمي بكل ما من شأنه أن يشعرها بكينونتها ويمنحها قيمتها العالية. والحب هو الأداة الاكثر فعالية في اعادة الثبات للروح الإنسانية، منه تستمد قوتها في مجابهة طوفان الحياة المادية.
 
في الحب طاقة دافعة للحياة، ومحرك كبير نحو الإبداع والتألق والإنجاز، لأنه يعيد الاعتبار للنفس الإنسانية ويمنحها مكانتها العالية فوق مستوى الماديات. عندما يشعر الإنسان بانه قادر على تجاوز كل شيء، باستثناء الانسان نفسه، ذلك يمنحه القوة. "إن من يحلم بالحب يشعر بظمأ إلى عمل مباشر بطولي يحققه بسرعة وينال به إعجاب الناس".
 
لا يمكن أن يعيش الإنسان بدون حب. وإن وجد ذلك الإنسان الذي لا يحب، فحياته لا تعدو عن كونها ضربا من الألم الذي لا ينتهي. الحياة قاسية بدون الحب. لذا كان الحب كالعلم، على الإنسان أن يسعى دائما الي تحصيله.
 
من المهم أن يتعلم البشر كيف يحبون بعضهم بعضا كي يُداروا آلامهم به. فهذا "حمزاتوف"، الشاعر الداغستاني الأوسع شهرة؛ يجابه الواقع بالحب ويحتمى به أمام قبح العالم: "سأقول للقرن العشرين: لن أستسلم. الحب الى جانبي ولن تغلبني أبدا".
 
الحب من بدائل الأديان. فلو أن البشر نشروا الحب فيما بينهم، فإن الأديان باعتقادي ستعلن افلاسها. فالدين يداري القلوب المنكسرة التي لم تجد اليقين تماما، كما يفعل الحب على زراعة اليقين في قلب الإنسان.
 
ان للحب قوة تفوق قوة أسلحة الحرب كلها. ولقد انجز الانسان بقوة الحب ما لم ينجزه بقوة الحرب. "الحب قادر على كل شيء"، وذلك مبحث آخر. علينا أن نتتبع الحب وأثره في تغير ملامح التأريخ منذُ بداية الخليقة. ولقد كان الحب هو النبي الذي أدخل الدين المسيحي الى روسيا والى الشرق كله. وتلك أيضا حكاية أخرى.
 
تكمن القصة في أن الإنسان يحتاج لمن يؤمن به ابتداء، كي يؤمن هو بنفسه. حتى وإن كان الإنسان لا يقدم شيئاً للحياة، فإنه لابد له من شخص ما في حياته يشعره بقيمة وجوده. إذ أن وجود الإنسان في الدنيا، بحد ذاته، يعد إنجازا إنسانيا عظيماً.
 
الحب قوة إلهية مستودعة في قلوب البشر. و"الله هو الحب" كما يقول الكتاب المقدس.!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر