حقيقة ما يحدث في شبوة


سلمان الحميدي

 يجري تصوير ما يحدث في شبوة بصورتين بارزتين، الأولى: صراع سياسي وصل إلى المواجهات العسكرية بين المؤتمر الذي يمثله المحافظ بن الوزير، والذي عاد من الإمارات العربية المتحدة قبل تعيينه بقليل، وبين الإصلاح الداعم لقادة عسكريين مثل قائد فرع القوات الخاصة بن لعكب باعتباره محارباً للمليشيا منذ الطلقة الأولى..
 
والثانية: صراع بين مشروعين: الوحدة والانفصال، طرفا الصراع ينتميان للمحافظة نفسها، حيث ستواجه قوات دفاع شبوة التابعة للانتقالي وحدات عسكرية تتبع الشرعية. وأحياناً تمتزج مكونات الصورتين فيبدو الصراع على هذا النحو: المؤتمر والانتقالي/ انفصال أو متبنيان هذه الاتجاه، مقابل الإصلاح وقوات تتبع الشرعية/ وحدة.. أو متبنيان هذا الاتجاه.
 
يتخذ الصراع هذا الشكل الذي تُظهره نقاشات الناس وتعليقاتهم ومناكفاتهم.. لكن الحقيقة أن ما يحدث في شبوة لا علاقة له بالصراع السياسي ولا الشطري، وإن أظهرته عناصر الصراع على أنه كذلك. في شبوة، رغبات اقتصادية خارجية خلف العناصر/ الأدوات الظاهرة في الصورة.
 
في رمضان المنصرم، نشر المعهد اليمني لحرية الاعلام "IMF" والذي يديره الصديق المحسوب على الناصري، وجدي السالمي، تحقيقاً استقصائياً مهماً حول عائدات النفط اليمني. الفريق الذي قام بالتقصي استخدم أدوات حديثة لمراقبة صادرات النفط الخام، من بينها الاشتراك بخدمة موقع Marine Traffic المتخصص بتعقب ورصد بيانات ومسارات وحمولة السفن. وعبر هذه الخدمة تم رصد 37 رحلة بحرية لعدد ثمان سفن من ناقلات النفط الخام دخلت الموانئ اليمنية خلال سنة 2021، وخرجت محملة بـ 52 مليون 730 ألف و730 برميلا من النفط، تقدر قيمتها بنحو: 3 مليار و743 مليون و830 دولار.
 
تمكن فريق التحقيق من معرفة بعض موانئ الوصول لبعض السفن عبر برنامج التعقب ذاك، أما بعضها الآخر فلم تتمكن من تتبعها بسبب إغلاقها راداراتها بعد خروجها من الموانئ اليمنية.. ربما هذا يطرح فرضية "وصول سفن إلى الموانئ اليمنية أغلقت راداراتها أثناء الوصول، أو وصلت إلى موانئ ليست رسمية. (لمعرفة أين أفرغت السفن حمولاتها، ابحثوا عن التقرير!).
 
غالبية السفن بالطبع، وصلت وغادرت من ميناء أبو علي بمحافظة شبوة. هذا ما يجب النظر إليه كمدخل لفهم حقيقة الصراع على شبوة، وسر إلحاح محافظها السابق محمد بن صالح بن عديو، على ضرورة تسليم ميناء بلحاف من القوة الإماراتية والأخرى المدعومة منها، إلى قوات تتبع الشرعية، إذ وصلت المطالبات إلى طريق مسدود، في بعض الأحيان كانت تبلغ الذروة التي تجعل قوات تتبع الشرعية تحاصر ميناء بلحاف مما يضطر السعوديين لإرسال وسطاء عسكريين للتهدئة.
 
وفي خضم هذه الاستراتيجية الصارمة التي انتهجها بن عديو، باغتت مليشيا الحوثي قوات الشرعية فأسقطت المديريات المتاخمة لمحافظة مأرب. كان هذا التراجع العسكري المفاجئ مأخذا قوياً للإطاحة بالمحافظ الذي سيتم تحميله سبب الفشل العسكري، ولم تسعفه التجهيزات العسكرية التي كان يقوم بها لاستعادة المناطق، إذ تم إقالته، وتعيين بن الوزير، المؤتمري الذي عاد من الإمارات العربية المتحدة، وكان ـ قبل تعيينه ـ قد وصل ليعقد لقاءات قبلية للملمة رأي يدين ما تقوم به السلطة المحلية ورئيسها بن عديو، ورافق ذلك حملات إعلامية في المواقع، الانفصالية أو تلك المناوئة للإصلاح، وعلى موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الذي يعتبر وجهة للخليجيين.
 
التوافق المؤتمري الانتقالي، وقتها، لا ينم عن صراع سياسي على السلطة بين المؤتمر والإصلاح، ولا عن مشروع شطري بين انفصاليين يطالبون بالجنوب وجنوبيين يؤيدون الوحدة، وإن بدا كذلك. كانت الحسابات الاقتصادية "الخارجية" على الأمدين القريب والبعيد، هي من تحرك كل هذه الأوراق على هذا النحو.
 
وفي الحقيقة، كان بن عديو حاداً تجاه الرغبة الامارتية في شبوة، لكنه كان حاذقاً إلى حد ما، في تعامله مع القوات المدعومة منها، فتلافي أي صِدام كبير بين قوات عسكرية أو أمنية تتبع الشرعية وبينها، كالقوات التي سميت بقوات "دفاع شبوة" وهي تتبع الانتقالي. ولم تحدث مواجهات في عهده ـ على الأقل كالتي حدثت في عهد سلفه بن الوزير، الذي بدا واضحاً أنه يريد الانتقام من الرؤوس الذين كانوا عثرة أمام الرغبة الخارجية، خالطاً بين تمثيل المشروع واستمراريته، وبين من أبطؤوه، إذ أن باستطاعته عمل كل شيء وهو على رأس السلطة المحلية، والمضي قدماً بتحقيق ما تريده الإمارات أو غيرها، بدلا من جر المحافظة للصراع بالتصادم مع القوات العسكرية.
 
في الواقع، إن من يقف ضد الرغبة الخارجية القوية، كأجندة الإمارات، فيتم أو سيتم إزاحته وإنْ كان من خارج الإصلاح، حتى وإن كان من الانتقالي نفسه، وبالعكس فإن من يعمل لتحقيق الرغبة تلك أو يتماهى معها فسيتم تقريبه حتى وإن ردد صرخة الحوثي الإيراني أمام "لوجوهات" وسائل المليشيا. هذا ما تقوله القرارات السابقة واللاحقة: التضحية أمام الحوثي ليست معياراً للإدارة وأهلاً للمنصب..
 
ربما أكون مخطئاً.. أنا مش محلل..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر