فحم الخطيئة


سلمان الحميدي

 سمعت عن شيء اسمه «ليلة الغدير» في المدرسة من بائع آيسكريم وأنا في الصف الأول الثانوي. كان بائع الآيسكريم من خارج المحافظة كما تشير لهجته، وكان مجموعة من الطلبة مختبئين في الدكان بينما كان بائع الآيسكريم يجلس مع صاحب الدكان يتحدثان إلى أن تأتي الراحة. لا أعرف كيف انزلقا للحديث عن ليلة الغدير، ولكن أثناء حديث بائع الآيسكريم كنا فاتحين أفواهنا انشداهاً من خلاعة الحكاية.
 
قال البائع أن المحتفلين بتلك الليلة يجتمعون رجالاً ونساءً في الظلام ويتعرون... لا داعي للخوض فيما يجري بعد العري، بدت التفاصيل مخالفة للمنطق والعقل، لا يمكن أن يحدث في اليمن ما يقوله الرجل حتى لو كان هناك من يؤمن بطقوس العري الجماعي؛ طبيعة اليمن مختلفة.
 
كان بائع الآيسكريم مُصِرًّا على حديثه، ومؤكداً أنه يعرف منطقة يحتفل أصحابها بليلة الغدير بالتفاصيل التي ذكرها. العجيب أنه حكى لنا قصة محبوكة عن العلاقات المحرمة التي تحدث في تلك الليلة، قال بأنه يعرف شخصاً أراد أن يعرف المرأة أو النساء اللواتي سـ....في ليلة الغدير، لأنهم يفعلون ذلك بصمت وسط الظلام. أخذ الشخص فحمًا ولطخ يديه بالسخام، وأثناء الـ...وضع يده على وجه المرأة.
 
حين انتهت الحفلة، عاد إلى منزله وكانت الصدمة..
آثار الفحم على وجه ابنته؛ أخذ الحبل لينتحر
لكنه استغرب، حين رأى أخته وآثار الفحم على وجهها، كظم غيظه وكاد ينفجر
وهكذا رأى زوجته ورأى أمه وآثار الفحم على وجوههن؛ فقرر أن يقتلهن جميعاً ثم يقتل نفسه لاستشعاره بالخطيئة والإثم.
 
ذهب الشخص لاستعارة بندقية من أحد رفاقه، وتفاجأ أن يد رفيقه ملطخة بآثار الفحم. هذا ما جعله يركز على أيادي الرجال، وكانت الدهشة: كل أيادي الرجال ملطخة بالفحم، كل وجوه النساء معلَّمَة بالسخام.
 
طالب يقول: لا يمكن لهذا أن يحدث، طالب ثاني يرعى الأغنام جوار المدرسة، يؤكد لبائع الآيسكريم أنه مستعد أن يرافقه للمنطقة التي يحدث فيها هذا الأمر ليمارس نزقه. أذهلني ربط التفاصيل بالفحم.
 
قصة خيالية وعالمية إذا انتزعنا منها ليلة الغدير، من المستحيل أن تكون يمنية، شخص ما كتب تفاصيل مماثلة عن رواية أجنبية لم يكن بطلها بائع الآيسكريم. لا يمكن أن يكون بائع الآيسكريم قد قرأ تلك الرواية الصادرة في وقت متأخر والتي قرأت عنها قبل أشهر فقط.
 
تفاصيل بائع الآيسكريم عن ليلة الغدير جعلتنا نعزف عن البحث عنها، أو القراءة حتى عن المناسبة. شخصياً أنا على استعداد أن أقرأ عن الكون والسوبر نوفا «مؤخراً قرأت كتاباً بمشقة يحمل عنوان "الثلاث الدقائق الأولى للكون" بالكاد فهمت اليسير منه، فأنا درست في القسم الأدبي ومعقد من الرياضيات وتوسع الكون وتحرك النجوم والأجرام والسدم يجري تفسيره بالفيزياء والفيزياء لاتخلو من رياضيات». لكن أن أقرأ عن الغدير مستحيل. تظهر أمامي منشورات عنها، لا أفتحها.

أذكر بائع الآيسكريم واربط تفاصيل الخطيئة بالفحم، رمزية عالية لجهنم، أفكر بالقصة بمعزل عن ليلة الغدير، لا أريد أن أتعمق في تلك المناسبة فقط كي لا تؤثر ذهنياً على القصة. إذا جاء الهاجس لكتابتها، سيكون عنوانها: فحم الخطيئة  بداخل ترمس الآيسكريم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر