لم يعد لمواطني تعز، مهد الثورة اليمنية قبل عشر سنوات، إلا الانتفاض مجددا، للتذكير بما كانت عليه من مدينة ثارت في وجه فساد نظام صالح، ولن يصعب عليها أن تعيد الكرة مجددا، رغم ظروف الحرب التي شكلت الخيار الأنسب لتنامي بيئة الفساد، والإفلات من العقاب.
 
ظاهرة الفساد المستشرية في مكاتب السلطة المحلية، كشفت عورات كثيرة، بقيت مغطاة بأوراق النفاق السياسي، والرعاية الحزبية، وظروف مرحلة الحرب، وتغييب مبدأ الرقابة والمساءلة، والحراك الشعبي فعل خيرا، إذ يكشف سوءاتها أمام الرأي العام، بالتوازي مع مطالبه المشروعة في التغيير والقضاء على الفساد.
 
عندما تغيب الرقابة، يستفرد الإنسان بالسلطة مهما كانت صلاحياته فيها، ومهما كان حجم السلطة المعطاة له، ومن هنا يبدأ الفساد بالظهور، فيفيد منه فئة محددة، على حساب عامة الناس، وذلك جزء من قصة عرّابي الفساد في تعز.
 
ظروف مرحلة الحرب التي أفرزت حالة من الانشغال بلقمة العيش، بين المواطنين، كانت عاملا مهما في تنامي جبل فساد السلطة التي تحرص على تذكير الناس بجرائم العصابة الحوثية وحصار المدينة، في حين أنها متورطة باختلاسات مالية، تعزز من حالة الحصار القائمة، وتسير جنبا إلى جنب مع جهود الحوثيين في إضعاف المدينة وخنق ساكنيها.
 
الأحزاب السياسية المشغولة بالمحاصصة في مناصب الدولة، سهلت كثيرا لتنامي الفساد الذي يفوح من أروقة مكاتب ممثليها في مكاتب السلطة، أضف لذلك أن هذه الأحزاب وضعت نفوذها وتثبيت ممثليها في الدولة، في مرتبة تفوق محاسبتهم واستبدالهم بغيرهم، رغم علمها بعدم أهليتهم لتولي المسؤولية، وتلك جريمة تضاف إلى سجل حافل بالجرائم السياسية لأحزاب لم تعد تحظى بتأييد الشارع، بل بدأت تفقد منتسبيها الذين عتقوا أنفسهم من ربقتها.
 
الحراك الشعبي الذي يجري حاليا في تعز، لا يمكن ربطه بلغة المؤامرة، بل لربما جاء متأخرا، وهو نتيجة طبيعية لتدني مستوى معيشة المواطن وارتفاع رفاهية المسؤول، وغياب الخدمات الأساسية التي يدفع الناس أموالهم ليحظوا ببعضها، فلا يجدون أثرا لما دفعوه من عرق جبينهم.
 
أهم ما يميز الحراك الشعبي، هو عدم وجود قيادة معلنة تمثله، وهذا ما يصعب السلطة وأحزابها، امتصاصه أو احتواءه ببعض الوعود العاطفية، كما أن مشاركة نشطاء حزبيين في هذا الحراك، يجب أن يشكل دافعا لقواعد الأحزاب للمشاركة الفاعلة في الحراك والتخلص من الوصاية الحزبية التي عطلت قدراتهم ونشاطهم، خلال السنوات الماضية.
 
يمثل الحراك الشعبي، بارقة أمل لمواطني المدينة المحاصرة، لاستعادة أنفاس الحياة التي سلبها فساد السلطة ومسؤوليها، ويمكن البناء على هذا الحراك لتصحيح الكثير من الملفات التي تفاقم من معاناة المواطنين، وتحيل حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر