إدمان التفاهة


فكرية شحرة

 لعل أكبر مشكلة نواجهها في هذا العصر، ولا نلقي لها بالًا، أو اهتماما كافيا، رغم أنها تجتاح  مختلف الأعمار، وآثارها تتفاقم كل يوم؛ هي معضلة "الإدمان"؛ وتكمن خطورتها من كونها تصبح أمرا اعتياديا!!..
 
ليس إدمان الأشياء والعلاقات، كما في الزمن الجميل؛ بل إدمان المواقع والإنترنت، وإدمان المشاكل والأزمات، وأخبار العاجل فيها!..
 
وكأي إدمان، تحدث الأضرار التي تفتك بالصحة النفسية والبدنية والمالية، وتفسد الحياة، وأسلوب التعامل مع الأسرة والمجتمع من حولك..
 
أصبحنا كأنما نختفي داخل فقاعات نفسية خاصة بنا؛ هي روابط صفحاتنا ومواقعنا، أو أجهزتنا الشخصية، دون أن نختلط بالآخرين فعليا. وعند أي صدام، يفسد جو هذه الهالة، يحدث الانفجار..!!
 
إدمان الأجهزة ومواقع التواصل، أصبح حالة مرضية تكتسح كل فئات العمر. فحتى الأطفال أصبحوا يدمنون مشاهدة الأنمي، وألعاب الفيديو، إلى درجة تعجز معها حلول الأهل لإحلال بديل، أو إحداث توازن طبيعي..!
 
ولا يعد الوقت، الذي تقضيه على الانترنت، قياسا لإدمانك؛ بل مدى أهمية وجوده في حياتك؟؛ وهل أنت قادر على الاستغناء عنه دون الشعور بهلع الاحتياج؟!
 
ما تكفله منصات التواصل، من التقدير النفسي للأقوال والآراء، يعد إدمانًا، من أجله تنحرف البوصلة لدى الكثير، أو ينحرف الشخص بأكمله كي يلفت الانتباه لوجوده؛ سواء بادعاء المثالية المفرطة، أم الانزلاق لمخالفة العقل!.
 
فهرمونات السعادة المعروفة، كـ"الدوبامين" و "السيروتونين" و"الإندروفين"، يحفزها هذا السباق نحو الإعجاب، وتقدير الآخرين، والثقة بالنفس التي تنتج عن ذلك.
 
من جهة أخرى، أصبحت مواقع التواصل تعمل على تغذية الشذوذ النفسي، وتفسح المجال لحدوث كثير من الممارسات النفسية الغريبة والشاذة، تحت رعايتها ومظلتها.
 
أصبحت مواقع التواصل عالم قائم بذاته، على بعدٍ افتراضي تحولت فيه كثير من الأخلاق إلى صفات افتراضية فقط، وأصبح الأحمق يُداري فيها حماقته، والفاسق يُداري فجوره..!!
 
وكثير من القامات المعرفية، والمواقع الهادفة، تتوارى خلف ركام التفاهات، وسطوع مواقع لمرضى الفضول اللفظي والمرئي..
 
كل هذا، لا يلغي الجانب المهم والخطير، الذي تشكله مواقع التواصل والانترنت، بشكل عام، في تشكيل العالم مستقبلا. ومراوحته بين كفة التفاهة، والسمو، هو نزال طبيعي حاصل في كل مناحي الحياة.
 
وفكرة وضع الحلول لمعالجة حالة الإدمان، لا تقتصر على التقليل، أو البعد عن هذه المواقع؛ بل محاربة مواقع التفاهة بالتجاهل والمقاطعة..
 
 ولعل هذا هو الجانب الأصعب عند من يعانون الفضول المفرط نحو كل عبارة تصطادهم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر