عن الذكرى العاشرة للربيع


منذر فؤاد

 
 عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه، لم يكن ينوي قيام ثورة، ولم يكن يعلم أن الشرارة التي اصطلى بها جسده، ستكون هي الشرارة التي أشعلت فتيل الثورات في بلدان كانت مهيأة أساسا لاندلاع الثورات.
 
من المخجل، أن نطالع صحفا غربية تعبد الحرية من دون الله، وهي تنعت البوعزيزي -رحمه الله- بأنه ملعون من قبل التونسيين مثلما كتبت صحيفة الجارديان، أو تدعو لعدم الاحتفاء بالثورات العربية وتحمل الشعوب مسؤولية فشل التغيير، مثلما ذكرت صحيفة الايكونوميست.
 
إن هذا النوع من الصحافة الرخيصة، لم يكن ليظهر، لو أن الشعوب نجحت في ثوراتها، وتحررت من الأنظمة الوظيفية، التي لا تمل من هدر الأموال وتسخير المادة، لاقتلاع فكرة الثورة من الوعي الجماهيري، وشيطنتها بأحط السبل، بما فيها شراء الأحرف في الصحافة الأجنبية.
 
تمر الذكرى العاشرة للثورات العربية، وسط ظروف مأساوية مهيأة تماما، لشيطنة التغيير، وإلقاء اللوم على شعوب كان خيارها المتاح لإحداث تغيير إيجابي، هو الثورة فقط. هذه الظروف عينها، شكلت طريقا سالكا، لأرباب الثورات المضادة والأنظمة الوظيفية، لإلقاء حمولتها القذرة في الوسط الإعلامي والسياسي والاجتماعي، لتلميع الأوضاع التي كانت قبل 2011، ومنح صكوك الوطنية لمن كانوا في ذلك التاريخ مجرمين وخونة ومصادرين للإرادة الشعبية.
 
منذ لحظاتها الأولى، حرصت الثورات، على سلميتها ونبذ العنف، والمطالبة باستبدال أنظمة عفنة، لم تعد صالحة ولم تكن كذلك من قبل، لتحقيق مطالب المواطنين المعيشية، وحقهم في الكرامة والعدل والحرية، واستعادة السيادة التي مازالت مصادرة حتى الآن، فهل كان هذا خطأ الثورات أم جريمة الأنظمة التي لم تستوعب إلقاءها خارج الصندوق، فشرعت في القتل والتدمير كأسلوب انتقامي؟
 
إن نظرة موضوعية، لأحداث الثورات والتداعيات السياسية التي رافقتها، تكشف بجلاء من كان يتحدى إرادة الشعب ويصفهم بالمأجورين والمخربين، ومن كان يبشر الناس بالتوريث ونار التغيير تلفح وجهه، ومن كان يرتكب المجازر باستخدام الآلة العسكرية الثقيلة، ومن كان يهدد الشعب بأن البلاد بدونه ستؤول إلى الفوضى.
 
من ناحية تقييمية، فإن الثورات لديها أخطاء يمكن تفهمها بالنظر إلى حداثة التجربة الثورية في عالمنا العربي، أما من ناحية شرعية، فإن الثورات كانت وماتزال مشروعة لاجتثاث الأنظمة الوظيفية، وإن حاولت خداع الناس بأنها ولدت من رحم الثورة.
 
ما أحوجنا اليوم إلى توثيق أحداث الثورات وعلاقاتها بمختلف الأطراف، بعيدا عن التدليس الذي يقف خلفه عرابو الثورات المضادة، وبعيدا عن المثالية التي يتمسك بها بعض الثائرين، كردة فعل دفاعية في زمن أبرز شعاراته الدعائية الكفر بالثورة.
 
وهنا أود أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الثورات في تونس وليبيا ومصر وسوريا، حظيت بنصيب لابأس به من المؤلفات والكتب المتعلقة بها، بينما لم أقف حتى اللحظة على كتاب يوثق للثورة اليمنية، وهي مسؤولية تاريخية تقع بدرجة رئيسة على من عاشوا لحظات الثورة، وكانوا جزءا من يومياتها، وشاهدين على التقلبات والعلاقات التي رافقت مسار الثورة.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر