النبي محمد وتولستوي 


سلمان الحميدي

بسبب الخوف من وصمة المحافظة، يتكبر بعض الكُتاب العرب، أو يهربون من الكتابة عن أشياء دينية، كأن يتغاضون عن الكتابة حول النبي محمد. 
 

وهناك سبب آخر، وهو الاعتقاد بأن الكتابة عن النبي أو عن قيم تحض عليها أو توجبها التعاليم الدينية، قد يحرمهم من الامتيازات التي تقدمها مؤسسات ليبرالية أو تدعمها جهات لها مواقف من الإسلام السياسي، وهذا القسم يختص بالكتابة الأدبية تقريبا. 
 

وهناك عامل ثالث، لا يقف على الكتابة فقط، بل يشمل تغريدات المشاهير وتصريحات النشطاء، وحالات المفسبكين، وهؤلاء يظهرون كما لو أن لديهم مشكلة مع الدين، فيجتزؤون النصوص ويفسرونها حسب الأهواء، وأغلبهم يفعل ذلك بدافع المصلحة المرتبطة بمؤسسات أجنبية أو بحثاً عنها، إذ يظنون أن اتخاذ موقف من الدين يوطد العلاقات مع الأجانب، غير مدركين أن العالم يعمل على تعزيز معايير مثل الموضوعية كلما تقدم الزمن! 
 

بدأ العزوف عن التعبير عن المشاعر الدينية أو الاستخفاف بها أكثر في وقتنا الحاضر، مع قلة الاطلاع وتطور وسائل التواصل ومع الرغبة بتحقيق الذات، على غير ما كان عليه المثقفون والكتاب في القرن الماضي، إذ كان الأديب يكتب رواية ولا يمنعه ذلك من الكتابة عن شخصية دينية أو التأريخ للعصور الإسلامية. 
 

تجد شخصيات نجيب محفوظ، تعيش الواقع، وتتيم بسورة الرحمن، وتصلي على النبي.. تجده يكتب عن شخصيات نسائية، وتجده يوجه نقده للجماعات التي تقدم الإسلام بصورة سيئة، لقد فاز بجائزة نوبل «وهذا محفز للكتّاب المبتدئين ألا يظهروا بغير أرديتهم، وألا يعملوا على تعرية الجمل لا لشيء غير طمع المِنح، وأن يصلوا على النبي». 
 

أتذكر موقفا حصل معي، عندما غادرت القرية لأول مرة ووصلت العاصمة لأول مرة كذلك، حضرت إحدى الفعاليات التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني، وعندما رفعت يدي لأشارك بمداخلة بسيطة، استشهدت بحديث شريف، صديقان قالا لي أن الاستشهاد بحديث أحرجهما وأظهرني كشخص راديكالي يناقض التوجهات الحداثية ويعيق شيئا ضخما، لم أحفظ "الكلمة" المعبرة عن الشيء الضخم، ولم أفهم المراد من تعليقهما، بدا لي وقتها أن الأمور تختزل بهذا الشكل، وأنه إذا أردت أن تصنع نظرة متقدمة عن نفسك، فلا تبدو قريبا من أحاديث النبي. 
 

بما أن الموضوع متعلق بالكُتّاب والكتابة، فقد قرأت مرة كتابا صغيراً اسمه "حِكم النبي محمد"، لم أقرأه من أجل عنوانه، وفي تلك الفترة، كنت أريد أن أتزيا بمظهر التقدمي العميق، لقد شدني اسم المؤلف: تولستوي. 
 

الأديب الفيلسوف، صاحب الحرب والسلام، نقل الكتاب الصغير من الإنجليزية إلى الروسية. الكاتب الكبير وفي ذروة انتاجه فعل ذلك في القرن التاسع عشر، لم يخش من تهمة الراديكالية، وتأثره الواضح من أحاديث النبي محمد لم ينقص شعبيته في مجتمع غير مسلم أصلاَ، ولم يفكر أن استهزائه بالإسلام سيجعله على قمة الأدب العالمي والعكس.. مَن من عشاق الأدب في العالم لا يعرف تولستوي الآن؟! صلوا على النبي. 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر