تعز.. استعادة المعنويات


سلمان الحميدي

 في المدينة، تبدو المراشقات الافتراضية كما لو أننا على مقربة من الانتخابات، لا أننا نعيش حرباً من خمس سنوات، وإذا كنت ستقيم وزنا لتبادل التهم، وتأخذ الاستياء من المتبرمين على محمل الجد، ستتأثر نفسياً، ستشعر أن الناس متفرغين للاستعراض والشكوى، القضية الوطنية تلاشت، ومواجهة الحوثيين أيضاً..
 
ذهبت مع صاحبي عنتر في عزومة عند أحد أبناء الأقيوس، فائز القيسي، أحد القيادات الميدانية لجبهات القتال، حضر مجموعة من أفراد الجيش، شعرت أن هؤلاء لا حس لهم ولا أولوية غير دحر الحوثيين، جريح باع ذهب زوجته وأمه لإجراء عملية جراحية لرأسه في الهند، ومع ذلك غير مستاء من المقاومة، لقد تعذب في الهند ومع ذلك عاد إلى موقعه لقتال الحوثيين، كما أنه يقوم بمذاكرة متطلبات الجامعة عندما تهدأ الاشتباكات. يا سلاااام، عندما يشعر أي شخص بالإحباط فليحضر مثل هذه المجالس عند هؤلاء العظماء..
 
*
كل الأيام:
سيارة لبنية لا تهدأ، تتحرك إلى مواقع القتال هنا وهناك، عرفت أحد الأصدقاء، لكني لم أتعرف على الشاب الذي يقود السيارة، كنا نلتقي ونحي بعض من معرفة صاحبنا الثالث.
الساكنون في شمال المدينة يصادفون السيارة بأي وقت، في الصبح، الظهيرة، عند الغروب وآخر الليل، يبدو أن هذا الشاب قيادي، قلت في سري: لو جرى للسيارة شيء فسيكون هذا مدعاة للكتابة عن الشاب؟

*
السبت:
المياه في الخزان البلاستيكي خلصت، القذائف متواصلة، وأصوات الاشتباكات العنيفة لم تتوقف، اتصلنا بصاحب الدينا ليجلب الماء، لكنه تعذر بالوقت، إذ كان سيصل عند التاسعة مساء، ونحتاج لنصعد إلى سطح البناية، وسنحتاج إلى قليل من الضوء، قد يرى القناص الحوثي الضوء ويتقن عمله. قرر صاحب الوايت أن نقوم بتعبئة الخزان في الساعات الأولى من صباح الأحد.

*
صباح الأحد:
صعدت مع "اللي" إلى سطح البناية، ووضعته داخل الخزان، كنت متناوماً، أمسكت بالحبل وجلست على أرضية السطح كي أبدو بعيدا عن رؤية المواقع الحوثية، دقائق قليلة وسقط الحبل وانجذب "اللي" إلى الدور الأسفل، خشيت أن يتبلل الأطفال الذاهبين إلى المدارس، لا أعرف إن كنت غفوت، المهم أني كنت أسمع طلقات نار، وإذا كنتَ في المدينة لا بد أن تشعر بأن الرصاص يمر من فوق رأسك.. تشتم القناص وتثلب العار الذي جاء منه ولم يحسن تربيته وجعله لا يفرق بين الدم والفيمتو..

*
ظهر الأحد:
هل تعرف فائز القيسي؟
نعم أعرفه.. قد لا يعرفني من جلسة واحدة، لكني أعرفه، عندما خرجت من عنده قلت لصاحبي عنتر، عندما تتحطم المعنويات فلنأتي إلى هنا..
فائز القيسي، كان في مقدمة صفوف المواجهة مع الحوثيين الصباح، داس لغما زرعته المليشيا، طارت قدمه وأصابع يده، هو الآن في المستشفى..
كانت صدمة.. عبدالله منصور فتح الخط أمام مقاتلي الجيش الوطني، كان أول المهاجمين، استشهد..
رحمه الله.. ولكن من عبدالله منصور؟
"ماتعرفوش" قال صاحبي مستنكراً وأردف "إلا تعرفه، اللي تلتقي به كل يوم".. أوه صاحب السيارة اللبنية.. تأكدت من صورته، هذا من عرفت سمته قبل اسمه، الله...
سمعت أحد المقاتلين الذين عادوا من الهجوم يقول بأن فائز كان يقول لعبدالله منصور أن يخفف من إقدامه، ألا يهاجم بشجاعته كلها خوفاً عليه، وكان يمازحه: الحرب لم تنتهِ والمدينة تحتاجك.. لكنهما هاجما بكل شجاعتهما.
كان الجيش الوطني قد استولى على سلسلة بنايات في الجبهة الشمالية وفكك شبكات ألغام، ووصل إلى القناص الملشياوي، وقام بتحييد بعض المواقع المرتفعة أيضاً...
إلى جوار عبدالله منصور استشهد في ذلك اليوم محمد مهيوب الجهلاني...
لماذا يضحي هؤلاء بأغلى ما يملكون؟ لماذا لايشعرون بالإحباط من تبرم المستاءين؟.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر