بؤس مادح التطبيع


سلمان الحميدي

أحيانا تريد أن تثبت وجودك في مهمة ما، أو تريد أن تحقق مصلحتك في مكان تنتشر فيه العقبات، ولذا عندما تكون غريبا على المكان وأناسه، فأنت تقوم بالاستعانة بوسطاء أو شراء مادحين كحلفاء رديئين يمهدون لخطواتك بتلميع السمعة.
 
مهمة المادح أو من باعك قناعته، تقتصر على أشياء بعينها، وتحديداً ربطك بالأشياء الرائعة التي ستحققها للناس، ولكن هناك مواقف يورطك فيها الأغبياء الذين تحالفت معهم، وهي قيامهم بمدح مشروعك بإفراط، مدح كل شيء فيك دون أن تطلب منهم ذلك، مدحك في أشياء ليس لها صلة بمشروعك معهم كمرتزقة. ولا شك أنك ستتعرض لإحراج كبير وبألم أكبر من انكشاف "عبيد المدح".
 
موقف نائب رئيس المجلس الانتقالي، السلفي السابق، هاني بن بريك، واندفاعه إلى الواجهة لمدح كل ما هو إماراتي، إحدى النكبات "الحانبة" بحلق أبو ظبي، فلا هم عرفوا ابتلاعها ولا يستطيعون إخراجها.
 
موقفه الأخير "للسلام على الصهيوني نتيناهو"، فاق تصورات الاماراتيين، فبعد إعلان اتفاق التطبيع بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي، لم يقفز مسؤول إماراتي للسلام على نتنياهو، وفعلها بن بريك تخيلوا..
غرد نتنياهو: السلام عليكم وعلينا..
وأعاد بن بريك التغريدة وعلق: وعليكم والسلام وعلينا.. وحيا على سلام تسكن فيه المنطقة ويقطع دابر الحروب وتجارها.
وأصدرت الألوية التابعة لطارق صالح بياناً رحبت فيه بالخطوة!


***
 
طرفة وعبرة!
خطب فتى من بني كلاب امرأة، فقالت أمها: دعني حتى أسأل عنك.
انصرف الفتى، فسأل عن أكرم الحي عليها، فدُل على شيخ كان يحسن المحضر في الأمر، فأتاه فسأل أن يحسن عليه الثناء، وانتسب له فعرفه، ثم إن العجوز غدت على الشيخ، فسألته عن الفتى، فقال:
أنا أعرف الناس به.
قالت له: فكيف لسانه؟
قال: مدره قومه وخطيبهم.
قالت: فكيف شجاعته؟
قال: منيع الجار، حامي الذمار.
قالت: فكيف سماحته؟
قال: ثمال قوم وربيعهم..
ثم أقبل الفتى، فرآه الشيخ فقال: ما أحسن والله ما أقبل، ما انثنى ولا انحنى.
ودنا الفتى فسلم، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلم، ما فار ولا ثار.
ثم جلس الفتى، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما جلس، ما دنا ولا نأى.
ثم ذهب الفتى ليتحرك، فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط، ما أطنها ولا أغنها، ولا بربرها ولا قرقرها.
ونهض الفتى خجلاً، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما نهض، ما أرقد ولا إقطوطى (لم يباعد بين خطواته ولم يقارب).
فقالت العجوز: حسبك يا هذا، وجه إليه من يرده، فو الله لو سلح في ثيابه لزوجناه.
 
***
 
الطرفة التي ذكرها ابن عبدربه في مصنفه: العقد الفريد، لم تذكر إن كان الشيخ قد أرسل من يرد الفتى، فبعد المديح الصارخ الذي وصل إلى الضرطة، لن نرى إلا غبار الفتى المحرج.
 
كانت الصفات جيدة وتزكي الخاطب لدى أم الفتاة؛ سمعة القيم النبيلة، ولو بشيء من النفاق: الخطابة والشجاعة والسماحة، لكن من يذهب إلى شيخ ويستعين بخدماته، عليه أن يدرك أن الشيخ سيخرج عن المهمة الموكلة إليه إلى ما ليس في الحسبان.
 
وكانت مهمة بن بريك، كرجل قادم من بلد هو أحد صناع تعاسته، يمكن أن تقتصر في مدح وزارة السعادة في الامارات، أو أن يتذكر تطرفه وتاريخه الانتقامي ويتحدث عن عام التسامح، وفي بلد مهدم فيه الأعمار والبنيان كي يكفي بن بريك أن يمدح برج خليفة والأشكال التي يضاء بها عند كل مناسبة.
يا لهول المِدحة، السلفي السابق راح يموسق ضرطة التطبيع!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر