نماذج من تاريخنا المزيف


منذر فؤاد

 في كتاب التاريخ للصف التاسع، مازلت أتذكر صورة جمعت بين علي عبدالله صالح وجمال عبد الناصر، وقد كتب تحتها: "رمزان من رموز الأمة العربية". ثم تبيّن لي لاحقا أن هذين الشخصين لم يلتقيا البتة، وأن الصورة تم معالجتها لحاجة السلطة إلى ربط صالح بعبد الناصر، نظرا لما يتمتع به الأخير من شعبية. كما تبيّن لي أيضا أن الرجلين كانا رمزين فعلا، ولكن من رموز العار والتسلط الفردي والاستبداد العسكري.
 
تكمن خطورة مناهج التعليم التي درسناها، أنها صنعت ثقافة جيلا كاملا من التلاميذ على معلومات مضللة، أو مفاهيم تُعّمق تغييب الجماهير داخل حالة من اللاوعي، خاصة في الجانب التاريخي، إضافة إلى أنها همشت التاريخ الإسلامي في مقابل إحياء نزعات الانتماء لجاهلية ما قبل الاسلام.
 
وكتب التاريخ التي اقتتنا عليها زمنا في مرحلة المدرسة، تشيد بالحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون عام 1798، وتعتبرها مفتاحا للنهضة العلمية في مصر، لكنها لاتحدثنا عن جرائم هذه الحملة، واقتحامها للأزهر وسفك دماء المصريين الذين ثاروا في وجه الاحتلال! وكيف أن اللص نابليون كان يمنح الأمان لنساء كبار المماليك، مقابل مبالغ ضخمة من المال، وصادر ممتلكات المصريين وفرض ضرائب على دفن الموتى!
 
وهذه الكتب، تحدثنا عن محمد علي باشا، والي مصر، الذي سعى لإقامة دولة عربية موحدة، وعن ثورة الشريف حسين على دولة الخلافة بلغة يغلب عليها الإشادة، ولكنها لاتصف ماقام به الرجلان من خيانة وخروج على دولة الخلافة، في ظل ظروف احتضار كانت تعانيه هاته الدولة.
 
أما وجود دولة الخلافة العثمانية في اليمن، فإن كتاب التاريخ المدرسي، يكتفي باستخدام عبارة "الوجود العثماني"، ويسرد عددا من مساوئ الباشوات الذين حكموا اليمن بصورة لاتدع مجالا للشك بأن الخلافة العثمانية كانت وبالا على اليمن!
 
ومن يتفحص الجانب التاريخي في منهج المدرسة، سيدرك: لماذا اليمني يفخر بأنه سليل ملوك حمير وسبأ؟ ولماذا يفاخر بأنه حميري أو سبئي؟ ولماذا يعتز بسيف بن ذي يزن؟ وهذا الفخر الذي صنعه المنهج الدراسي لاقيمة له، في اعتقادي، عندما ندرك أنه يقوم على حساب سلخ اليمن عن تاريخه الإسلامي، وعن أبنائه الذين كانوا أبرز قادة الفتح الاسلامي شرقا وغربا، وتحاول حصر تاريخ اليمن، فقط، بوثنيات ما قبل دخول اليمنيين في الاسلام.
 
وعلى هذا الطريق الذي رسمه المحتل الغربي في منهج الدراسة في العالم العربي، يصبح اليمني حميريا، والمصري فرعونيا، والشامي فينيقيا أو كنعانيا، والعراقي بابليا، لكن لا مجال لأن ينسب نفسه إلى الإسلام، إذ إن ذلك مثار حرج، وضيق أفق في قاموس الدولة القُطرية التي تتجاوز الديانة، وتعلي من شأن الانتماء الوطني والمناطقي!!
 
هذه ملاحظات عابرة، ماتزال حاضرة في ذهني، ولو أعدت تفحص هذه الكتب، لوجدتني كتبت النزر اليسير مما يجب أن يكتب بشأن مغالطات وأباطيل شكّلت اتجاهاتنا وثقافتنا، وتبيّن أننا ضحايا أكثر من كوننا طلبة علم!
 
لماذا أكتب عن هذا الموضوع، الذي قد يعتبره البعض مكررا، أو لاقيمة له أمام طاحونة الحرب التي لم تتوقف؟ أكتب ذلك لإن لوثة هذه المناهج قد فعلت فعلها في عقول أبناء الواقع الذي نعيشه، وهذا يتطلب منهم إعادة قراءة التاريخ قراءة منصفة بعيدة عن التاريخ الذي زرعه منهج السلطة في عقولنا.
 
وأكتب أيضا، لأن عصابة الحوثيين أعادت صياغة تاريخ المنهج الدراسي، بما يخدم رؤيتها الطائفية، ويعزز من سلطتها القمعية، وهذه كارثة تاريخية، لن نشعر بفداحتها الآن، ولكن بعد حين.. بعد أن تفخخ ملايين العقول بفكرة الحوثية، وتتشرب من نبعها القذر!
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر