الشرعية تأكل أبنائها


منذر فؤاد

خلال الأسبوع الماضي، نجحت ميليشيا الانتقالي في فرض نسخة معدلة من اتفاق الرياض، تمنح الأولوية لتنفيذ الشق السياسي قبل العسكري، وهذا التعديل جاء تلبية لرغبة الانتقالي، ولم يتطرق إلى مسألة انسحاب الانتقالي من سقطرى التي كانت أحد شروط الشرعية للقبول بالنسخة المعدلة، ومع ذلك فرضت السعودية الاتفاق، وطلبت من الانتقالي خطوة رمزية لا قيمة لها، تتمثل في إعلان تخليه عن الإدارة الذاتية.
 
والملاحظ أن النسخة الجديدة من اتفاق الرياض، دفعت بعض السياسيين والمسؤولين الذين تحمسوا لرفضها إلى الدفاع بشراسة عن النسخة الأولى من الاتفاق، مع أن كلا النسختين تتعارضان مع التطلعات الشعبية، لكن بحسابات السياسة فإن النسخة الجديدة تفوق في ضررها النسخة الأصلية.
 
في النسخة الجديدة، سيكون بمقدور الانتقالي في المرحلة الأولى من الاتفاق الاستحواذ على أربع وزارات بشكل معلن وفقا لنص الاتفاق، وعلى نصف الوزارات إن نجح في السيطرة على النصف المخصص للمناطق الجنوبية بطرق ملتوية، كون الحكومة ستشكّل على أساس مناطقي.
 
ولو تحدثنا عن الوزارات الأربع التي ستكون من نصيب ميليشيا الانتقالي، فسيكون علينا أن نركز على الوزارات المهمة التي تعزز من سيطرة الانتقالي على الأرض، إذ لا يعقل أن الانتقالي سيقبل بوزارات هامشية، ومن المرجح أن ثلاث وزارات مهمة هي "الدفاع، الداخلية، المالية" سيستحوذ الانتقالي على أحدها على أقل تقدير، كون استحواذ الانتقالي على هذه الوزارات أو أحدها سيؤدي دورا مهما في تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق بما يخدم رؤيته، فضلا عن السيطرة على الموارد المالية اللازمة لدعم الجانب العسكري.
 
تتفيد الاتفاق الجديد بدون ضمانات حقيقية، يعني أن الانتقالي يمكنه الاكتفاء بتنفيذ الشق السياسي بما يدعم ثقله الميداني، ومن ثم المراوغة مجددا عندما يحين موعد تنفيذ الشق العسكري، أو تنفيذه بما يتفق مع رؤيته، والأهم من ذلك، أن الانتقالي ليس في وضع يضطره للتنازل عن المناطق التي احتلها؛ فالتهديد العسكري أضحى غير مجد بسبب فقدان القرار العسكري، والضغط السياسي غير موجود بسبب وقوف السعودية والإمارات خلف الانتقالي ومعاملته كطفل مدلل!
 
إجمالا، فإن قبول فكرة أن يصبح الانقلابيون شركاء في السلطة، يتيح لهم استخدام مظلة الشرعية إلى أبعد مدى، في تمرير أجندتهم والانتقام من خصومهم داخل منظومة الشرعية وإقصائهم، وإذا ما بدرت أي تصرفات اعتراضية فإن هذا يعني بالطبع تمردا على الشرعية لا على الانتقالي، وحينئذ سنكون أمام حالة سياسية فريدة، تلخصها جملة واحدة: الشرعية تأكل أبنائها.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر