لم تنعم العصابة الحوثية بالراحة، مثلما تنعم بها الآن، وقد جاء من يقاتل الجيش نيابة عنها؛ ميليشيا الانتقالي جنوبا وميليشيا طارق عفاش شمالا، وكلتاهما تتلقيان دعما سخيا إماراتيا سعوديا، ولا يستبعد وجود دعم حوثي بأي بشكل من الأشكال!
 
من المؤكد أن الجيش اليمني، أضحى هدفا استراتيجيا لأطراف داخلية كالحوثيين والانتقالي وميليشيا طارق عفاش وأحزاب يسارية، وأطراف خارجية في مقدمتها الإمارات والسعودية وإيران، وما أحداث عدن وسقطرى والتربة إلا حلقات في مسلسل استهداف ممنهج بدأ منذ سنوات الحرب الأولى.
 
لو ألقينا نظرة على نوعية الاتهامات التي توجه للجيش من قبل الأطراف آنفة الذكر، نجد إجماعا في اعتبار الجيش مكون غير نظامي؛ فمعسكر العصابة الحوثية يصفه " بـ"مرتزقة العدوان"، أما معسكر الإمارات والسعودية والكيانات المحلية الموالية، تصفه بمسميات أخرى، فضلا عما يرافق هذه الاتهامات من دعوات  لحل الجيش، وتحميله وحده مسؤولية الفشل في إدارة الملف العسكري، دونما اعتبار لأن السعودية والإمارات هما من يملكان القرارين العسكري والسياسي.
 
يخوض الجيش اليوم، معركة استنزاف غير مسبوقة مع العصابة الحوثية، مضاف إليها ميليشيات الانتقالي وطارق عفاش، وهذه المعارك لا يمكن ترك تفسيرها للصدفة، إذ إنها تتزامن مع استهداف إعلامي وسياسي للجيش والحديث عن تدخلات تركية قطرية في الشأن اليمني.
 
في السابق، كان" تحالف الرياض وأبوظبي" يستخدم أساليب تقليدية في استنزاف الجيش، من بينها منع تزويده بالأسلحة الثقيلة والضرورية، وتوجيه ضربات جوية حال قرر الجيش تخطي الخطوط الحمر بالنسبة للتحالف ونسبة الضربات للخطأ غير المقصود، فضلا عن حصر تشكيلة الجيش في القوات البرية، حتى يصبح في حالة احتياج لسلاحي الجو والبحر، يصعب معها الاستغناء كليا عن هذا التحالف.
 
ومع صمود الجيش أمام أساليب الاستنزاف، لجأ التحالف إلى مرحلة تالية من أساليب استنزاف الجيش، عبر إنشاء كيانات محلية خارج إطار الجيش كالنخب والأحزمة وميليشيا طارق عفاش، ودعم كيانات معينة داخل إطار الجيش وتشجيعها على التمرد، ككتائب أبي العباس التي أدت دورا فوضويا داخل مدينة تعز، وعناصر أخرى" داخل الجيش" لديها القابلية لأداء نفس الدور مستقبلا.
 
في مرحلة متقدمة من معركة استنزاف الجيش، لجأ التحالف إلى أسلوب المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيش ودعمه بالأسلحة الثقيلة والطيران، في المناطق المحررة، وهذا الأسلوب حقق نجاحا نسبيا على الأقل حتى الآن في إخراج الجيش من عدن وأبين ولحج وسقطرى، لكنه فشل نسبيا أيضا -حتى الآن- في جر الجيش للمواجهة في حضرموت والمهرة وتعز.
 
والمتابع لمعركة استنزاف الجيش، يجد ثمة مباركة سياسية لأحزاب سياسية مشاركة في السلطة، وشخصيات سياسية تتولى مناصب عليا في الدولة، انطلاقا من حسابات سياسية تصب كلها في "استعادة ما تبقى من إرث صالح" وفرضه على اليمنيين بصورة منقحة وعبر وجوه مؤتمرية مألوفة!
 
من الملاحظ أيضا، أن قيادة المؤسسة العسكرية نفسها، تؤدي دورا سلبيا في استنزاف الجيش، من خلال قبولها بمصادرة القرار العسكري، وتماهيها مع حالة التبعية للخارج، دونما بذل جهود لاستعادة هذا القرار، وإعادة تأسيس العلاقة بين الجيش والجيوش الأخرى، بشكل يقوم على الندية لا التبعية والمجاراة.
 
ربما تكون مرحلة الاستنزاف الراهنة من أصعب مراحل الاستنزاف التي يمر بها الجيش، لكنها تعطي مؤشرا للمراحل الأكثر صعوبة في قادم الأيام، فهل أعدت قيادة الجيش خططا لمواجهة الاستنزاف والاستهداف استعدادا لما هو آت؟!

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر